وزير الداخلية المكلف يستعرض خلال المنبر الإعلامي التأسيسي لوزارة الداخلية إنجازات وخطط وزارة الداخلية خلال الفترة الماضية وفترة ما بعد الحرب    روسيا ترفض لتدخلات الأجنبية في السودان ومخططات تمزيقه    البرهان يودع سفيري السودان لمصر واثيوبيا "الفريق أول ركن مهندس عماد الدين عدوي والسفير الزين إبراهين حسين"    الزمالك يسحق دريمز في عقر داره ويصعد لنهائي الكونفيدرالية    سان جرمان بطلا للدوري الفرنسي.. وعينه على الثلاثية    أرسنال يحسم الديربي بثلاثية    إيران تحظر بث مسلسل "الحشاشين" المصري    طباخ لجنة التسيير جاب ضقلها بكركب!    شاهد بالفيديو.. سائق "حافلة" مواصلات سوداني في مصر يطرب مواطنيه الركاب بأحد شوارع القاهرة على أنغام أغنيات (الزنق والهجيج) السودانية ومتابعون: (كدة أوفر شديد والله)    وزير الصحة: الجيش الأبيض يخدم بشجاعة في كل ولايات السودان    شاهد بالصورة والفيديو.. طلاب كلية الطب بجامعة مأمون حميدة في تنزانيا يتخرجون على أنغام الإنشاد الترند (براؤون يا رسول الله)    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    شاهد بالصور.. بالفستان الأحمر.. الحسناء السودانية تسابيح دياب تخطف الأضواء على مواقع التواصل بإطلالة مثيرة ومتابعون: (هندية في شكل سودانية وصبجة السرور)    يس علي يس يكتب: روابط الهلال.. بيضو وإنتو ساكتين..!!    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الأحد    جبريل إبراهيم يقود وفد السودان إلى السعودية    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    تجارة المعاداة للسامية    رئيس حزب الأمة السوداني يعلق على خطوة موسى هلال    سرقة أمتعة عضو في «الكونجرس»    الانتفاضات الطلابية مجدداً    بايدن منتقداً ترامب في خطاب عشاء مراسلي البيت الأبيض: «غير ناضج»    استجابة للسودان مجلس الأمن يعقد اجتماعا خاصا يوم الاثنين لمناقشة العدوان الإماراتي    تدمير دبابة "ميركافا" الإسرائيلية بتدريب لجيش مصر.. رسالة أم تهديد؟    دبابيس ودالشريف    حسين خوجلي يكتب: البرهان والعودة إلى الخرطوم    بمشاركة طبنحة و التوزة...المريخ يستأنف تحضيراته    السودان..البرهان يصدر قراراً    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    قوة المرور السريع بقطاع دورديب بالتعاون مع أهالي المنطقة ترقع الحفرة بالطريق الرئيسي والتي تعتبر مهدداً للسلامة المرورية    لماذا لم تعلق بكين على حظر تيك توك؟    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    سوق العبيد الرقمية!    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



آن أوان الضربة القاضية
نشر في الراكوبة يوم 04 - 09 - 2016

إن حالة التردى المزرية التى وصل إليها السودان اليوم لا تحتاج لمن يقيم عليها دليلاً أو يبحث لها عن شواهد، فهى تطل من كل شئ، وتكمن فى كل شئ. فى الشوارع والأزقة، فى الحوارى والأسواق، فى البيوت والمستشفيات والمدارس وحتى الجامعات. بؤس وتعاسة، وفساد ناضح، ينداح فى كل الساحات والأمكنة، ويعلن عن نفسه فى تبجحٍ سافر أمام الغاشى والماشى، يصدم الأعين والأفئدة حتى وإن تغاضت عنه. ترتسم ملامحه فى هزال أطفال المدارس وهم يلهثون خلف علمٍ لا ينفع، وتنطق به أثمال أطفال الشوارع وهم يتضورون جوعاً بلا معيل أو معين أو مغيث أو مأوى. وتنضح به عيون الأمهات المطفأة والمرتعبة خوفاً وألماً من يومٍ قادم يحمل نُزر الجوع والتشرد لفلذات أكبادها. وتتداعى تحت وطأته أكتاف الآباء المهدودة، وهم يكدون فى بحث ممض عما يقيم أود الصغار، ولا يجدون غير فتاتٍ لا يسمن ولا يغنى من جوع. فأبواب الرزق قد سُدت، وطرقه أغلقت إلاّ من إتجاهٍ واحد يسير نحو قصور مستجدى النعمة من الطغمة المتخمة.
