حينما تتسع ثقوب الديمقراطية في ثوبها الهش ..فمن السهل جداً للعسكر أن ينفذوا منها الى سدة الحكم في ليلٍ تلفه حلكة تفريط الساسة المشغولين بتمزيق ما بقي من ذلك الرداء البالي . فبيانٌ أول مفعمُ بعبارات الإصرار و التأكيد على أن أهل الإنقلاب هم عطارو ما أفسده دهرالنائمين من حراس الحقل والغافيلن عنه..وحتى المسميات التي تطلق على نظم راكبي الدبابات تبدأ مناقضة لمبتداهم في سرقة السلطة .. فتصبح جمهورية السودان عندهم مضافا اليها صفة الديمقراطية ! وما أن يجف الدم في سيف القائد الملهم الذي يضحي بالقليل من كباش الفداء .. ويتمهل فوق كرسيه الوثير وقد تخلص من رفاق الغزوة .. يبدأ يبحث عمن يرفع له ذلك الكرسي الى منصة أحلامه الذاتية .. والمثقفون المدنيون من الواقفين عند مداخل الإنتهازية جاهزون له بترتيب إستفتاء التسع وتسعون نقطة .. تاركين النقطة رغم مئة دليلا لمن لايصدق أنها إنتخابات حرة وشفافة بشهادة إعلام الرجل الواحد .. الذي هتف له المغنون .. ابوكم مين .. فيرد تلاميذ وتلميذات المدارس المتشعلقون على درجات سلمه التعليمي الواهن .. نميري .. نميري .. نميري ! يتقلب الديكتاتور في نيران الطموح التي يتعجل لهيبها بالنفخة الكاذبة .. فيتشكل في حربائية شغفه السلطوي من اللون الأحمر الى الرمادي وحتى يبلغ الإحتراق الذي ظنه النضوح والإستواء فوق منبر الخلافة ..ولم يكن يظن أنها نهاية سخامه الذي سيتساقط الى قاع التنور ومن ثم لتذروه رياح الغضبة الى فضاءات الفناء ...ومن هنا صعوداً الى أدراج التبدد المهين وإرتداداً الى حفرة النسيان الأبدي . ! ومن يأتي بعده سائراً على ذات الدرب وهو منتفخ الأوداج شاهرا السيف الخشبي إياه لتطويع الرقاب .. فيظن أنه معصوم برُقية التقية .. التي يذر رمادها في عيون الزمن إعتقادا منه ان الرمد الذي سيصيبها من وهج الشعارات البراقة في وجدان البسطاء والتي يسلطها عليها من مصابيح النفاق أولئك الذين يرفعون كرسيه هو الآخر الى شرفة أوهام الخلود ..وهو لا يعلم أن العرض هو العرض ومراحل تطور المرض لا تختلف إلا في تفاوت مدة تغلغه في جسد نظامه ليصل الى نفس النهاية المحتومة ليشيع ميتاً الى مزبلة التاريخ .. وإن تطاول موته السريري ..أو..بدأ واقفا كخيال المآتة متكئاً على منسأة طغيانه التي يسكنها سوس المدلسين ..! [email protected]