منذ فترة ليست بالقصيرة غاب الاستاذ المحامي مصطفى عبد القادر عن ساحات النشاط الاجتماعي والسياسي والقانوني والسبب يرجع الى اصابته بكسر في الحوض اي المخروقة عندما سقط على الارض اثناء تحركه في احدى الامسيات في منزله وهو يعاني من هبوط في النظر. مكث الاستاذ مصطفى للعلاج وخرج منه وظل طريح الفراش بمنزله لا يقوى على الحركة الى الخارج إلا في الحالات النادرة بمساعدة زوجته وابنه. على الرغم من الحالة الصحية الصعبة التي احاطت بمصطفى إلا انه لن يفقد الذاكرة والحميمية والوفاء الذي ربطه باصدقائه ومعارفه خاصة زملاء المهنة يسال عنهم وعن احوالهم وصحتهم. من جانبه اتصل بنا هاتفياً هنا في مدينة براغ العاصمة التشيكية وسأل أولاً عن أحوالنا ثم أبلغنا بحالته الصحية وما حدث له. الحديث حول العلاقة التي ربطتنا انا وزوجتي السيدة خديجة الرفاعي حتى قبل الزواج بالاستاذ مصطفى عبد القادر قد يطول والمجال هنا لا يسمح بالدخول بتفاصيل الموضوع الذي نحن بصدده, صلب الموضوع عبارة عن ملف كبير وهام لعب فيه الاستاذ مصطفى مع آخرين من زملائه المحامين دوراً مقدراً يستحق التوثيق وايصال مضمونه لكل من يهمه الامر, امر النضال في سبيل حرية وحقوق الانسان والعدالة والعدل في بلادنا. الاستاذ مصطفى عبد القادر يعتبر بحق أحد المحامين البارزين الذين كرسوا قدراً كبيراً من امكاناتهم الشخصية ومعرفتهم المهنية وتقدم بحميمية وهمة للدفاع عن حقوق الكثيرين من أفراد الشعب المظلومين امام المحاكم دون مقابل, يكفيه أن يحمل الشخص المعني توصية من أحد الافراد الذين يعرفهم. وقد كان ذلك نهجاً وسلوكاً متعارف ومتفق عليه بين المحامين المفعمين بالروح الوطنية والقيم والاخلاق والتقاليد السودانية العريقة الراسخة في وجدان الشعب. في هذا السياق وشعبنا يعيش اليوم فترة عصيبة من تاريخه لا يفوتنا ان نترحم على أرواح المحامين والقانونيين الذين رحلوا عن دنيانا إلى دنيا الخلود وتركوا خلفهم ارثاً قيماً في مجال العدل والدفاع عن حقوق الانسان اذكر على سبيل المثال لا الحصر الذين اعرف تاريخهم بصورة جيدة الاستاذ الرشيد نايل, حاج الطاهر, معتصم عبد الله مالك , سيد علي طه , مامون كنون, محمد عبد الله المنشاوي , عبد الله علي صالح , ميرغني الشايب , مولانا محمد ميرغني, عبد الفتاح زيدان الذي تشرفنا معه سابقاً في عضوية اللجنة التنفيذية لاتحاد الشباب السوداني. هؤلاء الرجال العظام أسهموا بما لديهم من علم في القانون وتجربة عملية لتدريب وتخريج عدد من المحامين الذين يمارسون مهنة المحاماه اليوم سار على نهجهم ونهل من تراثهم سلوكهم واخلاقهم الاستاذ مصطفى عبد القادر وهو واحد منهم وامتداداً لهم. الصفات الشخصية الذي يتمتع بها الاستاذ مصطفى كالبساطة والتواضع واحترام الذات والآخرين جعلت منه شخصية محبوبة لها مكانة خاصة بين فئات واسعة من المجتمع وامتداداته الشعبية على سبيل المثال الخبر والمعلومة التي لها صلة بمجال عمله لتصله بسرعة البرق وهو جالس في مكتبه أو في بيته دون أن يسعى لها لكنه يتمتع بصفة المبادرة والسرعة في انجاز المهمة التي تبرز أمامه. لديه تجربة غنية في الدفاع عن المعتقلين السياسيين سواء أن كان في بداية عملية الاعتقال أو خلال المحاكمات. استطاع عن طريق علاقاته الاجتماعية الواسعة أن يتعرف على اسر المعتقلين والمحكومين وأن يؤسس لعلاقات خاصة مع الافراد واللجان التي تتولى مسئولية تبني قضاياهم وشئونهم الخاصة. في اعتقادي إن تسجيل وتوثيق هذا العمل البطولي الانساني تقع مسئوليته على الافراد واللجان التي باشرته والتي يرجع الفضل للانجازات التي تحققت في تلك