ربما يختلف هذا البرلمان عن سابقه ، فبالرغم من سيطرة المؤتمر الوطني علي البرلمان نجد أن هنالك تعدد في الأحزاب داخل البرلمان وهنالك أكثر من مائة عضو لا ينتمون للحزب الحاكم وبالتالي فان دوره كجهاز تشريعي و رقابي يجب أن يكون مؤثراً وحتى لا نذهب بعيداً في التفاؤل فأن طبيعة النظام الحاكم يستطيع أحتواء أي معارضة حقيقية داخل البرلمان وقد ظهر ذلك جليا في حرمان النواب المستقلين من تكويين كتلة لهم ، ومع ذلك لا نبخس ما ظهر من أداء البرلمان فبالأمس وعند مناقشة البرلمان لملف حقوق الإنسان والحريات الأساسية أنبري عدد من النواب بالحديث عن هذا الملف الشائك الذي جعل البلاد دائما في (عنق الزجاجة وفي حالة زرزرة وزنقة)هذا التعبير في محله تماماً وقد صادف الحقيقة هنالك انتهاكات فظيعة لحقوق الإنسان في مناطق النزاعات يرتكبها كل الأطراف الحكومة والحركات المسلحة والمتفلتين وبطبيعة الحال فأن انتهاكات حقوق الإنسان تزداد في مناطق النزاعات المسلحة ولكن هذا لا يعفي الأطراف من الالتزام بالقواعد و المعايير الدولية في حماية المدنيين العزل وكذلك حماية المواقع والمؤسسات المدنية الخ .. لم يقف الامر عن هذا الحد بل ان هذه الانتهاكات وصلت إلي كل المناطق فالاعتقالات التحفظية تكتنفها انتهاكات لحقوق الإنسان ...اعتقالات لفترات طويلة دون تقديم المعتقل للمحاكمة وطريقة الاعتقال ذاتها تخالف القوانين وحرمان المعتقل من حقوقه الأساسية كمعتقل مثل عدم إبلاغه بأسباب الاعتقال و عدم السماح له بمقابلة محاميه وذويه وكتجربة عملية فقد عانيت شخصيا من سوء المعاملة وإهدار الكرامة وأنا في المعتقل.....وكما ذهب إلي القول زميلنا الأستاذ المحامي المحترم/ النائب البرلماني محمد الحسن ابو شامة أن أغلب الاعتقالات غير مبررة ويؤثر سلبا علي حالة حقوق الإنسان في البلاد مثل اعتقال محامي بسبب ممارسة عمله في قضايا ضد الجهاز التنفيذي مثل الاعتقال التعسفي الذي تعرض له زميلنا الأستاذ/ عصام الدين عثمان عباس وعطفاً علي هذا وقد سبق لنا ان كررنا ذلك تكرارا ومرارا بضرورة التزام الجهة التي تملك حق الاعتقال التحفظي بالدستور وبالقوانين وخاصة قانون الأمن والمخابرات الوطني ليس مقبولاً هذه العشوائية في الاعتقالات والانتهاكات التي تصاحبها !! اما مصادرة الصحف وإيقافها فهي كبيرة من الكبائر , اعتداء علي حرية النشر والرأي ومصادرة حق المواطن في الحصول علي المعلومات بجانب أن هذه المصادرة وهذا الإيقاف يسبب ضرراً ماديا لأصحاب الصحف والناشرين بجانب الإضرار بالعاملين بالصحف الذين يفقدون مصدر عيشهم عند إيقاف الصحف ... هذه المسألة أصبحت في الآونة الأخيرة تسبب قلقا للصحف وللقراء بجانب أنها فتحت الباب علي مصراعيه للمنظمات الدولية لتصويب النقد والهجوم علي البلاد وجعلها في قائمة دول المراقبة .....وأن الإدانات المتكررة للبلاد في المحافل الدولية سببها مصادرة وإيقاف الصحف وحسب علمنا المتواضع انه لا يوجد قانون في هذا البلاد يعطي السلطة للأجهزة الأمنية بمصادرة الصحف وايقافها وأن ما يجري لا يستند إلي أي قانون الا قانون القوة وليست قوة القانون..... لو ذهبنا نستعرض الأسباب الداعية لمصادرة الصحف وإيقافها نجد العجب العجاب.... الحديث عن ظواهر اجتماعية خطيرة مثل التحرش الجنسي ضد الأطفال ينهض سببا لمصادرة الصحف مع أن الصحيح يجب تناول مثل هذه الظواهر بموضوعية وبشفافية بعيداً عن التهوييل والتهويين ليكون مدخلا للمعالجة...... اما دفن الرؤوس في التراب ظاهرة النعامة هذه فلا تعالج مشكلة بل تجعلها تنمو وتستفحل في ظلمات الكتمان والانكار.....