إن هم الرزق قد هدّ الحيل، وتضاءلت أمامه قامات الرجال، وإنحنت هامات كانت باذخة تحت ذل الفقر، ومهانة المسكنة. وتمرمغت كرامة الإنسان السودانى فى الوحل، بعد أن كان عزيز النفس، موفور الثناء. أطاحت به وحطت من قدره دناءات هذه الحثالة المأفونة.
فلتعود الأمور إلى نصابها
لقد تعالت الأصوات التى تنادى بضرورة إزاحة هذه الطغمة الغاشمة. وقد جادت الأقلام بالكثير من الرؤى والأطروحات المستبصرة التى تحدد الهدف والوسيلة والأدوات التى يمكن أن ندير بها معركة خلاصنا من هذه الشرزمة الموصومة بالإثم والبوار.
كل الآراء تدعو للإعداد والإستعداد للخروج على الوضع المائل والحال المتردى، والفساد المستشرى، الذى صار يرتع فى الأسواق على رؤوس الأشهاد دون حياءٍ أو وجل، أو مواربة تخفى بعضاً من سحنته الشائهة. والحكومة سادرة فى غيها إستهتاراً بقيمة الإنسان السودانى وقيمه. وتعوى وسائل إعلامها، ويتبجح منسوبيها بصلف ممجوج أنهم باقون حتى نزول المسيح، وكأنهم يستخفون بالشعب، أو يرون أن النخوة فيه قد ماتت، وأن مخزون طاقته قد نفد، وما عاد يمتلك القوة أو القدرة أو الإرادة على إزاحتهم، فإستسهلوا العبث بمقدراته، وإستباحوا حرماته، بغرائز منفلتة ونفوس مريضة ورغبات دنيئة، عاثوا فى البلد فساداً، وجيروه لصالحهم، إستحوازاً على أراضيه وتكويشاً على مصادر رزق أهله، تمكيناً لبطانتهم وخُدام جماعتهم، فأثروا ثراءً فاحشاً دون أن يتدثروا بخرقةٍ من حياء، تطاولوا فى البنيان، وتكالبوا على الفاراهات من السيارات، وإكتنزوا الأموال التى أحالوها لإستثماراتٍ فى الخارج، ولم ينسوا غرائزهم فتعددوا فى الزيجات. ثم بعد ذلك نثروا ما تبقى على أصحاب الذمم الخربة الرخيصة، ممن تحلق حولهم من المتهافتين على موائد السلطان الجائر. حتى أصبح لهم جيش جرار من المتبطلين عاطلى المواهب، الذين يحتلون مواقع دستورية ويعيشون كالكائنات الطفيلية التى تمتص دم الشعب المنهوب المنهك. ومن أجل حماية هذه الطفيليات شكلت جيوش من الأمنجية والجنجويد تسهر على تأمين هذه العوالق فى مواقعها من جسد الأمة، ولكى تؤدى دورها بإقتدار أسبغت عليها الحصانات مثل أسيادهم فى المواقع العليا، حتى لا يقف القانون فى وجههم وهم يقمعون أى صوت يعرى أو يفضح هذا الفجور فى خم حقوق الناس بالباطل نهباً وسلباً لكل ما تطاله أيديهم القذرة دون واعز أو رادع أو خجل، ودون إكتراث لما قد تؤول إليه حال البلد. بنهمٍ مسعور إفترسوا كل موارد الدولة ومشاريعها ومؤسساتها، أطاحوا بها وأحالوها لخراب ينعق فيه البوم، بعد أن أستولوا عليها وأحالوها لملكهم الخاص ثم تخلصوا منها وحولوها لأموالٍ سائلة، يسهل تهريبها للخارج. فأصاب الشلل حركة الإنتاج، وأصبح الشعب فى دوامة تتقاذفه من الجوع إلى المسغبة.
