MOHAMMED MAHMOOD [[email protected]] (المشهد الأول) يمتلك حاج عبدالدافع عربة كارو يعمل بها في السوق الكبير فينقل البضائع من دكاكين الجملة إلى الدكاكين الصغيرة بالأحياء. يخرج من (دغشاً بدري) بعد صلاة الصبح مباشرة وقبل أن تشرق الشمس، فتراه يجهز حصانه فيربطه في مقدمة الكارو؛ في هذه اللحظة تكون حاجة (السُرة) قد جهزت شاي اللبن (المقنن) واللقيمات، وعادة يتناول حاج عبدالدافع تلك الوجبة وهو يستمع لطلبات حاجة (السُرة) والتي يختتمها بدس قليل من الجنيهات في يدها ولا ينسى أن يوصيها بعدم الإسراف؛ وتتضمن تلك الحفنة من الجنيهات المصاريف المدرسية ووجبة الحصان المهمة والتي كانت تكون جاهزة عند عودته سالماً مع مغيب الشمس. يتحرك الكارو ويبدأ الحصان رحلته اليومية متكاسلاً ليوكزه حاج عبدالدافع ليسرع الخطا. يدخل عبدالدافع السوق الكبير فيضحك مع حاج مصطفى ويسأل عن صحة حاج الطيب والذي كان غائباً يومين عن السوق لوعكة ألمت به، ويتوقف في مكانه المعهود ويترجل من الكارو ويبدأ يومه بالبسملة والدعاء الصادق بأن يكون رزقه وفيراً في ذلك اليوم. ويجلس في دكة بالقرب من دكان الجعلي في انتظار تجار الدكاكين الصغيرة. كان لحاج دفع الله زبائن معروفين فهم يطلبونه لمعرفته بتلك النواحي وبما يمتاز به من أمانة وأن حصانه ما زال فتياً يستطيع أن يذرع تلك الأحياء ذهاباً وإياباً دون أن يكل أو يمل. وقبل أن تغرب الشمس تخف الحركة في السوق؛ حينها يعود حاج دفع الله لمنزله محملاً بأشياء بسيطة مثل السكر والشاي والرغيف، فيستقبله أبناءه الصغار في فرحة عارمة فهو لا ينسى أن يحمل لهم قليلاً من البسكويت والحلوى. هذا هو البرنامج اليومي والذي يختم بربط الحصان في مربطه ووضع ما لذ وطاب أمامه مع قليل من الماء. (المشهد الثاني) في ذات يوم وفي نفس الوقت الذي استمر لسنين عدداً، عاد حاج عبدالدافع، ولاحظ هرجاً ومرجاً أمام منزله المتواضع والذي يتكون من غرفة وراكوبة وأدبخانة .. أصابه رعب وذعر وذهب تفكيره إلى أن مكروهاً حدث لزوجته أو أحد أبنائه .. ما الأمر؟ ولكنه لاحظ أن هنالك (زغاريد) وهذا يدل أن المناسبة ليست كرهاً بل هي فرحاً .. ولكن فرح من؟ وما زالت ابنته الكبيرة في مرحلة الأساس .. هل جاءها عريس، أم ماذا؟ .. المهم انشرحت أساريره قليلاً وربط الحصان في مكانه المعهود .. التفت إليه الحضور وعانقوه مهنئين .. لم يعرف الأمر حتى أجلسه صديقه حاج علي بجانبه وأخبره بالموضوع، ومناسبة هذا الفرح العارم الذي عم تلك الناحية من الحي، وحتى محمد أفندي الباشكاتب كان من ضمن الموجودين.. جاء حديث حاج علي همساً ربما كان يخاف أن تصيبه صدمة عند سماعه للخبر دفعة واحدة .. أخبره بأن قريبهم محجوب قد أصبح والياً .. فغر فاهه وظل هكذا وقتاً ظن معه حاج علي أن حاج دفع الله قد أصيب بمصيبة ما .. وبذل حاج علي مجهودا مقدراً لتهدئة حاج دفع الله .. (محجوب ولد أخوي عبدالواحد بقى والي؟) أجابه حاج علي بنفس الطريقة الدرامية (أيوه والي كبير) .. (يا حاج علي أخوي في والي كبير ووالي صغير؟) أجابه حاج علي (أيوه .. كيف؟ هسه هناي داك والي، وزولنا ده والي؟ .. الولاية خشم بيوت يا حاج) فلما تأكد حاج علي أن صديقه حاج عبدالدافع قد استوعب الخبر بادره بالمباركة (ألف مبروك يا حاج) .. وأردف ممازحاً (بس ما تنسونا؟) تبادلوا الضحكات والقفشات وافترقوا كل إلى بيته، والكل يحلم بقضاء مصلحة ما، فمنهم من تخرج ابنه من كلية الطب ويحتاج إلى أن يتقدم دوره في أداء فترة الامتياز، ومنهم من يحتاج إلى مبلغ من المال حتى يبدأ تجارة تعينه وتعين أسرته الكبيرة، ومنهم من يحتاج إلى تخفيض الضرائب المفروضة عليه ليفتح دكانه الصغير. (المشهد الثالث) تغيرت الأحوال، فقد امتلك حاج عبدالدافع (هايلكس) آخر موديل، ودخل السوق وأصبح ينافس حاج مصطفى وحاج الطيب، لم يعد حاج عبدالدافع هو حاج عبدالدافع الذي يعرفه القاصي والداني في السوق الكبير، وقد كان ينكر ذلك بأيمان مغلظة .. ولماذا يتغير؟ المهم حدث تطور نوعي آخر في حياة حاج عبدالدافع، فقد انتقل إلى أحد الأحياء الراقية وانضم للحزب الكبير. (المشهد الأخير) .. نزعته الرقابة الأمنية.