نشرت لي (الراكوبة) مقالاً تحت عنوان (سوء استخدام الحقوق الديمقراطية) أخذته الصحيفة الالكترونية من جريدة ( العرب) القطرية . علق على المقال الذي لا صلة له من قريب أو بعيد بمصر أو العلاقات السودانية المصرية , Khalid Mustafa بما يلي : (مين بيحب مصر ؟ السؤال موجه لكل من يحب مصر , في مصر و السودان . و لا يخفى على أحد أنك من المحبين لمصر .. أخونا عادل , لعلك متابع لما كتبته الصحفية الكويتية فجر السعيد و إدعائها بتبعية السودان لمصر و دعوتها للفريق السيسي لغزو السودان .. و طبعاً لا يخفى عليك تصريح جماعة مين بيحب مصر و ادعاؤهم بأنهم يملكون الوثائق التي تثبت تبعية السودان لمصر , و أن وفودهم ستذهب لمقر المحكمة الدولية للمطالبة بتبعية السودان لمصر .. و عايزين نسمع منك , أخونا عادل , هل انت معنا أهل السودان أم أنت مع مجموعة مين بيحب مصر ؟ في انتظار ردك , أخي الكريم ) للأستاذ خالد مداخلات سابقة معي حول العلاقة السودانية المصرية حتى نشأت بيني و بينه صداقة لدودة ؛ لكن ذلك لا يبرر مداخلته المذكورة التي تؤكد تصيده الفرص و لو كانت معدومة . و عله من المناسب أن استدعي تعليقاً له على مقال للأستاذ الكبير محجوب محمد صالح بعنوان (سد النهضة الإثيوبي : هل يعود بنا لمربع المواجهة ؟) .. يقول خالد في تعليقه (أستاذ محجوب .. نحن نعلم أن جيل الصحفيين أمثالك لا يخفون حبهم و ولاءهم لمصر ./ فمصالح المحروسة بالنسبة لك تعلو على مصالح السودان . فأنتم جيل تشبع بأوهام وحدة وادي النيل و القومية العربية و الناصرية .. أما نحن أجيال اليوم و المستقبل , لا تهمنا مصالح مصر , بل السودان و شعبه مبلغ همنا . و مصر تمثل العدو المحتل لأرضنا في حلايب و الطامع في خيرات بلادنا . و للأسف الشديد يتجاهل إعلاميو بلادنا كل ذلك و يهيمون حباً في العدو المصري) جاء هذا التعليق على مقال لم يتطرق فيه الكاتب لهيام بمصر و لا وحدة أو خصوصية , و لم يخرج عن تأرجح موضوع سد النهضة بين التوترات و التفاهمات . رغم إعجابي بمثابرته في (قضيته) , لكن المثابرة لا تنفي عن صديقي خالد مجافاة الموضوعية , فهو في أحسن الأحوال مترصد و متحامل , لا يرى أي نفع يمكن أن يعود على السودان من مصر , و لو بنت مصر جامعات في السودان و أتاحت فرص التعليم , و أوجدت فرصاً للتبادل التجاري , لكنه لا يمانع في تحميل مصر وزر كاتبة كويتية مغمورة دعت الرئيس المصري لغزو السودان و كأن رئيس مصر يأتمر بأمر أي كاتب متهور (و لو في الكويت البعيدة) .. و لم يعتبر أستاذ خالد بإضاعة المثقفين السودانيين جهداً و وقتاً ثميناً مع المهرج توفيق عكاشة و هم يجادلونه حول العلاقة بين السودان و مصر , حتى فوجئوا بأن الرجل بلا قيمة في مصر , و طرد من البرلمان بعد أن أفرط في عرض مسرحياته السياسية المبتذلة .. و ها هم يولون اهتمامهم لجماعة (مين بيحب مصر ؟) التي بلغ بها جهلها و سذاجتها أنها تظن أن بالإمكان الوصول إلى المحكمة الدولية لمجرد أنهم يحملون أوراقاً أسموها وثائق , فتقرر المحكمة على الفور تبعية السودان لمصر .. ظاهرة إنفعالنا الزائد تجاه ما يصدر عن كل (من هب و دب) , ظاهرة غير حميدة و قد تعبر عن شخصية متشنجة . و عجبت جداً من تعليق الأخ خالد على رؤية الأستاذ عبد الباقي الظافر لجماعة (مين بيحب مصر) إذ انبرى له استاذ خالد ب (نفس حار) : يا هو دا ردك مع الرجال ؟ .. و كأن المطلوب من الظافر ان يمتشدق حسامه و يعلن الحرب على هذه الجماعة ذات التفكير الفطير . نساير منطق الأخ خالد الذي ضرب حول أهل السودان سوراً , ثم وقف ببابه ليمنع أي محب لمصر من دخول ساحة الوطنية السودانية .. و نفترض جدلاً أن تاجراً سودانيا في سوق الجمال قد التزم بشرط خالد فأعلن عدم حبه لمصر , فلن يبدل ذلك حقيقة أن له مصالح مع مصر لا تتبدل بالحب و الكراهية , و انه لن يهدر أو يفرط في هذه المصالح و لو كان كارهاً للمصريين .. يسوقنا هذا الترتيب المنطقي للتساؤل : هل للسودان مصالح و منافع مع مصر ؟ إذا أنكر التيار المحذر من مصر وجود المصالح و المنافع بدافع البغض فقط , و بشعار (كل شئ إلا المصريين المفترين ديل) يكون التيار قد (فقد المنطق) , خاصة عندما ندرك أن هذا التيار لا يدعو لمقاطعة كل الجيران , فما هي المصالح الأقوى التي تربطنا بتشاد و إثيوبيا و ارتريا و ليبيا و تجعلهم بمنجي من هذا الترصد العجيب لمصر ؟ بل و التعامي عن تجاوزات في حق السودان من هؤلاء الجيران , حيث لم تجد على سبيل المثال أحداث الزاوية في ليبيا و لا الدور التشادي في أحداث دارفور و لا مقتل تجار سودانيين في دولة جنوب السودان , لم تجد قدرا يسيراً مما وجدته أخطاء مصرية أقل خطراً و بكثير . بل و يجهد أصحاب هذا التيار أنفسهم في البحث عن الأعذار و التبريرات للمعتدي الأجنبي . بدا لي ذلك بوضوح عند تعليقي على خبر هجوم للشفتة على أراض سودانية و اختطاف مواطنين سودانيين , و دعوت يومها الأخ خالد للتعليق عله يتصدى لهذا الاعتداء مثل تصديه المعهود كلما (جات سيرة مصر) , فاستجاب صديقي خالد لدعوتي , منبهاً إلى ضرورة التمييز بين الشفتة و الحكومة الإثيوبية باعتبار أن الشفتة عصابات لا تتحرك بأوامر رسمية .. و هو رد غير دقيق , كما لا تخفى فيه الملاطفة و الاجتهاد لإيجاد عذر للمعتدي الإثيوبي . و يبلغ الافتئات مداه الأقصى في تعليق معلق أسمى نفسه "مجنون ليلى" على خبر (عصابة الشفتة الإثيوبية تهدد بحرق قرى سودانية على الشريط الحدودي) فقال المعلق : خلاص المخابرات المصرية بدت الشغل ! في مقابل , التعامي عن الأخطاء غير المصرية , و تضخيم الأخطاء المصرية , يأتي الترحيب بمنافع تأتي من شعوب غير مصرية , و رفض ما يأتي من المصريين , و لو كان الأخيرون أكثر نفعاً من ناحيتي الخبرة و الكفاءة .. فالمعروف ان السودان قد جذب هجرات من جميع الجهات , و أسهم الوافدون بمعارفهم و جهودهم في سوق العمل أو في مجال المعرفة . و لا يصحب توافدهم أو بقاؤهم في السودان حساسيات ؛ لكن , ما أن يأتي الحديث عن عمالة مصرية أو وجود مصري في السودان إلا و تعلو أصوات (خالد) و رفاقه محذرة . و قد لحقني مرة راس سوط الأخ خالد عندما دعوت للاستفادة من خبرة الفلاح المصري لاستصلاح الأراضي في الشمالية , فاعتبرها صديقي حارس البوابة الشمالية دعوة لاستعمار مصري للولاية , و لم تبدر عنه أية إشارة لاستعمار ارتري لولاية كسلا أو استعمار نيجيري أو تشادي لدارفور أو إثيوبي لولاية القضارف . فما سر التربص بمصر و التعامي عن تجاوزات خطيرة لجيران آخرين ؟ أو الترحيب بإضافات غير المصريين , و رفض أي نفع مصري ؟ تبرز هنا مفردة "الكرامة" التي يسوقها كارهو مصر كلما أثير موضوع العلاقة مع الجار الشمالي , باعتبار أن موقفهم نابع من ثورتهم للكرامة السودانية في وجه الاستعلاء المصري , لكن الفحص الدقيق يكشف أنها لا تخرج عن مشادات على مستوى شعبي , لا (نقصر) فيها نحن السودانيين ... و يبدو لي أن أصحاب هذا التيار الذي لا يأبه بتطاولات جيران غير مصريين , يحسون بتفوقهم على أولئك الجيران , بينما يجدون أسباب التنافس قوية مع الجار المصري . و بعبارة أخرى هو شعور ناتج عن الندية .. و هو ما يفسر وجود تيار شعبي متأهب للرد على الطرف الآخر قبل أن يسجل عليه نقطة في المنافسة الحارة .. لكن ظاهرة الغيرة الشعبية التي تتبدى في مناسبات التنافس الكروي و مشاجرات الأسواق و مخاشنات هنا و هناك لا تكون الأساس في بناء العلاقات بين الدول . و لن تكون رواية صحيحة يقول بها سودانيون عن إساءة لحقت بهم في سوق العتبة أو تريقة مصريين في أحد شوارع القاهرة , و لن تكون رواية مصرية صحيحة عن سودانيين وصفوا مصريين بأنهم حلب رقاصين قرود , لن تكون مثل هذه الحالات العادية هي الأساس الذي يبدأ به تفاوض وفدين يبحثان رفع مستوى التبادل التجاري أو فتح فرع لجامعة الإسكندرية في شندي .. هذا مع وضعنا في الاعتبار بالضرورة أن قطاعا عريضا في البلدين لا يتأثر أصلاً بمثل هذه الحالات العادية , و يضعها في إطارها الصحيح .. لكن إذا افترضنا جدلاً وجوب استصحاب هذه الحساسيات عندما نؤسس لعلاقة صحيحة , فسوف ينهزم هذا الفهم عندما نستدعي علاقة أخرى تنقلب فيها أسس هذه الجدلية أعني علاقتنا بدولة جنوب السودان , التي تشكل عند استصحابها بعلاقتنا مع مصر جدلية مثيرة . فعلاقتنا نحن في شمال السودان ذات خصوصية مع جنوب السودان , و بيننا منافع و مصالح لا ينكرها إلا مكابر . و كذلك تشوب العلاقة حساسيات بسبب شكاوى و مظالم يقول بها الجنوبيون بحيثيات تفوق كثيراً ما يقول به كثير من السودانيين عن استعلاء مصري .. فهل يكون من المنطق في شيء نشوء تيار جنوبي ينادي بمقاطعة الشمال بدعوى ما تعرض له الجنوبيون من مظالم أو ما يحسونه من تعال شمالي .. و هل يكون ذلك مبرراً لأن ينكر الجنوبيون وجود مصالح لهم مع الشمال فيرفضون بضائع قادمة من كوستي أو ينكرون تخرج أبنائهم في جامعات سودانية , و يرفضون أية اتفاقية مع الخرطوم ؟ نختم بهذا المثال , و نواصل في الحلقة التالية , تقديم نماذج أخرى نكمل بها المشهد تمهيداً لدعوة إلى نقاش مثمر حول موضوع مهم .. و دعوة خاصة لمن أحيا بمثابرته كل هذا الجدال , أعني صديقي اللدود خالد .. مع خالص المودة . [email protected]