فلنخرج اليوم من أجل إيقاف هذا العبث المفضى للهلاك
علينا أن نتحرك اليوم، ونتخذ الخطوة العملية الأولى بأن نحدد تاريخ نزولنا للشارع. أن نحدده اليوم قبل الغد، فالبلد يسير بسرعةٍ جنونية نحو كارثة لن تبق ولن تزر، فإن لم نتداركه اليوم فلن نجده غداً، وإن وجدناه فسيكون فى حالة متهالكة من الهزال إن لم يكن من التفتيت والتشظئ، وضعٌ يتجاوز ما هو عليه اليوم من تردى. سوف يتحول إلى عظامٍ جافة وأشلاء متناثرة يصعب لملمتها وبث الروح فيها من جديد، ونصبح شعباً بلا قيمة ولا قدرات.
لنخطو الخطوة الأولى ونعلن موعداً لكنس هذا الغثاء
هناك الكثير من الآراء والمقترحات التى تدعو للإنتفاض، وتحدد ملامح خط السير، والمؤشرات الدالة التى يجب إتباعها وفقاً لما هو متاح من أدوات ووسائل، وما نمتلك من خبرات وتجارب تمكننا من إزاحة هذا النظام الذى جثم على صدورنا، وكتم أنفاسنا، وسرق خيرات بلادنا لما يقارب الثلاث عقود، رغم ما للشعب السودانى من القدرات المستفيضة والرؤى الجزلة فى منازلة الطغاة. وهو شعب غير مسبوق فى ذلك، فعندما عرفت شعوب المنطقة معنى الثورة كنا قد أنجزنا منها إثنتان، لا زالت وقائع كل منهما بتفاصيلها، صغيرها وكبيرها ماثلة فى الأذهان. فلنستلهم ذكرى أكتوبر إبريل لصياغة الرؤى، وشحذ الهمم، وتوحيد الصفوف، ثم نشرع فى العمل. وعلينا أن نشرع فوراً، لأن تسرب الزمن قد يفقدنا وطناً ويعز علينا، ونستلهم عزتنا منه.
فلنبدأ الآن الإستعداد للحشد
من المهم أن نبدأ الآن، وإن كانت هناك حوجة للمزيد من تبادل الآراء والتنظير، فلا بأس، ولكن فليكن ذلك ضمن عملية مستمرة تبدأ اليوم بتحديد موعد للإحتشاد والتحرك، وتتفاعل بعد ذلك إلى أن تتلاحق كتوفنا فى الشوارع والميادين ونحن نزحف نحو اللحظة الحاسمة. ولكى نحدد وجهتنا نحو ذلك، لدينا أدوات كافية لتبادل الآراء من خلال مختلف وسائل الإتصال. فلنخطط ونتحاور عبرها وفى الهواء الطلق دون خوف أو وجل، إذ أن الزمن الذى كان فيه المعارضون للإنظمة يتحرون السرية ويعملون من خلف حُجب، داخل الغرف المغلقة، ويوصلون صوتهم للناس عبر المنشورات التى توزع خلسةً، أو فى ظلمة الليل البهيم، لن يعد ذلك الزمان ولم تعد تلك الأساليب تصلح لعالم اليوم. لقد تطور الحال، وأصبح كل شئ يجرى فى النور، أمام الجميع وعبر الوسائط. فلنعتمد هذا الأسلوب، ولتكن هذه أدواتنا نفكر من خلالها معاً، ونسجل فيها آراءنا حتى نتوافق على المسارات والآليات والأهداف.