و تناول ظاهرة التحاق بعض طلاب الجامعات السودانية بالحركات الأصولية المتطرفة مثل داعش تصبح خطا أحمراً يستوجب مصادرة الصحف وإيقافها إذن ما دور الصحافة السلطة الرابعة أن لم تنقب عن الأحداث وإبرازها بصورة يستطيع معها المجتمع التحرك لأحتواء المشكلة وحلحلتها !! تناول بعض القضايا أمام المحاكم مثل قضية سرقة عربات القصر الجمهوري تصبح ممنوعة من النشر وسببا لمصادرة الصحف مع أن مثل هذه القضايا عادية جداً ولا تعرض الأمن القومي لأي خطر صغير أو كبير ومن جانب آخر فأن نشر وقائع المحاكمات يعني حق الجمهور في الاطلاع علي مايدور في المحاكم و هو وجه من وجوه مراقبة أداء السلطة القضائية نفسها وبالتالي فأن الصحافة الحرة التي تقوم بنشر تلك الوقائع هي وجه العدالة بالتساوي مع المحاكمات العادلة , والمحصلة النهائية أن مبررات مصادرة الصحف لا تقف علي ساقين سليمتين ورغماً عن ذلك لماذا لم تلجأ الجهات الأمنية إلي القضاء لضبط سلوك الصحافة ؟ ليس مقبولاً خنق الصحافة وجعلها مجرد بوق للنظام فالصحافة الحرة هي عنوان الديمقراطية وأن حرية الرأي لا تحد إلاّ بقانون عادل..... أما المسألة الآخرى والتي أثيرت في البرلمان هي عدم تنفيذ أحكام القضاء فالجهات الحكومية كثيراً ما تقف حجر عثرة أمام انفاذ أحكام القضاء فهنالك عشرات القضايا والتي حازت علي الحجية لم تجد طريقها إلي الأنفاذ وهي ظاهرة ألقت بظلال كثيف من الشك علي احترام السلطة للقضاء وعلي سبيل المثال فامامي كمحامي قضايا من هذا النوع متعلق بالأراضي التي تقوم السلطة بنزعها للصالح العام وبالمقابل ترفض تعويض أصحاب هذه الأراضي فكل القوانين ذات الصلة تذهب الي القول بحق السلطة في نزع الأراضي للصالح العام مقابل تعويض لأصحاب هذه الأراضي ...... إلاَ ان الجهات المعنية في كل الولايات تقريبا تضرب بذلك عرض الحائط رغم قرارات القضاء أو النيابة العامة فهذه المسألة تعد انتهاكا لحقوق الإنسان في أبشع صورها فكيف لدولة ترفع شعار المشروع الحضاري الأسلامي تقع في براثن هذا الظلم!! السادة النواب الذين تحدثوا عن بعض الأجسام والمفوضيات المعنية بحقوق الإنسان مثل المجلس الأستشاري التابع لوزارة العدل والمفوضية القومية لحقوق الإنسان فهذه الأجسام مجرد أجسام هلامية غير قادرة ولا راغبة في مجرد مراقبة حالة حقوق الإنسان في السودان , كل عمل هذه الأجسام محاولة تجميل وجه النظام في هذا الخارج وبالتالي فأن التعويل عليها في تحسين حالة حقوق الإنسان في البلاد مجرد عبث , هذه الأصوات التي صدعت بالحق داخل قبة البرلمان يجب عليها إلاّ تكتفي بذلك (طق الحنك) بل عليها بالمتابعة والمراقبة ودفع البرلمان إلي اتخاذ قرارات واضحة او تعديل قوانين لوقف العبث بحقوق الإنسان أما الأصوات النشار التي تحدثت بالأفك والبهتان بأن حالة حقوق الإنسان تسير بانضباط وأن المطالبة بالاهتمام بحقوق الإنسان يعني طريق للفوضي وإننا لسنا في عهد الخلفاء الراشدين ! مثل هذه الأصوات حالة نفاقية تعتري البعض من الذين تستهويهم السلطة والجاه و حتما ستذهب إلي مزبلة التاريخ فالحق أبلج والباطل لحجج أما المسألة التي أثارها النائب أمين حسن عمر بضرورة تحديد جهةالمساءلة عند تناول القضايا المتعلقة بالأجهزة الأمنية تحديدا جهاز الأمن الوطني فبموجب الدستور وقانون الأمن الوطني فأن السيد رئيس الجمهورية هو القائد الأعلي والمسئول الأول من الجهاز وبالتالي فأن تقارير الجهاز ومناقشتها يجب أن تقدم من الرئاسة أما بواسطة وزير رئاسة الجمهورية أو مجلس الوزراء أو أحد وزراء الدولة برئاسة الجمهورية أو حتى مدير جهاز الأمن نفسه لا أحد ولا أي مؤسسة مهما علا كعبها فوق المحاسبة , علي أية حال نحن أمام صحوة البرلمان ونتمنى الاستمرار في هذا الخط الإيجابي أصلاحاً للشأن العام وإبراء للذمة ووفاء للقسم الغليظ وأنه لقسم لو تعلمون عظيم. بارود صندل رجب المحامي [email protected]