يمضي قطار العمر بسرعة ..نسبت كل شيء عن زوجي السابق..فقط هذه اللحظة ترفض ان تغادر..كلما لاح موسم البرد او دنوت من معمل استاك بالخرطوم ..يحاصرني وجه رجل من الماضي فسيثير غضبي.. آه حينما تفجع الأنثى في رجل ..في ذلك الصباح البارد وقفت ومزمل امام (كاونتر) معمل استاك..حضرنا معا لأخذ نتيجة العينة ومن ثم اخذها لدكتور حسين أخصائي الجراحة..ببرود يشبه ذاك الصباح أخبرتنا الموظفة ان العينة سيعاد فحصها..رمقني مزمل بنظرة لم أنساها أبدا..حاول سحبي بسرعة من المكان..غريزة الاستطلاع وربما الخوف جعلتني (اجرجر) الموظفة في الكلام..خلاصة الحكاية ان النتائج المشتبهة فيها يعاد فحصها مرة اخرى ..تلك كانت أطول ثلاث ايام في حياتي ..حينما ينام الناس كنت أتحسس صدري ..ابكي بشدة حينما أتصور السيناريو الأسوا. بعد ان خرجت من غرفة العمليات وبدات اغالب (البنج) كنت أتحسس صدري..كانت امي بجانبي تمنعني وانا بين الشعور واللا شعور من الوصول الى ذاك المكان..عدت للبكاء حينما تاكدت انني فقدت رمز انوثتي..كان الطبيب والممرضات والاهل في حالة فرح لان العملية نجحت في استئصال كل الورم..لم يكن احد يتصور مقدار حزني..بعد ان غادرت الفراش الابيض اتخذت قراري الاول بمنح مزمل فرصة تقرير المصير..اكثر ما كان يشده لي الان اصبح ناقصا..الطبيب منحني ثدي صناعي ..يبدو جميلا للناظرين..لكن ماذا عن زوجي. لم أتصور انه كان يفكر في ذات الامر.. استقبل اقتراحي بترحيب جعلني أكرهه..اعلان النهاية لم يستغرق سوى الاتصال بالماذون ..ظننت وقتها ان الحياة انتهت..فقدت بعض من انوثتي ورجل كنت اظنه حبيبا..قررت ان الا استسلم..عدت لمواصلة دراسة الماجستير..بدأت المصيبة تصغر بمرور الايام.. أتذكر التفاصيل المؤلمة حينما تشيد احدى صديقاتي بجمالي.. او يفاتحني شخص ما في امر الزواج..الثدي المفقود كان سرا لا يمكن الاطلاع عليه..التجربة المريرة كتمتها بين جوانحي. الايام لا تتوقف ..اتذكر جيدا ذاك اليوم الذي مضت عليه خمسة عشر سنة..دكتور الطيب التهامي مشرفي في رسالة الماجستير كان يعتذر لي عن إكمال النقاش..بدا متعجلا وهو يلملم اوراقه..شعرت لحظتها بالغضب لأنني وصلت لمكتبه بجامعة الخرطوم من منطقة سوبا..طاقة من التعاطف والإعجاب داهمتني حينما اخبرني ان زوجته لديها موعد في مستشفى الذرة..لم اكن بحاجة الى التفاصيل..تذكرت الموقف المغاير من مزمل الذي هرب مني حينما بت من زبائن هذا المشفى لبعض الوقت..الان ايقنت ان الرجال مختلفون . . طاف بخاطري ان أرافقه الى ذاك المكان..قبل ان اطرد ذاك الإحساس الفطير كان الرجل يغادر المكان. بعيد نحو اسبوع عدت للجامعة ووجدت في (البورد) ورقة نعي ..زوجة استاذي الطيب التهامي ماتت ..اغلب الظن ان المرض الذي قهرته قد غدر بها..كان غريبا على الزملاء منظر دموعي وإصراري على الذهاب الى بيت العزاء..على ابواب المنزل الحزين قابلت استاذي..لم أتمالك نفسي ..رميت نفسي في احضانه باكية..نسيت الثدي البلاستيكي الذي ربما لامسه..من ذاك الحزن تولدت قصة حب..ذبلت زهرة ونمت اخرى. تزوجت استاذي بعد عامين..رضيت ان أكون اما لاربع أطفال اكبرهم في العاشرة..البعض الذي لا يعلم قصتي حسبني انتهازية..الطيب واولاده منحوني كل الحب. اليوم صفق لي طلابي في جامعة الخرطوم حينما أهديتهم هذه القصة..همست لي نانسي أنجب طالباتي انها ستذهب الان لحملة الفحص المبكر لسرطان الثدي..من دواخلي شكرت زوجي الطيب الذي علمني ان السرطان ليس وصمة عار . (اخر لحظة) [email protected]