بسم الله الرحمن الرحيم لست متأكداً إن كان مقالي هذا سيرى النور.. إذ ربما ترى سياسة التحرير في المواقع التي أنشر فيها ما لا أراه..كما حدث لمادتين سابقتين ..وأحترم فيها جداً سياستها..ويأتي ذلك لاختلاف تقييمي للوضع الثوري المعارض من منطلق معارض للنظام .. وكدت أتحاشى الكتابة في الموضوع حتى لا أشكل نغمة نشازاً في سيموفونية ثورية ..بيد أن مقال مولانا سيف الدولة حمدنا الله ..قد وضع إصبعه على نفس الجرح ..ووضع السؤال المحوري ..ماذا حدث للثورة؟ وهذا سؤال يجب أن نشارك جميعاً في الإجابة عليه .وحتى لا تتوه بنا الدروب يجب التأكيد على أن الثورة بوصفها عملاً تراكمياً لا ترتبط بفعل عابر ..ولا تقوم كما تفضل مولانا بالملاحظة ..بإحراق شخص لنفسه كما حدث في تونس ..وكذلك لن تقوم لجريمة إغتيال يقوم بها نظام فاقد للأهلية الأخلاقية والدينية لطالب أو عدد منهم ..وإلا فأين أرواحٌ عزيزة أُزهقت من ثوار سبتمبر من إشعال فتيلها ؟ ألم يعمل النظام على تحويلها إلى قضية ديات تدفع؟ وقبول معظم الأسر بها ورفض بعضها ..حتى أعاد الخبير المستقل لحقوق الإنسان أهمية عدم إغلاق الملف بدفع الديات..ومع ذلك يجب التأكيد على أن هبة سبتمبر وما حدث في الأيام المنصرمة ..(مداميك) أساسية في بناء الثورة..بل وإن مجرد عدم تلوث إنسان بسيط منسي في صقع ناء في البلاد ..يشكل أهمية كبيرة في خدمتها..ناهيك عن أحزاب وحركات مسلحة ومنظمات مجتمع مدني ومواقع تواصل اجتماعي وكتاب إسفيريين ومعلقين وغيرهم مما يتوفر للثورة السودانية المستمرة.. ونعود إلى السؤال الذي تفضل مولانا بطرحة ..ونسأل بدورنا ..هل ما حدث كان بالضرورة لحظة الاشتعال التاريخية..للأسف لا..فشخصياً عندما وصلتني صورة الشهيد المغدور ..رأيت نفس رصاصات سبتمبر ..وخفت من نفس المآل.. وتألمت كغيري لألم الأسرة المكلومة ..حتى يبرد حشاها اندلاع الثورة..وكان ذلك لجملة عوامل أهمها عدم وجود متغير أساسي في تنظيم وتنسيق العمل الثوري..وبعض الأخطاء القاتلة كما يلي : ليس هنالك أي جسم ثوري أو تنظيم جديد في الساحة ..بل أن صوت التجمع المعارض كان خافتاً وأن أحزاب المعارضة بدت كمن تحاول إثبات وجودها داخل الحدث واللحاق به..والجبهة الثورية لم تأت بجديد مؤثر في باريس غير تجاوز خلافاتها والحديث عن هياكل. رغم صدور بيانات غاية في الأهمية لاحقاً من قضاة مفصولين وضباط شرطة وجيش سابقين وفي الخدمة وغيرهم..إلا أن المشكل الأساسي كان عدم وجود جسم يجمع هذه الشرائح المهمة. .وينسق بينها. أو على الأقل لم يعبر عن نفسه. الأخطاء القاتلة في عدم الاستفادة من تجميع المعارضين لسياسات محددة بنفس منطلقاتهم دون افتراض إجبارهم على اعتبار ما يعارضونه بالضرورة دعوة لإسقاط النظام ..وللتوضيح أكثر ..فليس كل معارضي السدود ضد النظام ولكن وجودهم داخل الكتلة المعارضة للسدود رصيد يجب ألا يفرط فيه..