شعوب العالم بعيون ألمانيّة! قصة رحالة ألماني هجر بلاده لاكتشاف دفئ الحضارات كرستيان دورفلينغر Christian Dörflinger ترجمة وتلخيص د. محمد بدوي مصطفى رحالة من مدينة كونستانس (ألمانيا) التي ترقد على بحيرتها كالهمزة على سطرها. هذا المدينة ترمى أطرافها بين بلاد ثلاثة: ألمانيا، سويسرا والنمسا وهكذا ابن هذه المدينة: كرستيان دورفلينغر شاب أحب الترحال وثقافات العالم، الناس والحضارات المتباينة فلم يجلس ليشاهدها ويعيشها عبر التلفاز لكنه دأب في الترحال يجوب جنبات المعمورة شرقا وغربا شمالا وجنوبا. كانت رحلته الأخيرة إلى الأرجنتين. نشد زيارة صديقة حميمة إلى قلبه تسكن بعاصمتها بوينس آيرس. زرتها ونعمت بحفاوتها ومن هناك أطلقت أشرعتي للريح لارتاد فضاءات أخرى. فرحلت إلى بيرو وكوبا وشيلي وكندا وبوليفيا ولم يمنعني الرهق. أنسى كل همومي عند أكون في قلوب حضارات العالم. سوف أعيد الكرّة رغم أنني بقيت في هذه الرحلة أكثر من أربعة أسابيع شاهدت تباين الأعراف واختلاف الأجناس وحلاوة الطبيعة وجمال خلق الله في بلاده الواسعة. وضعت هذه الرحلة الكثير من النقط على الحروف في تفحص العالم والوقوف على الكم الهائل من المعلومات التي لن يعقلها ويحسها المرء منّا إن لم يعيشها واقعا ملموسا. الترحال يعلم تفتح الأفق ويجعلك بدون أن تشعر في حديث وتبادل مع الآخرين. أهل أمريكا الجنوبية تشحذ فضولهم أسباب مجيئي إليهم، يسألون ويسهبون في السؤال. أتكلم إليهم بصراحة وصدق عن أسباب تواجدي بينهم. ومن ثمّة تجد في أعينهم نظرات الاحترام والتبجيل. وهذا الود الذي أحسسته معهم مهد الطريق لي في رحلاتي العديدة فكأنه ينور يضئ سراطي ونهجي. أسباب اختياري للقيام بهذا الرحلة لم ترتكز على لون بشرة أهل البلد أو وضعهم الاجتماعي أو الجنس والدين بكل كانت مستقلة عن كل هذا إذ أن القرار خرج من القلب وبكل عفوية دون حكم مسبق. حقيقة ليس الترحال كله جمال وروعة ينعكس إليك من مشاهد الطبيعة والناس وحضاراتهم لكنه يجعلك أيضا قريبا من مآسيهم وأحزانهم التي تشاهدها وتعيشها يوما تلو الآخر. وهنا أشرع لا ألوي علا شيء إلا وتخفيف الآلام عنهم ومساعدتهم حسب استطاعتي ومقدراتي. وهذا بدوره يولد الصداقات ويفتق المحبة ويجعل كل قلب كل فرد منّا ينبض بهموم الآخر. الحياة أخذ وعطاء والدنيا لن تستعيد عافيها إلا باحترامنا لبعضنا البعض وشد أزرنا لبعضنا البعض. في التوراة والأنجيل والقرآن خلقنا الله شعوبا وقبائل لنتعارف. واجهتني بعض الصعوبات في الولاياتالمتحدة الأمريكيّة. شددت الرحال إلى هذه البلاد كصديق ومحب ومن أجل أن تتغير الصورة السلبية التي رسمتها لأمريكا في ذهني بعد الحروب والقتال الذي رآه العالم في أنحاء العالم أجمع، فالعراق مثلا والصومال هما أشهر أمثلة لذلك. فعند دخولي تم القبض عليّ من قبل شرطة الجمارك. قيدوني، شدوني وأوقفوني مدّة أربعين دقيقة. أعتقد أنهم ساءوا الظن بي واشتبهوا فيّ حالي وهذا غني عن التعريف لكل من طرأت قدمه مطارات أمريكا سيما وإن كان الاسم غريب عليهم. لقد جعلتني رحلة أمريكا أفكر لما آل إليه حال الناس هناك. يركدون وراء الربح والمال، فالبزنس هو همم الأول والأخير وللبزنس يبيعون حيواتهم وأخلاقهم نافين الآخر دون رحمة. للأسف أفتقد أحيانا الشجاعة والاخلاص لكي أعبر عمّا يسئ للآخرين أو بمعنى آخر عمّا يبدونه تجاهي وتجاه الغير من سوء. لذلك ومن الصعب على بعض الناس ذوو القلوب الرحيمة أن يبدوا تجاه من أجحف إليهم الحقيقة لأنهم يتعاملون بمبادئ إنسانية سامية تمعنهم من جرح من أجرم في حقهم. سوف أشرع لرحلة الختام بزيارة كندا. لدي هناك بعض الأصدقاء المقربين أود أن أقف على حيواتهم هناك. رجعت إلى مسقط رأسي وسلمت نفسي إلى الخلوة. مكثت بمدينة ميرسبورج لأكتب انطباعاتي عن الرحلة وكان ذلك في قلعة أثريّة وأتمنى أن تخرج هذه التجارب في شكل كتاب في القريب العاجل. لكم الفضل في حسن الاستماع. كرستيان دورفلينغر.