شاهد بالفيديو.. (يووووه ايه ده) فنان سوداني ينفعل غضباً بسبب تصرف إدارة صالة أفراح بقطر ويوقف الحفل    شاهد بالفيديو.. رد ضاحكاً على مزاح الجمهور: (الحوت ما بتلحق وأسطورة لن تتكرر وكنت بغنيها من زمان).. الفنان مأمون سوار الدهب يغني إحدى أغنيات الأسطورة محمود عبد العزيز ويهديها لإبنته بعد زواجه منها    شاهد بالفيديو.. رد ضاحكاً على مزاح الجمهور: (الحوت ما بتلحق وأسطورة لن تتكرر وكنت بغنيها من زمان).. الفنان مأمون سوار الدهب يغني إحدى أغنيات الأسطورة محمود عبد العزيز ويهديها لإبنته بعد زواجه منها    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناوات سودانيات يشعلن حفل "جرتق" بلوغر معروف بعد ظهورهن بأزياء مثيرة للجدل    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناوات سودانيات يشعلن حفل "جرتق" بلوغر معروف بعد ظهورهن بأزياء مثيرة للجدل    شاهد بالفيديو.. (يووووه ايه ده) فنان سوداني ينفعل غضباً بسبب تصرف إدارة صالة أفراح بقطر ويوقف الحفل    "الجيش السوداني يصد هجومًا لمتمردي الحركة الشعبية في الدشول ويستولي على أسلحة ودبابات"    غوغل تطلب من ملياري مستخدم تغيير كلمة مرور جيميل الآن    يبدو كالوحش.. أرنولد يبهر الجميع في ريال مدريد    التهديد بإغلاق مضيق هرمز يضع الاقتصاد العالمي على "حافة الهاوية"    تدهور غير مسبوق في قيمة الجنيه السوداني    ايران تطاطىء الرأس بصورة مهينة وتتلقى الضربات من اسرائيل بلا رد    كيم كارداشيان تنتقد "قسوة" إدارة الهجرة الأمريكية    "دم على نهد".. مسلسل جريء يواجه شبح المنع قبل عرضه    خطأ شائع أثناء الاستحمام قد يهدد حياتك    خدعة بسيطة للنوم السريع… والسر في القدم    السلطات السودانية تضع النهاية لمسلسل منزل الكمير    وجوه جديدة..تسريبات عن التشكيل الوزاري الجديد في الحكومة السودانية    (برقو ومن غيرك يابرقو)    المباحث الجنائية المركزية ولاية الجزيرة تنفذ حملة أمنية كبري بالسوق العمومي وتضبط معتادي إجرام    مباحث شرطة الولاية الشمالية تتمكن من إماطة اللثام عن جريمة قتل غامضة وتوقف المتورطين    مونديال الأندية.. فرصة مبابي الأخيرة في سباق الكرة الذهبية    كامل إدريس يدعو أساتذة الجامعات للاسهام في نهضة البلاد وتنميتها    بلاغ بوجود قنبلة..طائرة سعودية تغيّر مسارها..ما التفاصيل؟    أردوغان: الهجوم الإسرائيلي على إيران له أهداف خبيثة    المملكة تستعرض إستراتيجية الأمن الغذائي لدول مجلس التعاون الخليجي    خسائر ضخمة ل"غانا"..تقرير خطير يكشف المثير    أنباء عن اغتيال ناظر في السودان    الترجي يسقط أمام فلامنغو في مونديال الأندية    افتتاح المرحلة النهائية للدوري التأهيلي للممتاز عصر اليوم باستاد الدامر.    فيكم من يحفظ (السر)؟    في السودان :كيف تتم حماية بلادنا من اختراق المخابرات الإسرائيلية للوسط الصحفي    من الجزيرة إلى كرب التوم..