وكذلك طلاب الجامعات الرافضين إما لبيع جامعة الخرطوم أو الذين يدينون مقتل زملائهم ..ومثالاً على ذلك تابعت أمر طالب في لجنة كلية الهندسة لمناهضة البيع ..ورغم أنه يقول لأصدقائه عند مناكفتهم له بأن أباه كوز ..بالرد بقوله للأسف للأسف !! إلا أن اختلافه مع بقية التنظيمات في تقييم موقفة كرافض لبيع الجامعة كهدف مقدس دون منطلق سياسي..جعله يتلقى الاتهامات بل والتهديدات..وفقدوا ناشطاً مهماً..وقس على ذلك. أما أكبر الأخطاء فكان في مواقف الجبهة الثورية والصادق المهدي ..فالجبهة الثورية أرسلت رسالة سالبة في تقديري عندما أعلنت وقف النار من جانب واحد واستعدادها للتفاوض ..فمهما كان تقييمها..فإن أثر الرسالة كان صباً لمياه باردة على جذوة الثورة وحرارة الحدث..فهي لم تكن محتاجة لإثبات أنها لا تطلق النار ولا تشن هجوماً ..لأن النظام قد تكفل بوضع نفسه في خانة الهجوم بهدف الوصول إلى كاودا..فلا معنى لهذا الحديث من الناحية العملية والقول بأن الأهداف المتحركة وموقف الدفاع مستثناة من القرار.. وتخطئ الجبهة الثورية إن لم تتيقن بأنها صاحبة الفعل المعارض الأساسي في الساحة (ليست الوحيدة بالطبع.)وهل استهدف بالقتل إلا طلابها.؟.وهل كان اتهام النظام لها بتحريك الأحداث في الجامعات لتحقيق ما فشلت فيه في الميدان اعتباطاً ؟ فبقدر ما كانت تصريحات ياسر عرمان عن إفشال خطة الهجوم الحكومي عاملاً محفزاً لمن يعارضون رؤية النظام في الحل العسكري..كانت رسالة الجبهة الثورية محبطة لهم.. ولم يكن غريباً صدور التأكيدات الحكومية باستمرار العمل العسكري واعتبار البيان نتيجة للضغط العسكري والهزائم فلو واصلت نهج الصور الموثقة لجرائم النظام ..ما كان شعار التضامن مع حلب سيلقى رواجاً في نفي الأيام !..أما الصادق المهدي فقد كان بيانه بالحث على التظاهر والاعتصامات خطأً فادحاً.فقد أعاد في مخيلة معارضي مواقفه صورة المحاول لركوب موجة المظاهرت للصعود على سنامها إلى السلطة في حال نجاح الثورة..وهم كثر ..وإلا فليرنا سيادة الإمام كوم حصاد بيانه من مؤيدي حزبه ..دعك من غيرهم..لقد كان مؤسفاً خروج المظاهرات في مدني الثورة باسم جمعة ايلا غداة دعوات التظاهر ضد النظام.. أما آخر الملاحظات ..فهي أننا نبدو وكأننا أسرى لتجربتي أكتوبر وأبريل كمن يظن أن الشعب السوداني سيقطع مياه النهر مرتين من نفس النقطة..حتى ولو تغيرت الظروف ..فما أن يتظاهر طلاب الجامعات ..حتى نجهز لاستقبال تغيير ثوري ..متناسين غياب التنظيمات النقابية كعضو فاعل في العصيان المدني..وكان اللافت أنه حتى تنظيمات نواب الاخصائيين مثلاً والقائمة رغم أنف النظام ..لم تبادر ..وكان مواصلة إضراب أطباء كوستي حدثاً محلياً صغيراً نختم بأن الثورة نمل أبيض يأكل منسأة النظام ..ولكن التنسيق بين المكونات مهم لاندلاعها ..ما لم يرتكب النظام خطأَ كبيراً يمثل الصاعق المنتظر..وحتى حينها ستنتهي الثورة بانتهاء مراسم العزاء في الشهداء. [email protected]