إذا تمعنا في حياتنا السودانية، الثقافية والاجتماعية والسياسية وحتى الفنية والرياضية.. وغيرها نجد كثيراً من الطرائف والغرائب والمتناقضات منها الظريفة ومنها المؤلمة، ومنها الإيجابى ومنها السالب. ولنأخذ بعض الأمثلة فمن الطرائف يطلق على جبل راسخ اسم جبل الرجاف ولست أدري لماذا ومن ومتى سمي هكذا؟ ومنها يطلق السودانيون على مشروب سائغ شرابه، جمع بين الحلو والمر (الحلومر)!! بل كيف استطاعت العبقرية السودانية أن تجمع بين الروائح الباريسية الرائعة، وبين الروائح الشرقية القادمة من الهند فتجعل منه أعظم خلطة ذات رائحة نفاذة يفضلها المتزوجون وتقدم كأهم هدية عرس في الشيلة وهي (الخمرة بضم الخاء وتسكين الميم).. كما استطاعت العبقرية السودانية المتسامحة بعد طول صراع بين العلماء والفقهاء من جهة، والمتصوفة والفقراء، من جهة أخرى، أن يتوصلوا إلى مقاربة فكرية بل دمجهما معاً فيطلقون على الشخص الفقيه والصوفي الفقير اسم (الفكي).. ولعل في سلوكنا الاجتماعي والاقتصادي نجد عجباً إذ نسمع عن مقولات تدعو إلى الكسل وأخرى للبذخ فمثلاً مقولة (نوم الضحى يطيل العمر) و(حبل المهلة يربط ويفضل)، ما زالت تسود ثقافاتنا. أما في مجال الكسب فمن منا لم يسمع أن الذي يستطيع أن يهبر من المال العام ويرتشي أو يكسب المال الحرام مثل غسيل الأموال يأتي بها من الخارج أو يجني المال بالنفاق الاجتماعي او السياسي هو زول شاطر وربما يتمتع باهتمام ونفوذ اجتماعي وربما سياسي خاص يسعى إليه الساسة والحكام، في حين ان الشخص الملتزم بالحلال ولو كان عالماً وخبيراً ومفيداً، زول مسكين ساكت قد لا يجد اهتماماً.. أما في عالم ساس يسوس فدعوني أقف على سبيل المثال لا الحصر عن اسم لحزب اكتسب اسمه بالدعوة للوحدة مع مصر قبل الاستقلال، إبان الحركة الوطنية ولا زال ملتصقاً به رغم أنه انتهى الى خيار الاستقلال، والسؤال هو هل ما زال مفهوم (الاتحادي) هو مع الوحدة مع مصر أم تغير الى النظام الاتحادي الفدرالي الذي صار أحد ثوابت السياسة والدستور رغم أن الفدرالية كانت مرفوضة بعد الاستقلال لفترة طويلة حين لم تلتزم الأحزاب بما وعدت به الأحزاب الجنوبية باعطائهم وتطبيق النظام الفدرالي في الجنوب ثم عدلت الأحزاب عن زالت ولم تلتزم وقالت (لا فدرالية لأمة واحدة) No F ederation For One Nation الأمر الذي جعل الجنوبيون يغضبون وكان أحد أسباب أزمة الثقة والتمرد ودعوة بعضهم للانفصال عن الشمال..وبذكر الحزب الاتحادي جرى حدث غريب، فلأول مرة يفصل شاباً في مستوى تنظيمي أدنى بعض كبار قادة الحزب ساهم في تطور الحزب، لمجرد أنه ابن زعيم الحزب ولا يعجبهم تصرفاتهم حدث ذلك في ضربة موجعة للديمقراطية والمؤسسية الحزبية.. ولعل هذا يشبه الطرفة السياسية الشهيرة التي قيلت في الحركة الاسلامية ونظامها، أنه لأول مرة بدلاً من أن تأكل الثورة أبناءها فقد أكل الأبناء أباهم والقصة معروفة!! ومن عجائب تناقضات السياسة السودانية كذلك أن نفس الشعب الذي أطاح بدكتاتوريات عسكرية في أكتوبر 1964 وأبريل 1985 من أجل الحريات والديمقراطية عاد يتحسر على تلك الأنظمة ويحن لها ولقادتها ويصفهم بكل جميل بعد أن وصفهم بكل قبيح سابقاً!! هل يا ترى هي حالة انفصام في الشخصية أم ماذا؟ ومن تناقضات وسلبيات سلوكنا اننا نحارب الشخص الناجح ونعمل على تحطيمه ومحاصرته بالشائعات المغرضة، حتى يفشل ربما حسداً أومكايدة سياسية بدلاً من أن نشجعه ولا نعين الفاشل لظروف معينة حتى ينجح ويكون قيمة اضافية لمقدرات بلاده في مجاله وتخصصه!! والغريب لا نذكر محاسن المبدعين والمفيدين إلا بعد موتهم!! ان مفهوم الفساد عند كثيرين هو الفساد المالي في حين أنه مفهوم شامل للفساد السياسي والاجتماعي والثقافي والفني والرياضي وحتى الفساد الذي يعتمد على استغلال الدين لدى البسطاء أو غيرهم أو بالشعارات البراقة المستوردة!! الجريدة ______