المنزلة بين المنزلتين مقام او منزلة اخترعها المعتزلة حين اجبروا علي اﻹجابة عن سؤال تكفير الحاكم "لخلع بيعته والخروج عن طاعته" وكان السؤال هل الحاكم الذي يرتكب معاصي ظاهرة "حكم مرتكب الكبيرة/الفاسق" كافر ام مؤمن؟ فقال المعتزلة بالمنزلة بين المنزلتين وهو "الحق يقال" اختراع مهم و ﻻ يصدر اﻻ عن عبقرية "في وقتها"، فما يفهم اﻵن من موقف المعتزلة في عصر دولة المواطنة هذا و حكم القانون هو ان "ﻻ شأن لنا بايمان الحاكم او كفره" طالما انه ملتزم بالقانون شكلا و موضوعا ابتداءا من انه تولي منصبه وفق التدابير الدستورية و القانونية السليمة و يرعي القانون في جميع حركاته وسكناته الي لحظة تسليمه السلطة لمن يخلفه في المنصب العام ذاك. أما نخب المنزلة بين المنزلتين التي ارمي اليها هنا فهي النخبة من المثقفين او باﻷحري المتثاقفين الذين يتصدون للقضايا السياسية و مع ذلك ﻻ يستبين السامع لخطبهم او القارئ لخطاباتهم الموقف الذي يرمون له من خلال تلك الخطب أو الخطابات، فلا يعرف هل هم في صف الشعب "المحكوم" و المقاوم والذي يرجو تحسين موقفه في محكوميته تلك و صون حقوقه ؛ ام هم في صف الحكومات، فنخب المنزلة بين المنزلتين يضعون انفسهم في مركز اعلي من الجميع حكام و محكومين ، و يمنحون انفسهم سلطة اطلاق احكام نقدية علي الجميع من مقاماتهم السامقة تلك.. و دائما ما تجدهم يتحاملون علي المحكومين اكثر من حملهم علي الحاكمين، تجدهم يحملون الشعب مسؤولية كل شئ فالشعب عندهم هو المسؤول عن التدهور واﻻنهيار و هو سبب كل المصائب و اصل الخطأ و الخطيئة!!! علي رأس قائمة نخب المنزلة بين المنزلتين الدكتور حيدر ابراهيم و الدكتور عبدالله علي و اﻻستاذ كمال الجزولي .. دكتور حيدر مثلا ﻻ يفوت سانحة اﻻ و وجه سهام وسياط نقده لصدر و قفا السودانيين؛ فقد ذكر في آ خرها " و في سياق مقارنتنا باﻷثيوبيين" انهم شعب في ثقافته بهجة و حياة و نحن في ما معناه "ثقافتنا بؤس و كآبة و موت"؛ و ان اهم منظمة مدنية عندنا هي "حسن الخاتمة".. و كان قد قال في مقالة سابقة اننا و منذ اﻻزل أمة "في ما معناه ايضا" خفيفة العقل ومزاجية و ساق كدليل علي قوله أمثلة منها: ان بعانخي الملك جرد حملة حربية ضخمة ﻷجل انقاذ الخيول في مصر! و ان المك بادي اب شلوخ قاد حملة علي "تقلي" ﻷجل تاجر استنجد به ولكن مك تقلي استخف بتلك النجدة بقول معناه "لمن المك يقطع باجة ام لماع يحلها الف حلال".. ثم ان مك تقلي و مك سنار كانا يتقاتلان ليلا و في النهار كان اﻻول يرسل للأخير عشاءه و عشاء كل جيشه.. و بفرض صحة الزعم و الروايات " و هي غير صحيحة فبعانخي لم يغزو مصر ﻷجل عيون الخيل و ما اثبتته لوحات التاريخ ان ان الملك بعد انتصاره قام بجولة في المدينة و لفت نظره حالة اﻹهمال ﻹسطبلات الخيل فثار في وجه المصريين "القدماء طبعا" و قال لهم اﻷن عرفت لماذا انتصرت عليكم و لماذا