هل دخل الجنجويد مدينة أو قرية واستمرت فيها الحياة طبيعية؟    الحرب الايرانية – الاسرائيلية: بعيدا عن التكتيات العسكرية    نقل أسلحة إسرائيلية ومسيرات أوكرانية الى افريقيا بمساعدة دولة عربية    والي الخرطوم يصدر عدداً من الموجهات التنظيمية والادارية لمحاربة السكن العشوائي    أدوية يجب تجنب تناولها مع القهوة    إدارة مكافحة المخدرات بولاية البحر الأحمر تفكك شبكة إجرامية تهرب مخدر القات    (يمكن نتلاقى ويمكن لا)    عناوين الصحف الرياضية السودانية الصادرة اليوم الأثنين 16 يونيو 2025    سمير العركي يكتب: رسالة خبيثة من إسرائيل إلى تركيا    رباعية نظيفة .. باريس يهين أتلتيكو مدريد في مونديال الأندية    بالصورة.."أتمنى لها حياة سعيدة".. الفنان مأمون سوار الدهب يفاجئ الجميع ويعلن إنفصاله رسمياً عن زوجته الحسناء ويكشف الحقائق كاملة: (زي ما كل الناس عارفه الطلاق ما بقع على"الحامل")    المدير العام للشركة السودانية للموارد المعدنية يؤكد أهمية مضاعفة الإنتاج    المباحث الجنائية المركزية بولايةنهر النيل تنجح في فك طلاسم بلاغ قتيل حي الطراوة    السودان..خطوة جديدة بشأن السفر    3 آلاف و820 شخصا"..حريق في مبنى بدبي والسلطات توضّح    بالصور.. زوجة الميرغني تقضي إجازتها الصيفية مع ابنتها وسط الحيوانات    معلومات جديدة عن الناجي الوحيد من طائرة الهند المنكوبة.. مكان مقعده ينقذه من الموت    بعد حالات تسمّم مخيفة..إغلاق مطعم مصري شهير وتوقيف مالكه    إنهاء معاناة حي شهير في أمدرمان    وزارة الصحة وبالتعاون مع صحة الخرطوم تعلن تنفيذ حملة الاستجابة لوباء الكوليرا    اكتشاف مثير في صحراء بالسودان    رؤيا الحكيم غير ملزمة للجيش والشعب السوداني    شاهد بالفيديو.. داعية سوداني شهير يثير ضجة إسفيرية غير مسبوقة: (رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام وأوصاني بدعوة الجيش والدعم السريع للتفاوض)    أثار محمد هاشم الحكيم عاصفة لم يكن بحاجة إلي آثارها الإرتدادية علي مصداقيته الكلامية والوجدانية    ما هي محظورات الحج للنساء؟    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أيوب أبوغرة - قصة قصيرة


"أيوب أب غرة "
ذاك اليوم تلعثم إمام المسجد و هو يرى ذاك المشهد الغريب و قد عهدناه خطيبا مفوها . الأطفال طفقوا يركضون " وراء الكارو" و عيونهم الصغيرة قد اتسعت فى دهشة عظيمة ، بينما خرج " عثمان البخيل" من دكانه و هو يراهم يرددون " عم أب غرة جن " ، مما منح بعضهم فرصة لسرقة حلويات و بضعة جنيهات من داخل الدكان . بل إن الأخوين " صديق " و " أحمد " الذين ظلا متخاصمين لسنوات طويلة بسبب استيلاء الأول على ميراث الثانى ، شهدتهما الحارة يتحدثان عن ذاك المشهد اللا مألوف و كأن خلافاتهما قطعة ثلج أشرقت عليها الشمس .
