٭ في البدايات الأولى من الستينات كنا نقيم سوياً أنا وبجانبي الأخوان العزيزان الشاعر الراحل عمر الطيب الدوش والقاص الكبير عيسى الحلو.. وذلك في منزل متواضع في حي العرضة بأمدرمان جدرانه من الأسى وعرشه من الحنين.. كان عيسى يعمل أستاذاً لمادة اللغة العربية في مدرسة الدوش الثانوية.. أما عمر فقد كان أستاذاً للغة الإنجليزية في نفس المدرسة.. كنا نلتقي نهاراً ونظل في أنس مستمر تتخلله ضحكات طفولية لم نكن نعلم أن هناك اخطبوطاً من الأيام ينتظرها بألف عين.. أذكر مرة أن الأستاذ عيسى الحلو حدثني في أمر أزعج الشاعر الراحل عمر الطيب الدوش كثيراً.. حيث قال لي إن الموهبة الشعرية لا يمكن أن ترتقي إلى سماوات إبداع حقيقي إلا في حالة واحدة.. وهي أن تقرأ وتقرأ لشعراء العصر الجاهلي مروراً بشعراء الوطن العربي في عصرنا الحديث، ولو كان ذلك تحت أضواء المصابيح الشاحبة في الشوارع.. طلب منه الأخ عمر أن يدعني كما أنا.. وأكد له أن قدر الأنجم أن تولد ببريقها.. ونبهه إلى أنه لم يرَ يوماً عندليباً التحق بمعهد للموسيقى. ٭ في حفل عرس بهيج أحياه الفنان عاصم البنا اتجه نحوه أحد المعجبين المشتعلين طرباً وأخذ يهتف أمامه بصوت عالٍ (أنت لست عاصم البنا إنما أنت عاصم الباشمهندس) أخذ الفنان الكبير ينظر إليه باسماً ، لم يتذمر عاصم ولم يتبدل لونه كحال كثير من زملائه الفنانين مع معجبيهم، وهكذا يكون الفنان فناناً. ٭ كسب عجوز أمريكي جائزة اليانصيب الكبرى في أمريكا مقدرة بملايين الدولارات ،ظل يراهن عليها على مدى خمسين عاماً على رقم محبب ، لم يفكر أبداً في التحول عنه إلى رقم آخر ، تسلم العجوز جائزته الكبرى ومضى بها إلى منزله المكون من غرفة واحدة في إحدى المقاطعات الأمريكية ، وبعد أيام خرج إلى الشارع العام في المدينة وأخذ ينثر من أموال جائزته على العابرين في الطرقات وهو يصرخ قائلاً : لقد أتت جائزتي تحمل الملايين ولكن بعد أن صار عمري خريفاً فماذا أفعل بها. ٭ بعد طول انتظار خلفت امرأة من أرض البطانة طفلة (حولاء) العيون فخشيت أن يؤدي ذلك إلى عدم اهتمام فرسان البطانة للارتباط بها كزوجة باعتبار أنها ناقصة الجمال، وبمجرد أن بلغ عمرها الخمس سنوات أخذتها أمها إلى الشاعر الكبير الحاردلو ورجته أن يمدح ابنتها بأبيات من الشعر وبمجرد أن علم أهل البطانة أن شاعرهم الكبير امتدح جمال هذه الطفلة أخذ كل واحد منهم يتمنى أن تكون له عروساً في يوم من الأيام. ٭ يعتبر العازف المعروف عبد الله عربي أحد عباقرة العزف على آلة الكمان، كما يعتبره معظم الفنانين السودانيين الأب الروحي لكل من احتضن كماناً.. والمعروف أن طريقة العزف التي يتعامل بها هذا المبدع مع كمانه تحمل من الرقة والشفافية ما يجعلك تحس بأنك تتمشى بين حدائق التاكا في يوم مشرق.. أكد لى أحد الموسيقين أن عبقريته في العزف يفترض أن تدرس في أعظم الكليات المتخصصة في علم الموسيقى.. الذي يؤلمني أننا تعودنا دائماً أن نتعامل مع العباقرة من أبناء شعبنا بتجاهل تام ثم نعود لنبكي عليهم عند لحظة السفر. ٭ هدية البستان ممكن يرحلوا النيلين ويمشوا يهاجروا مغتربين وممكن يجرح الياسمين والزيتون يجافي التين إلا الأصلو ما ممكن نعيش أنا وأنت مفترقين. اخر لحظة