فلنبدأ ذلك الآن
علينا أن نحدد نقطة البداية، اليوم الذى سيشهد ميلاد خروجنا للشارع عبر وسائل التواصل الإجتماعى المتاحة (الفيس بوك) (تويتر) و(الواتساب) وغيرها مما يوفره (الإنترنت)، فتكون تلك طلقة البداية، ثم نواصل تداول الآراء حول أنجع السبل التى تصل بالمشهد إلى ذروته حتى إزاحة هذا الكابوس. كل ذلك فى نقاش مفتوح وعلى المكشوف أمام السلطة وزبانيتها، نخطط فى النور ونتركهم يخططون فى الظلام، ونحن أكثر يقيناً بأنهم يرتعبون فزعاً وهم يروننا نخطط لإزالتهم، خاصة وأن المناداة عبر هذه الوسائط الحديثة أثبتت نجاعتها وجدواها فى تهيئة الأجواء ورص الصفوف للإطاحة بالأنظمة الفاسدة. وهذا سوف يدفعهم لتدبر أمورهم بالكثير من الخسة والدهاء، وسوف تنشط أجهزتهم فى التدخل لمحاولة تعطيل المسيرة وكبح جماحها أو حرف مسارها. وسوف تجأر وسائل إعلامهم بالتهديد والوعيد، وتعمل على بث سموم التثبيط والخذلان، وسوف تُستنفر الكتائب المتخصصة فى صنع الإشاعات وترويجها. ولن يدخروا جهداً أو وسيلة فى محاولة إجهاض تحركات الشارع، ولكن سوف يبؤ مسعاهم بالفشل إذا ما واجهنا تهديدهم ووعيدهم بالتحدى والجسارة الصمود وتلاحم الصفوف، وقابلنا الإشاعات بجرعات وعى زائد يحيلها إلى هراء، وكشفنا تكتيكاتهم ومناوراتهم فى حينها وعلى نفس المنابر وبنفس الوسائل، أمام الجميع. فالوضوح والشفافية يعزز خطانا ويثبتها فى طريق النصر ويدفع بخفافيش الظلام نحو الهزيمة.
فلنبدأ الآن بالإستعداد للحشد
وليكن إعدادنا لعصيانٍ مدنى من بعض أهدافنا، فهو من الأسلحة المجربة فى إسقاط أنظمة الطاغوت، وإذا حدث ذلك فسيكون دعامة كبرى لمسيرة الخلاص، وإذا حدث حتى ولو جزئياً فسيكون له أثر كبير، ولكن ذلك لا يغنى عن النزول للشارع وبكثافة، ليكون التظاهر هو العمود الفقرى للإطاحة بالنظام. فكلنا يعلم أن هذه الحكومة قد عاثت فساداً وتخريباً فى جميع النقابات والتكتلات المهنية، وعبأتها بعضويتها أو بالمتزلفين إليها، ووضعت على رأس كلٍ منها قيادة فاسدة من نفس طينتها، لذا فإن التعويل عليها قد لا يكون ناجزاً بنفس فعالية وجود الجماهير فى الشارع، فلنعتمد على هؤلاء دون أن نفقد الأمل فى الكيانات المهنية كوحدات منظمة قادرة على التحرك الجماعى فى أن تنحاز للشارع بوضوح، وتعلن موقفها الحاسم من الحكومة وتدخل فى إضراباتٍ مباشرة. وحتى إن لم تفعل ذلك فلابد أن العدد الكبير من المنتمين لهذه النقابات سيكون ضمن جموع المتظاهرة. فلنتوجه بالخطاب للجميع على أن نركز على الأسوق والكتل المسحوقة والمهمشين من عاملين وباعة وفريشة من إبناء تلك المهن التى يتأفف مستجدى النعمة من الخوض فى غمارها، فهى بالكاد توفر ما يقيم الأود، ولا تسمو إلى مدارج أطماع أولئك المتنفذين إلاّ بالمقدار الذى يتيح لهم إمتصاص عروقها المتيبسة بالرسوم والجبايات الأتاوات المتعددة، أو إستغلالها من خلال حجب وسائل العمل ومعيناته عن أصحابها ثم إجبارهم على تأجيرها من طفيلية السوق التى تعيش على عرق هؤلاء البسطاء. فيملك أحد المتبطلين ألفاً من الدكاكين أو الأكشاش أو الترابيز (الإسم لا يهم) وذلك فى سوقٍ واحد لتصبح نقّاطة دائمة تدر عليه الربح السهل من عرق الكادحين. أو تأجير الدرداقات لصغارٍ فى عمر المدارس أضطرتهم ظروف شظف العيش لأن يخوض غمار الحياة فى سنٍ كانت أجدر بمتابعة الدرس ثم اللعب والهو مع الأقران، فوجدوا أنفسهم يتحملون وهم أيفاع مسئولية أسر كاملة ومع ذلك لا يجد عواطلية النظام غضاضة أو حرجاً فى أن يتقاسموا معهم ثمن كدهم وجهدهم على ضآلته من خلال حرمانهم من تملك وسيلة عملهم زهيدة الثمن، ثم يؤجّرونها لهم باليوم، لتدر عليهم ربما فى شهرٍ واحد أكثر من سعرها. ويتشدقون فى وسائل الإعلام أنهم مهمومون بقضايا الناس ومهتمون بحل مشاكلهم ويسعون لتوفير فرص عملٍ لهم من خلال التمويل الأصغر، وهل هناك تمويل أصغر من درداقة.