لا نعلم متى ولد العم " أيوب أب غرة " على وجه التحديد . وحتى الذين يكبرونه سنا لا يعلمون له تاريخ ميلاد محدد . بدا لنا دائما و كأن الرجل قد سقط من السماء مع أمطار خريف ما ،أو خرج و حارتنا من باطن الأرض في لحظة ميلاد واحدة . لكن الثابت أن الرجل الأسمر البشرة ، النحيل الجسد ، الذي ظل يحترف الضحك و توصيل الناس ، ظل طوال حياته معلما بارزا من معالم الحارة مثله مثل المسجد العتيق الذى بدأت اللجنة الشعبية للحى تدخل عليه بعض الإصلاحات ، و مثل السينما التى هدمت و بيعت متاجر لبعض الأثرياء فى مزاد شهير . و كما تاريخ ميلاده ، لم نعلم له إسما كاملا يوما . يقول أبى إن الرجل عمل طوال حياته سائقا لعربة الكارو" تلك ، و عاشر فى حياته الخيول أكثر مما عاشر البشر. و قد كناه الناس بلفظ "أب غرة " لأن أول حصان اشتراه كانت به غرة بيضاء فى جبينه الأسود . " كان أول حصان اشتريهو . عاش معاى سنوات طويلة . و بى سببه بنيت بيتى ده و عرست و أنجبت أولادي التلاتة الأوائل ، و مات لمن كانت مرتى حامل بى بنتى الوحيدة " . حكى لنا كبار السن أن يوم زواجه كان يوما مشهودا . قدم له الناس من كل حدب و صوب . " الأعمى جا شايل المكسر" هكذا قالت جدتى . " الرجال بقو إرقصو مع النساوين التقول الله نزع الشهوة من قلبوهم . الغريب بقى برقص مع ود الحارة ، و الفقران و الغنى أكلو فى نفس القدح . و المتعلمين و الجهلة شربوا الشاى سوا من بعد الغداء " . عرف عم " أيوب " بكرمه رغم ضيق ذات يده . فلم يحدث طوال عمره أن أوصل واحدا من جيرانه لقاء مال .
صباح كل يوم يستيقظ " أب غرة" مبكرا قبل شروق الشمس . يرتاد المسجد ليصلى الفجر ثم يعود إلى البيت و مسبحته الطويلة تتدافع حبيباتها للتزحلق على خيطها الأسود المتين فى حب. يقوم بملء " الزير " خارج حوشه بالماء لعابري السبيل ثم يحتسى الشاي بسرعة و يخرج إلى الحارة طلبا للرزق. " زمان كانت فى بركة " . هكذا يقول دائما كلما التقيته . "الجنيه تشترى بيهو السوق كلو . و الرغيفة الواحدة تكفى العشرة تنفار . هسه الرغيفة كان مليتها سم ما تكتل الزول " . بيت " أب غرة " طينى متواضع ، تشمخ داخل حوشه الصغير شجرة نيم عملاقة. يضم الحوش غرفتين و ديوان فى أطرافه . يجفف " أب غرة" دمعة تنحدر على خده فى حرقة و هو يحكى لى عن ابنه البكر . " فرحت لمن أتولد زى التقول أتولدت أنا من جديد . قلت باكر بكبر و ببقى سندى . لكنو لمن كبر تعب من الملطشة فى البلد . جانى يوم و قال لى ماشى العراق . و سافر بعد ما بعت ليهو الوراى و القدامى . كان فى الأول برسل مصاريف شوية شوية واخبارو معانا . من يوم الأمريكان خشو بغداد أخبارو انقطعت . ما عارفنو هسه حى و لا ميت " . أعرف عنه أن ابنه الثاني يعمل " كمسارى" فى الخرطوم و يعودهم مرة كل ثلاثة أشهر . و هو متزوج من أرملة تبيع الشاي فى سوق الناقة . و لعله أفضل الأبناء له . الثالث التحق بالجيش . قضى في الجنوب عامين و نصف . ذهب إليه بساقين لكنه عاد إليهم و قد ذهبت إحداهما كما ذهب الجنوب نفسه . تلقى تعويضا زهيدا من الحكومة إبتنى به دكانا صغيرا يعول به أسرته الصغيرة. أما البنت فقد تزوجها إبن عم لها في اقاصى دارفور و لم يرها أبواها سوى مرة واحدة حين حضرت إلى الحارة معزية في وفاة قريبة لهم.