انهزمتم، ﻷنكم ﻻ تهتمون بحال الخيول "آلة الحرب حينها"؛ اما قصة (مكي- ملكي) تقلي و سنار فان المغزي منها هي ان تصنع المعروف و لو مع عدوك و قد تسببت تلك المعاملة في اعتراف مك سنار بأنه يحارب رجل كريم و شهم فصالحه و قفل راجعا. قلنا انه بفرضية الصحة فليس من الحكمة البحث ﻻستخلاص عظات وعبر مثبطة تستخف بنا كشعب و تقلل من قدرنا و كان في اﻹمكان الخروج منها بعظات افضل.. ثم ان الدكتور حيدر كرس جانب من حياته وبحثه لما يسميه "اﻻسلام /عروبية" وهو المصطلح الذي انتهي بنا للتسليم بأن المؤتمر الوطني هو مالك الرسالة اﻻسلامية و النائب عن عرب السودان وغيرهم و سهل ادعاءهم انهم المفوضين للحديث بأسم الدين و اللسان المبين! ان مصطلح "اﻻسلام عروبية" مثله مثل مصطلحات كثيرة اخري صكها اكاديميون او اشباه و اعتمدت و روج لها سياسيون حتي اضحت ماركات و مسلمات في السياسة السودانية يتحدث بها حتي السفراء والمبعوثين!! كالمركز-هامش ومؤسسة الجلابة .. الخ. دكتور عبدالله ايضا من نخب المنزلة تلك فهو ﻻ يضيع سانحة اﻻ و اهتبلها للنيل من المعارضين و اﻻستخفاف بهم، حتي ان معارضته "للمعارضة" اضحت اكبر من معارضته للحاكمين، وهمه اﻻكبر النيل من غريمه منصور خالد و اﻻنتصار لشخصه ليس اﻻ.. كما ان لديه غرام و ولع بتسفيه كل احلام السودانيين و السخرية مما يبجلون فمعهد بخت الرضا بالنسبة له مؤسسة استعمارية ليس اﻻ وكذا كل معاهد المعلمين و مدارس مبروكة و امبرمبيطة! فيما اﻻستاذ الكاتب الصحفي و الشاعر و المحامي الضليع كمال فهو ﻻ يأبه اﻻ بضبط مقاﻻته بالشكل حتي لتحسبنها آيات من ذكر يتلي و يتغني به! وليس له من اسهام يذكر خلاف تلك المقاﻻت التي تجدها مجموعة في مخطوطات تحمل عناوين طاؤوسية ك" اﻻنتلجنسيا نبات الظل". و "بئر معطلة وقصر مشيد".. الخ. مؤسسيا قام حيدر بانشاء مركز اسماه مركز الدراسات السودانية فيما اسماه "ناشطو بلادي و مهتموها" ب "مركز حيدر" و هي تسمية صادقة فحيدر يملك المركز كما يملك الرجل دابته؛ و يديره منذ انشائه وحتي هذه اللحظة التاريخية .. و ﻷنه اضحي "مركز حيدر" وحده لم تجد السلطات كبير عناء في اغلاقه بالشمع اﻻحمر و تجميد انشطته حتي اضطر "مالكه"لحزم حقائبه و العودة لمربع التأسيس في قاهرة المعز، اما اﻷخيرين فهما يتبادﻻن و يتناوبان في تسيير اتحاد اﻻدباء السودانيين، و ان كان اﻷول راودته "ذات فكرة او سكرة لست ادري" همة رئاسة البلاد بأسرها لكن تقاصرت همته و ارتضي عنها برئاسة اﻻدباء وحدهم ﻻ غير .. و ذاك اﻻتحاد كذلك لم تجد السلطات كثير عناء في اقفاله بالضبة و المفتاح و تشريد رواده حتي اختلط حابل اﻻدباء بنابل غير المؤدبين في هذه البﻻد . و حيث ان هذه عينة من نخبنا فطبيعي ان يكون هذا حالنا ظاهر ﻻ يخفي علي احد و اﻻ ترحم السلطات ضعفنا وقلة حيلتنا و هواننا. محامي وكاتب صحفي. بريد الكتروني: [email protected]