حبيبي، قالتها بصوت خجول وبغنج عاشقة حبيبي.. امسكت اصابعه ثم نظرت في عينيه وابتسمت بحنان فاض نوارا ونورا في المكان.. مكان واحد وازمنه.. ازمنه بعيدة وغائرة في عمق الروح. الروح؟ وما أدراني وانا القاصرة في منتهى المعرفة. جميلة وعينيها الصغيرة تفيض بزرقة الفضاء الذى انسربت فيه معها وكأن درويش يسكن اصابع حبيبي سأقنى بلذة الغمران في فيافي لا عهد لي بها. يبدو لي ان هذا العشق واللوعة حدثت ايام الحرب العالمية الأولى! أين كانت روحي؟ في أي جسد انسربت؟ شجرة؟ عصفورة؟ فرسه؟ نهر طامي وظامئ؟ شجرة التفاح تلك ستثمر قريبا.. سمعتها تحكى معه ومازالت اصابعهما متشابكة ومتشبثة بالحياة.. اصابع تقطر بالحب وكنت في كامل تأملاتي وانسربت اصابع حبيبي. روح رفيقة في ذلك الزمان البعيد.انها ازمنه عديده والمكان واحد.عايشت طفولتها، سمعتها تنادى امها، لهم ذات {العناقريب}.. ذات {عدتنا}، رائحة البهارات, رائحة الامومة والطفولة.. الشوارع والشجر والازقة الغريبة والقريبة من القلب. في صباها كانت غضه، في عينيها استكانة هي التي حرضت عيوني على التحدي والمضي الى حيث ينبغي وتشتهى مراكبي. ما اشهى الابحار على الصحراء.عادت بي الى الحربين العالمتين, لم تحكى كثيرا عن السياسة في تلك الفترة.. حكت عن الحرب والنازية طفيفا ولكنها كانت ممسكة بيد اخرى هو حبيبها.. رفيقها.. يد تراها وحدها واراها فى اللامرئي. لم تقل اسمه, لم اسمع اسما. انتهت الحرب اذن ووضعت وزرها الثقيل في الذاكرة. تغير الحال وصار لها بيتا من زوج وثلاثة اطفال. ولدان توسطهما طفلة حلوة, اخذت من امها نضارة خديها وتمرد عيوني. رايتها تضفر شعرها وفاحت رائحة كركار أمي وهى تمشط ضفائري ودموعي تشكى قسوة المشط على شعرى الكثيف.رافقتها الى الحضانة والى المدرسة والى الجامعةاعددت معها ما لزم لزواج بنتها وابنيها ثم راعيت معها احفادها. كنت شجرة الميلاد الحزينة التي لا يعرف سر شمعاتها الباكية حين ينفض الجمع. هنا فقط كنت والشجرة صنوان. في كل عام تبكى أشجاري, فى كل ميلاد ويسوع يعلم سر حريقي والشمعات اللاتي ينطفئن حالما يطلع الفجر وعلى الجدار حزينا يبتسم المسيح. رافقتها كثيرا للحقول.. قطفت معها التفاح والبرتقال وعدنا سويا تغنى لحبيبها واصابعها تجوس في الفضاء بحثا عن اصابعه. لم تجد وقتا لتنتبه الى (شمعدانات) كانت أصابعي تسيل في انسرابها الى البعيد تشبك نفسها في اصابعه ومعا نضغط على زناد الحياة. لم تشتعل اصابعها الا بحكاياتها والابتسامة العريضة .. ابتسمت وهى تسمع مناجاتي. نقراتها على المنضدة التي بيننا أعادتني من انسرابي.. ثلاثة وجوه حولنا.. صوت بنتها البالغة من العمر ستين عاما تناديها: ?Mama. Ich bin da? Wie geht's dir وكأنى اقول لأمي ايضا انا هنا.. كيف حال قلبك؟ رجلان في منتهى الخمسينات ومبتدأ الحياة اصابعها مازالت تهمى في المنضدة التي بيننا..المرأة ذات التسعين شجرة تفاح كانت هنا.. فقط لترمى التحية لصغارها الذين صاروا كبارا في قطار الحياة ومازالت أصابعي ممسكة بخيط في الهواء، خيط يتشظى بناري وأسئلتي وتنقر على الباب.. لا لتدخل.. بل لتمضى في سلام دروبها دون خذلان. تبا.. لقد قطعوا علينا خيوطنا وانسرابنا عبر مغارات الزمن، هناك جيث كان الزمن رحيما وبديعا وبسيطا. هنا فاحت رائحة الادوية والاقطان المعقمة وهناك فاح في قلبي قطن.. طويل التيلة.. فاحت اصابع بسر حقول الليل ونقرات الشجن والفنتازيا و....و....مازالت أصابعي نملات صبورة لتدخر فيه قمحاتنا لشتاء قادم. هناك عند تلك البؤرة سنلتقى حيث يهدر النهر بتوحده والسواحل باشواقها لتاتينك لا تغرق بل تغرقنا بالحياة، الحياة اغنيه عذبة تنسرب بنا فى الفضاءات القصية..... هناك حيث عدت للتو من انسرابى. د. إشراقة مصطفى حامد [email protected]