يقضى " أب غرة " سحابة نهاره جائبا طرقات الحارة . فهى عالمه الذي لا يخرج منه أبدا . بل إنه لا يصدق أنه توجد عوالم أخرى خارجها سوى مكة و المدينة اللتين تهفو إليهما نفسه ، و كلما عضه الوجد عض على شفته السفلى في قوة حتى يوشك أن يدميها . يظل يلتف مع أزقة الحارة الممتدة لا كالثعابين و لكن كخطوط راحة اليد ، يمازح هذا و يشاغب هذه و يجامل أولئك و صوت قهقهته الوسيمة يجلد الهم المردوم فى قلبه . يوما ذهبت إلى المسجد لأداء الفجر فلم أجده . ساورنى قلق فذهبت إلى بيته . وجدته ممددا على " عنقريب" صغير تحت تلك النيمة العملاقة . دعاني إلى كوب شاى فوافقت . سألته عن أحواله فقال و صوته يتهدج فى انكسار " داير أمشى أجدد ترخيص الكارو . و كمان الحكومة قالت لازم كل "كارو" تكون فيها نمرة زيها زى العربية . دا شنو دا يا ولدى ؟ " . هدأت من روعه و دسست فى جيبه مبلغا من المال رفضه لكنى حلفت عليه بالطلاق فأخذه و عيناه تفيضان نيلا دفوقا . بعدها بيومين إلتقيته مبتسما و النمرة الجديدة تتلألأ على مؤخرة الكارو . سأله جار لى عن سبب سعادته . قال ضاحكا إن أحد زملائه كتب على مؤخرة الكارو التى تخصه " إفراج مؤقت " فاعتقله السلطات لساعات متهمة إياه بالاستهتار بالقانون ، إذ المعروف أن المصطلح كان يكتب على لوحات سيارات المغتربين الذى أجبرتهم الحرب على الهرب من الكويت فى التسعينات . " البلد دى كان إنت فقير فيها بتحصل ليك حاجتين : تنداس و يطبق عليك القانون " . هكذا يقول "أب غرة " .
مرت به الأيام صاعدة و هابطة . ثم فجأة ألم به خطب جلل . إستيقظ فى منتصف الليل على أنين يشق الحوش . عرف فيه صوت حصانه الأثير . هرع إليه فوجده يتلوى في ألم عظيم . أحضر اللمبة الزيتية الصغيرة و على ضوئها الخافت رأى عينى صديقه فى الشقاء تتحدر دموعهما كبنى البشر. تحسس الشعيرات التى تتدلى على عنقه و كأنه يحثه على البوح بما يؤلمه فلم يتلق سوى مزيدا من الأنين و الرفس بالقدمين الخلفيتين و الذيل يكنس التراب فى حيرة . طفق " أب غرة " يستغيث فى هستيريا . تجمعنا حوله و لم نفقه ما حدث . أحد زملائه فى المهنة و الجراح نصحه أن يسقي الحصان المكلوم عجينا مخلوطا بملح فلم يجد الأمر فتيلا . و ظلت صحة الحصان تتناقص كالعمر كل يوم جديد حتى مات .
ذاك اليوم إستيقظنا على ذاك المشهد المؤثر . كان العم " أيوب أب غرة " يضع أطراف جلابيته بين أسنانه فى رهق و هو يجر العربة "الكارو" بنفسه . و رغم برودة الجو فقد كان العرق يتصبب على صدغيه فى غزارة و هو يسحب بضعة جوالات من الإسمنت . إرتفع الغبار و الصبية يركضون وراءه يتصايحون مرددين " عم أب غرة جن " . طفق " عثمان البخيل " يدفعهم عن الرجل فى قوة بينما تجمعت بعض النسوة خارج بيوتهن يتابعن المشهد فى فضول عظيم . هرعت إليه و أنا أصيح بالصبية أن يتفرقوا عنه . أسندته على كتفى ، و شققنا جموع الفضولين و دموعه تبلل كتفى ، بينما غاص قلبى بين ضلوعي فى لوعة عظيمة.
............
مهدى يوسف ( [email protected] )


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.