الجبهة الهامة المحفوفة بالمخاطر والتضحيات. إن إنجاز هذا العمل لا يمكن أن يتوفر له النجاح المطلوب اذا لم يتمكن الاستاذ مصطفى ويقدم مساهمته مع الآخرين حتى وان اختصرت مساهمته على الاشراف والتوجيه وتقديم الملاحظات والمقترحات, في هذا الصدد اذكر الاستاذ مصطفى بالاستعداد الذي ابداه الاستاذ الصحفي الاعلامي الكاتب عبد الوهاب همت بالمساهمة في عملية التوثيق التي يسعى الاستاذ مصطفى للقيام بها. قبل الوصول الى نهاية هذه المقالة اتوقف عند محطة هامة في مسيرة الاستاذ مصطفى المهنية الناجحة, شهد العام 1980 اعتقالي مع مجموعة من الرفاق الذين اعزهم واقدرهم وهم التجاني حسن, قاسم عباس, أحمد محمد الأمين ومحمد محمد خير حيث اودعنا سجن كوبر وبعد أكثر من ستة اشهر قدمنا للمحكمة التي ترأسها القاضي تاج السر محمد حامد. هيئة الدفاع كانت مكونة من تيم من المحامين والتي ترأسها الاستاذ مصطفى عبد القادر للحقيقة والتاريخ وشهادة الحضور من المواطنين قدم دفاعاً ممتازاً وفند التهم التي وجهت إلينا من قبل هيئة الاتهام بادلة ومسانيد قانونية جعلتنا نطمئن إلى ان حكم المحكمة سيكون في صالحنا ومهما كانت التوقعات فان القاضي حكم علينا بالسجن لمدة ستة أشهر تنتهي بإنتهاء المحكمة لأننا قضينا في الاعتقال اكثر من ستة أشهر الفرحة التي سادت جو المحكمة لم تكتمل سرعان ما تم اعتقالنا من قبل مجموعة الامن عند باب المحكمة وقد اودعنا سجن كوبر مرة ثانية. عند وصولنا إلى باب السجن سألنا الضابط النبطشي ما الذي حدث؟ اجبناه , فرد قائلاً الظاهر بعد كدة مافي محكمة بتفك زول!! ادخلنا سجن كوبر مرة ثانية ونقلنا من بعد مع مجموعة من الرفاق إلى سجن بورتسودان. حيث مكثنا عدة سنوات اطلق سراح العدد الاكبر من المعتقلين بمن فيهم التجاني. لم يبقى من المجموعة إلا شخصين انا والراحل الرفيق الخاتم عدلان تم ترحيلنا إلى سجن كوبر مرة ثانية وتم تحريننا على يد ثوار مارس أبريل الذين اقتحموا السجن وأعلن المشير عبد الرحمن سوار الذهب بيانه. الثاني حسن استفاد من فترة الاعتقال في التحضير لامتحان المعادلة في القانون وكان له ما أراد أصبح رجل قانوني ومحامياً ناجحاً بعد التدريب والاشراف الذي تلقاه في مكتب الاستاذ مصطفى عبد القادر. اليوم يعتبر مولانا التجاني من المحامين البارزين حيث تولى الدفاع في قضايا كبيرة منها قضية مشروع الجزيرة وقضية الجبهة الثورية لتحرير السودان وقضية راديو دبنقا أما أنا فاغتنمت الفرصة وتزوجت برفيقة الدرب خديجة الرفاعي التي صبرت وصابرت وناضلت من أجل اطلاق سراحنا. الشئ المفرح في هذا أن الاستاذ مصطفى كان من بين الأوائل الذين استقبلونا مكان حفل الزواج حيانا وهنأنا وأدخل في نفوسنا السرور والبهجة عندما قال تستحقون وسام الشرف. إنني في حقيقة الامر أجد نفسي عاجزاً في إيجاد الكلمات المعبرة حقيقة عن الشكر والتقدير العاليين للاستاذ مصطفى على كل ما قدمه لسجناء الرأي من الذين تعرضوا للاعتقال والسجن. وما قدمه لاسرهم خاصة تلك الاسر التي فقدت اعز ما تملك من ذويها سواء داخل المعتقلات أو بعد الخروج منها. أذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر الدكتور علي فضل, حسن دفع الله والاستاذ عبد المنعم سلمان والقائد النقابي علي الماحي السخي. لا يفوتنا في الختام ايضاً أن نشكر أفراد مجموعة المحامين الذين تعاونوا مع الاستاذ مصطفى معبرين عن تضامنهم مع اهلنا واسرنا. الآن قد حان الوقت للتضامن مع الاستاذ مصطفى ومع اسرته والوقوف بجانبهما حتى ينهض من كبوته, سليماً معافاً أكثر حيوية ونشاطاً كما عهدناه دكتور محمد مراد براغ 10/10/2015