أكتب هذه المقالة، كمساهمة في ضوء الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تضرب عموم البلاد، وقبل الشروع في بيان تفاصيل المقال، أعلن أني لست متخصص في الاقتصاد، لكن من مقام الربط بين السياسة والاقتصاد، وبحكم التخصص في العلوم السياسية، أستطيع الادعاء بالكتابة في هذا الشأن، لأن الأزمة الاقتصادية الراهنة تستوجب المجاهرة بالرأي من غير المختصين، عسى أن تكون هذه المحاولة بمثابة حراك في اتجاه جهود حل الأزمة. النقطة الأولي، التي أود البدء بها، هي أن أي أزمة اقتصادية في دولة ما، تستجوب معها طرح أسئلة من دون تحفظ، أو حسابات ضيقة، خاصة من قبل الأطراف المختلفة، وفي حالتنا هنالك عدة آراء متعارضة لشركاء الاتفاقية في هذا الشأن، وأي محاولة لاحتكار الرأي يؤدي إلى تأزم الموقف الاقتصادي أكثر فأكثر، لذلك أعتقد أنه لن يحصل أي تقدم في الوضع الاقتصادي ما لم يقوم الجهاز التنفيذي بتوحيد صفوفه، فعندما يتعلق الأمر بالاقتصاد ليست هناك هبات من السماء، يمكن أن تأتي لإنقاذ الوضع، بل لا بد من العمل وبذل المزيد من الجهد حتى تأتي الثمار لاحقًا، فمواجهة المشكلة الاقتصادية هي معركة تتطلب العمل والجهد والصبر قبل أن تتحقق النتائج الملموسة. مع العلم، أن الاقتصاد لا يعمل لوحده، إذ لا بد أن تتوافر له مسبقًا شروط أولية، دونها لن تنجح أي سياسة اقتصادية مهما بلغت حكمتها أو عبقرتيها، وأهم هذه الشروط برأيي: التوافق الحكومي بين أطراف الاتفاقية، ثم بعد ذلك وضع خطة مشتركة تهدف إلى بيان الأسباب الحقيقة وراء الأزمة الراهنة، ثم مخاطبة المسببات، ووضع الجذور الأولية المعالجة. وغني عن البيان، إيراد انخفاض أسعار النفط في الأسواق العالمية، كواحدة من الأسباب للحالة الاقتصادية الحالية، ولا يعني ذلك أن الحكومة مبرأة من الفشل في هذا الشأن (وأقصد هنا حكومة سلفاكير قبل تشكيل حكومة الوحدة الوطنية الانتقالية الحالية)، فهي تتحمل الوزر الأكبر في الكارثة الاقتصادية الراهنة، للفشل في وضع هيكلية اقتصادية سليمة للدولة، بدءًا بوزارة المالية ثم البنك المركزي، بجانب عدم وضوح الخارطة الاقتصادية وغياب المشورة وآراء أصحاب التخصص والخبرة، بجانب قصص الفساد الكثيرة. هنالك عوامل ملحة في الوقت الحالي، تحتاج أن توضع في اعتبارها الصحيح، والقرار هنا يعود إلى الحكومة الحالية، لتجاوز النقاط الخلافية، بدءًا بقضية الساعة ل 28 ولايات، وضرورة معالجتها كخطوة أولي في سلم التعافي الاقتصادي،( أكتب هذه المقالة قبيل اجتماع مجلس الوزراء اليوم لمناقشة هذه القضية)، فإذا أخذنا الجانب الاقتصادي من القضية، نجد أن هذه الولايات الجديدة حتي الآن لم تضمن في موازنة البلاد، بحسب المعلومات المتوفرة لدينا، وأعتقد أن هذه المسألة ترجع لعدم قدرة الحكومة ماليًا بالإيفاء بمتطلبات هذه الولايات، وسط حالة التأزم الحالي، إذ تشهد البلاد ارتفاعًا في أسعار البضائع والمواد الاستهلاكية الضرورية، وبات المواطنين يكابدون لتوفير الغذاء ولو ليوم واحد فقط، بعد قرار تعويم العملة المحلية "الجنيه" أمام العملات الأجنبية، وبالتأكيد مثل هذه الأوضاع لا تحتاج إلى تكاليف ولايات جديدة تضاف إلى ميزانية الدولة المتضخم إصلاءً. في الوقت نفسه، مازالت الحكومة عاجزة عن دفع مرتبات موظفي الدولة لثلاثة أشهر متتالية، والسؤال هنا، لماذا التمسك الشديد بالولايات العشرة (مجموعة الرئيس سلفاكير) طالما أن الحكومة عاجزة عن الإيفاء بالبند الأول، وهي مرتبات العاملين في الدولة. في هذا الإطار، يجب التفكير بعقلانية وفق منطق بسيط، بعيدًا عن عقلية المناورات السياسية، وأعتقد وفق هذا المنطق الحسابي جاء إعلان الترويكا" الولاياتالمتحدة، بريطانيا والنرويج" ومنظمة الايقاد بضرورة تجميد قرار الولايات ل 28، لذلك تتوقف جهود النجاح لمعالجة الأزمة الاقتصادية على جدية أطراف الاتفاق (وهنا أقصد جناح كير في حكومة الوحدة الوطنية) لأنهم هم وحدهم المتمسكين بالقرار، عكس الشريك "الحركة الشعبية برئاسة النائب الأول الدكتور رياك مشار"، بالإضافة إلى كتلة الأحزاب السياسية المشاركة في الحكومة، التي سبق أن اعلنت موقفها برفض قرار أنشاء هذه الولايات. بالتالي، لاستقرار الوضع الاقتصادي، يجب البدء في وضع خطط وحلول ناجحة، فمشوار التعافي الاقتصادي طويل ومرهق، ولا بد أن تصاحبه جرعة كبيرة من الإرادة السياسية، بجانب وقوف المانحين في الصف، فأمام الحكومة مشكلات عديدة متراكمة وقائمة طويلة من الآمال المحبطة، من مشكلة العجز في الموازنة، نقص السيولة للعملة الوطنية والأجنبية، فضلًا عن أزمة مرتبات الموظفين في الدولة (دخلت أكثر من جهات حكومية في اضطرابات عن العمل لدم دفع المرتبات). وهذا لا يتحقق إلا بتكاتف الجهود، مع الأخذ في الاعتبار أن قصص النجاح السريع والملموس يحتاج إلى وقت. فضلًا عن وجود تحديات أخرى لا تقل أهمية عما سبق، فبحسب تقارير المنظمات الدولية مثل منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة "الفاو"، ومنظمة الصحة العالمية، تشهد البلاد مجاعة في مناطق متفرغة بجانب الأمراض والأوبئة، كل هذه التحديات تجابهه البلاد في الوقت الذي يطغي الخلاف السياسي على تناول هذه الموضوعات. لذا، أدعو الأطراف الممثلة في الحكومة، على ضرورة الاتفاق حول القضايا الجوهرية، لحاجة الشعب للاستقرار، والامن، من ناحية، ولعودة الدولة في المسار الصحيح من جهة أخري. الدوحة -قطر 27 مايو 2016 [email protected]