قال الشهيد الأستاذ/ محمود محمد طه: "النقد الذاتي مسؤولية، وليس هو تنفيس عن ضغائن نفس ضد الأخرين". ونحن نعلم وندرك ونقدر، بأن من يده فى النار ليس كمن يده فى الماء البارد. والناقد الأمين والصادق والمخلص ، المتفق مع الآخرين فى الأهداف العليا والثوابت لا يركز فقط على الأخطاء والنقائص والسلبيات وحدها، بل يهتم (بتقييم) الأمور من كآفة جوانبها ووضعها فى أطارها الصحيح، ويزنها بالميزان المناسب لها، فميزان الذهب يختلف عن ميزان الملح، ثم بعد ذلك يشيد بالأيجابى ويؤمن عليه دون نفاق أو مجاملة ويشير للسلبيات والمعوقات وينصح بكيفية معالجتها دون غلو أو اسفاف أو تضخيم. لذلك حينما نوجه نقدا للجبهة الثوريه فهو نقد (ايجابى) ونقد حادب يرى نفسه جزءا من ذلك الكيان الوطنى الذى أحيا الأمل داخل النفوس وجعل الأحلام قابله للتحقيق على الواقع وأمكانية التخلص من هذا النظام الفاسد الظالم الفاشل المعوق لمسيرة التقدم ممكنه. ومن لا يعمل على اسقاط هذا النظام الذى اضاع الوطن ومزقه وشتت شمله وفرق اهله وطمس ثقافته التى كانت مؤسسه على التراحم والتسامح والمحبة، عليه أن يراجع جيناته ليتأكد هل هو سودانى أم لا؟ لقد منحتنا هذه (الجبهة السودانية الثوريه)، الأمل بعدما كدنا أن نفقده ونحن نرى تصرفات قيادات الأحزاب التقليديه (المحبطه) من جميع الأتجاهات وهى لا تستوعب الدرس وتعقد مع النظام الأتفاقات والتحالفات وتقدم له التنازلات بعد أن ثبت عدم جدوى ذلك كله، وتلك التنازلات لم تفعل شيئا غير انها اطالت من عمر النظام وزادته طغيانا وصلفا وغرورا واستبدادا ولم يقدم للشعب غير التعذيب والقتل والأباده فى جميع جهات السودان. وللأسف لا زال الأرزقيه والمأجورين ومنعدمى الضمير يوالون ذلك النظام ويدعمونه ويساندونه، لاتهمهم غير مصالحهم الشخصيه وملء جيوبهم وكروشهم. واذا كان المجتمع الدولى الذى نعيش فيه اليوم لا يدعم الكيانات الثوريه التى تنشد الحريه وتعمل من أجل تحقيق الديمقراطيه والعدالة والمساواة وأحداث (التغيير) .. ولا تؤيد أنظمته ومؤسساته المختلفه مهما كانت عدالة القضايا التى تقاتل من اجلها تلك الكيانات ومهما ضحت بالغالى والنفيس، الا وفق ما يحقق مصالحها والا اذا ضمنت (بديل) قوى للنظام القائم، يحقق التغيير السريع وفى ذات الوقت يؤمن استقرار وطنه ويمنع الفوضى .. وذلك المجتمع لا يتعامل حقيقة الا مع (الأقوياء) وحدهم سياسيا وعسكريا. فأذا كان الأمر كذلك وطالما جميع المؤشرات والدلائل ومحصلة المعارك التى خاضتها قوات (الجبهة الثوريه السودانيه) الباسله، ضد النظام الفاسد حتى الآن، قد أكدت على أنها الطرف الأقوى الآن فى الساحه السودانيه والتى تمثل المقاومه والمعارضه الحقيقيه الجاده وهى التى تنازل النظام وتقلق مضجعه ليل نهار وتهدد بقاءه، فما هو السبب الذى يعطل مسيرة هذه الجبهة (نوعا ما) ولا يمكنها من حسم المعركه سريعا فيرتاح الوطن ومواطنيه ويرتاح العالم كله من نظام فاسد وفاشل وارهابى لا يملك لمواطنيه غير الحرب والقتل والكراهية؟ ولماذا نسمع من وقت لآخر لأصوات تدعى معارضتها للنظام، لكنها وفى ذات الوقت (تعارض) اسلوب (الجبهه) وتتهمها باللجوء للقوة والعنف، وكأنها من بدأت ذلك العنف وحرضت عليه .. اليست تلك الأصوات مكابره وفاقده للأمانه والوطنيه وهى تتخذ مثل تلك المواقف؟ الم يسخر النظام فى أكثر من موقف من /المعارضه – الحكوميه/ (المدجنه) والمستأنسه؟ .. الم يخرج اقزامه السنتهم لكل من سعى للسلطه عن طريق سلمى أو عن طريق صناديق الأنتخابات، وذلك حق مشروع لكل سودانى؟ الم يتحدى رئيس النظام فى صلف وغرور كل من فكر فى الوصول للسلطه عن طريق سلمى، وطلب منه أن يتجه للقوه بدلا عن تنظيم المظاهرات والوقفات الأحتجاجيه السلميه التى تحترمها الأنظمه الديمقراطيه الرشيده وتستجيب لها؟ فلماذا اذا يتهافت العديد من المعارضين فى الأحزاب التقليديه علي نظام بمثل ذلك السوء وما يحمله من افكار عدوانية واقصائيه وبدلا من مواجهته ومقاطعته، نجدهم يحبطون المقاومين ويتهمون من قاموا بالواجب بدعوى أنهم قد أتجهوا للعنف وكأنهم هم الذين بدأوا ذلك العنف وكأن النظام لم يمارسه ولم يدخل فى الخلافات السياسيه السودانيه وبصورة لم تحدث من قبل. وهل يستطيع حزب من الأحزاب أو أى جماعه من الجماعات أن تصل للسلطه عن طريق الوسائل السلميه مهما نظمت نفسها فى ظل هذا النظام الذى حول الشعب السودانى فى الداخل كله الى جياع وفقراء ومحتاجين وتفنن فى تعذيبهم واذلالهم واهانتهم؟ لذلك كله فأن (الجبهة الثوريه) وبنهجها القومى الواعى الذى يسعى النظام وأعوانه، الى تصويره وكأنه (جهوى) وعنصرى، وبتنوعها القائم الآن تمثل افضل بديل للنظام. والواجب يحتم على الجميع أن يلتف حولها وأن يدعمها، لا أن يخزلها .. واذا كانت لهم اراء وملاحظات فى اسلوب عملها أن يصدعوا بها، بكل صدق وامانه، لا باطلاق الأتهامات الجزافيه المرسله التى تعكس عدم ثقة فى نفس من يطلقونها وشعورهم بالعجز عن احداث التغيير بل عدم رغبتهم فى المشاركه فيه ولو باضعف الأيمان من منطلق مصالح محققه من بقاء هذا النظام أو من باب (عداوة الأنسان لما يجهل). ومن جانبنا نساهم ونطرح بكل تواضع ما نراه مفيدا لمصلحة الوطن وما تحتاجه (الجبهة الثوريه) لكى تكتمل دائرة نجاحاتها وتصل للهدف المنشود. أولا : ينقص الجبهة الثوريه، الأنفتاح على كآفة قطاعات المجتمع السودانى فى جميع الجهات بما فيها (المركز) الذى انضم الى قافلة (المهمشين) وأن تبادر بالأتصال بكل السودانيين الوطنيين الشرفاء المخلصين فرادى وجماعات داخل الوطن وخارجه، لا أن تتنتظر (الجبهة) وقياداتها اؤلئك الوطنيين الشرفاء أن يتصلوا بها من انفسهم، وحتى لو ارداوا الأتصال فهل من السهل عليهم معرفة الطريقة التى يتواصلون بها مع قادة تلك الجبهة؟ وعلى الجبهة أن تهتم بهذا الملف وأن تكلف به من يستطيع القيام به على الوجه المطلوب. ثانيا : لا نستطيع أن ننفى وجود سودانيين شرفاء احرار بين قادة وكوادر الأحزاب التقليديه التاريخيه من اقصى اليمين الى أقصى اليسار، لكن يجب الا تقصر (الجبهة الثوريه) اهتمامها باستقطاب من كانوا ينتمون لتلك الأحزاب التاريخيه (وحدهم)، وكأنها تقول لباقى السودانيين الشرفاء الذين لم يجدوا أنفسهم فى تلك الأحزاب، اذا اردتم أن نهتم بكم فعليكم أن تذهبوا وتنضموا اولا لتلك الأحزاب ثم تتقدموا بالطلب الينا وعندها سوف تجدون منا كل تقدير واحترام، فهذا (النهج) لا يقدم للوطن جديدا وتكون محصلته فى النهايه اعادة انتاج (القديم) بكلما فيه من سلبيات. ثالثا: نتمنى من قادة الجبهة الثوريه الأتصال بأى معارض غاضب وحانق أبتعد عن (الجبهة الثوريه) أو ظل محائدا فى تعامله مع (الجبهة) ومعرفة سبب غضبه وحنقه أو وقوفه على الحياد، طالما كان سودانيا حرا معارضا للنظام ويعمل بكل جدبة من أجل التخلص منه وأن تجرى مصالحه بين كآفة المعارضين الجادين المتفقين فى الأهداف والرؤى مع (الجبهة) وأن تنسى الخلافات الشخصيه مهما كان حجمها من أجل مصلحة الوطن ومن أجل احداث التغيير. رابعا: على قادة الجبهة الثوريه وهى تحقق الأنتصار تلو الأنتصار على النظام فى ميادين القتال، أن تهتم بالأعلام المقروء والمسموع والمرئ وبحسب ما هو متوفر لها من امكانات، حتى لا تترك الساحه خاليه للنظام وأن يقلل من حجم تلك الأنتصارات أو يشوهها ويضلل المواطنين البسطاء عن حقيقتها من خلال الكتاب والأعلاميين الأرزقيه والمأجورين ومن خلال هيمنته على الأعلام الرسمى والخاص. خامسا: لابد من اهتمام الجبهة بعنصر الشباب والطلاب، داخل كآفة الأحزاب والتنظيمات، فكما هو واضح لا ينقصهم الوعى ولا تعوزهم الوطنيه والرغبه فى انتشال الوطن من محنته وهم نصف الحاضر وكل المستقبل، وقد أكد بألأمس القريب شباب (حزب الأمه) الثائر هذا الرأى واصدر بيانا قويا غير (مقيد) بنهج قيادة الحزب فى التعامل مع النظام، بل داعم لخط (الجبهة الثوريه)، ويجب أن يشكروا على ذلك الموقف الوطنى الشجاع وهذا يعكس حقيقه المشاعر الكامنه فى نفوس العناصر الشبابيه والطلابيه فى السودان التى ترى وطنها يتجه نحو الهاويه والمجهول وربما الزوال والفناء فى عالم لا يحترم سوى الأقوياء. خامسا: ليس صحيحا أن (السياسة) لا اخلاق لها، لكن السياسى الذكى هو يستفيد من الظروف والتغيرات التى تنشأ، دون التفربط فى المبادئ والثوابت ووفق ما هو (ممكن) ومتاح، والتغيرات الحادثه من حولنا فى المنطقه التى نعيش فيها الآن، تتيح للجبهة الثوريه التحرك خارجيا بصورة أفضل من ذى قبل، لتأسيس علاقات اقوى مع دول الجوار تؤدى الى عزل النظام ومحاصرته وتعريته وفضح مؤامراته ضد تلك الدول وعمله الدائم على تهديد أمنها وعدم استقرارها، بناء على تجارب سابقه اعترف بها أعترف بها قادة النظام وبناء على مشروعهم الأقصائى الذى لا يعترف بالأخر ولا يؤمن بالحريه والديمقراطيه ويتقاطع مع حق الشعوب فى تحديد ما تراه مناسبا لها من اشكال الحكم. وانها لثورة حتى النصر. تاج السر حسين – [email protected]