جاء فى الاخبار أن ضابطين من اصحاب الرتب الرفيعة قد أُرسلا للتحقيق مع الصحفى بهرام لنشره خبراً يتعلق بترقيات وإعفاءات فى القوات المسلحة و قد صحبهما احد افراد جهاز الامن و المخابرات الذى انكر مرافقتهما و برر بأن المصادفة هى التى جمعته بهما .وبالطبع الشينة منكورة .ما يهم فى هذا الامر هو التداخل والتدخلات المقيتة بين الاجهزة الامنية والنظامية فى حياة الناس ومساراتهم اليومية. اعرف انه كلما جاءت سيرة القوات المسلحة يقف الكثيرون على قرونهم .و يتركّز الانتباه بشدة على كل كلمة تنطق او سطر يكتب فى حقها.واعرف مكانةالقوات المسلحةوغيرها من الاجهزة الامنية فى افئدة المواطنين و درجةالتقدير والتوقيرالتى يكنونها لها.بعضهم اعترافا بدورها فى حماية امن الوطن و المواطن ،و بعضهم انتماءا لصفوفها،والبعض الآخر خوفا منها أوعليها.و لقد ظلت القوات المسلحة طوال الوقت تحتفظ بمعادل موضوعي شديدالتنظيم والترتيب فى علاقتها مع الاجهزة الامنية الاخرى .وبمساحة محددةالمعالم والتضاريس بينهاو بين بقية مؤسسات الدولة المدنيةالتنفيذية و التشريعية.و بهذهالخصوصية احتفظت و حافظت على سيرتها الحميدة بين المواطنين. و عماد كل ذلك بنيتها القومية و تشكل فصائلها و إحكام حالة الضبط و الربط بين أفرادها و صفوفها. و لكن سنة الحياة الا يبقى كل شيئ على شاكلته الاولى.فتتغير الاحوال و تتعدد الرؤى والسياسات حول القضايا الأمنية التي تخص إدارة الشأن الداخلي لأية دولة بتتعدد الجهات والمؤسسات و الافكار التى تديرها. و تتشابك كل مكونات إدارة الدولة و حماية مصالح الوطن العليا . بحيث لا تصبح كل مؤسسة او منظمة أو هيئة أو جهاز جزيرة قائمة بذاتها. و لكن قد تختلف السياسات حول وسائل ومناهج الحماية تبعا لاختلاف الغرض والمنهج. السودانيون قبل الإنقاذ كانوا يعرفون أن الجهة الوحيدة المسؤولة عن الأمن وحماية المواطن هي وزارة الداخلية. وكان جهاز الأمن القومي يختص بمتابعة خصوم الأنظمة وحمايتها من المعارضين السياسيين. و حينها لم تك هناك تهديدات خارجية تذكر او داخلية مسلحة ولا صراعات جهوية عدا في الجنوب. ولكن الحال اليوم يقول ان تعدد مراكز القوى أدى إلى تعدد الأجهزة الأمنية. مما يقود للاعتقاد أن المسألة الأمنية لم تعد لحماية الوطن والمواطن بقدر ما هي مقصودة لحماية أغراض اخرى. وهذا بالضبط ما أبرزه التناول المختلف للمسألة الأمنية فى سنوات ماضية بين السيد مستشار الرئيس للامن السابق قوش ووزير الداخلية حينها . حيث كان الأول يرى أن هنالك أسبابا عديدة يعرفها لانفجارات العنف،وبالتالي يحذّر من وقوعها خاصة في دارفور. وهو بالضرورة كان يعرف مصدرها والجهات التي وراءها بحكم منصبه و قد حددها.و لكنه لم يقدم أية مقترح لتفادي ما لا يمكن احتوائه من عنف في الجهات الأخرى . وهو كان على رأس جهاز مسؤول عن امن كل السودان وليس العاصمة فقط. ويبدو أن الآخر وهو وزير الداخلية لم يجد ما يضيفه لما ذهب إليه قوش حينها ،أو أنه فضّل عدم الإفصاح عن حقيقة الوضع الأمني في عموم البلاد. و لماذا يمكن السيطرة على العنف في العاصمة ، و لا يتحقق ذلك في غيرها مما يقع تحت مسؤوليته. وما لم يفصح عنه في ذلك الوقت هو أن تركيز الحماية الامنية في العاصمة ليس وراءه حماية المواطنين من العنف ولكنه لحماية النظام القائم من أصوات المعارضة. وجهاز الأمن الوطني كان مجير تماما حزبيا وضع استراتيجيته ونفذ خططه لتأمين النظام القائم بمنظور حزبي دون الاهتمام ببقية المهددات الأخرى لأمن الوطن .وهذهالنظرة والاستراتيجية كان منتوجها المؤكد هو عدم الاستقرار السياسي وتفلت الجهات المعارضة للنظام لدرجة حمل السلاح مقابل السلاح . وهى إستراتيجية قامت أساساً على هدم القديم كله بما فيه الأمن والسلم الاجتماعي الذي كان قائماقبلها. ولذلك لم يجد السيد وزير الداخلية حينها أيضاما يقوله سوى جمل إنشائية مكررة يؤكد فيها اهتمام الدولة بتوفير الأمن و تصنيف العنف إلى حضري وغير حضري. معلناً ان وزارته وآلياتها قادرة على حسم المهدد الحضرى لأنه يهدد النظام القائم، والآخر الريفى غير ذي بال طالما أنه يهدد المواطن والوطن .و هذاالتركيزعلى الأمن والمنهج الحضري هوالذي أجج نيران انفلات الأمن فى بعض الولايات و ( المقاطعات ) و دفع السيد الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة فى بعض الاحيان إلى نفى تورط احد أفرع قواته فى حادث نهب غير حضري بل ريفي بمدينة نيالا . و لكن يظل السؤال لماذا الاتهام بالتفلت الامنى أصلا الذي يضطر المتحدث الرسمي إلى نفيه ، و ها هى الايام تمر ليجد الناس أن جرعة الأمن الحضرى قد زادت بمقدار كيل بعير بل قافلة حين تبرع فرع من فروع القوات المسلحة فى مباشرة التحقيقات الامنية مع الصحفيين بالنيابة عن وزارةالداخلية و جهازالامن والمخابرات الوطنى و من المؤكد عدم التنسيق بينهم و هذا ما أكده ضابط الامن الذى حضر التحقيق مع الصحفى بهرام ,وهنالا بد من السؤال و لا بد من الإجابة الشافية صونا لعلو مكانة القوات المسلحة فى وجدان المواطنين. لماذا تقحم هذه القوات بنفسها فى فعل ليس وارداً فى وصفها الوظيفى؟ أم ياترى أن بهرام هذا عدو خارجى متنكر فى زى صحفى ؟ [email protected]