والنساء المعدمات اللواتى يتسللن فى حلكة الظلام ويتركن أطفالهن دون شاى الصباح أو حق الفطور، ويتصيدن أرزاقهن على أطراف الشوارع ببيع الشاى أو بعض الأطعمة علها توفر لهن ثمن (سخينة) لعشاء الأطفال، ومع ذلك لا يجدن رأفة أو رحمة. بل لا يجدن مهرباً من أن يشاركهن تتار المشروع الحضارى فى رزقهن الضئيل، فيؤجّرون لهن ضل الشجرة والبنبر الذى يجلس عليه الزبون. حتى أصبح كسب كل مواطن لابد له أن يصب فى جيب أحد الكيزان أولاً.
هؤلاء المسحوقين الذين يزدادون سحقاً ودهساً كل يوم، بعد أن سُدت أمامهم الآفاق، فخرجوا يبحثون عن لقمة شريفة يكسبونها بعرقهم تحفظ لهم كرامتهم وكرامة أسرهم دون تسول أو مذلة، لكن الحكومة لا يهنأ لها بال إن هى تركتهم فى حالهم، فإبتدعت الكثير من الأدوات التى تنقص عليهم عيشتهم، فهى لا توفر وسيلة للعكننة عليهم وتضييق منافذ رزقهم من أجل أن تعتصرهم حتى آخر قطرة، وتحقق ذلك عن طريق إذلالهم وهدر كرامتهم كبشر، فتقوم بشن الحملات عليهم، تداهمهم بالكشات التى تطاردهم فى الشوارع كالكلاب الضالة، وإن وجدت بضاعتهم أو أدوات عملهم فهى غنائم لبيت مال المسلمين، وإن قبض على أحدهم فهو أسير إلى أن يأتى من يحرره بدفع الغرامة. حالة من البؤس جعلت الناس يترحمون على أيام التركية السابقة. وضع أصبح فيه المواطن لاجئاً دون أن يدرك، والحكومة محتلة دون أن تعى. هؤلاء المسحوقين يجب أن يفرد لهم الخطاب، والتحدث إليهم وطرح قضاياهم ومشاكلهم وهمومهم بصورة مباشرة، وسوف يشكلون عصب الشارع الثائر.
علينا أن نعلن الآن أن الثورة إنطلقت
فلنتحرك الآن، ونترك وراء ظهورنا دعاوى التخذيل المثبّطة التى تقول أن الشعب محبط لأن الأحزاب لم تقدم له البرامج المقنعة التى تؤهلها لأن تكون بديلاً للنظام. فحقيقة مثل هذا القول يخدم النظام بقدر أكبر مما تخدمه وسائل إعلامه وأدوات قمعه، وتجعل الناس فى حالة إنتظار دائم لبرنامج يحظى بمباركة الجميع، وهذا مستحيل، بل هو وهم. علينا أن نتساءل هل تملك العصابة الحاكمة اليوم برامج ورؤى سياسية حتى نواجهها ببرامج وأطروحات بديلة. هذه الحكومة لا تتوفر إلّا على التخبط المعطوب والتجريب الجهول والسرقة المفضوحة.
ليس علينا أن نركز الآن على البرنامج السياسى الذى يجب أن يلتف الناس حوله بهدف إسقاط الحكومة. فهذه دعوة للتقاعس فى إنتظار المجهول، دعوة لإبقاء الحال على حاله، حتى تتمكن عبقرية الأحزاب من مد الناس بمخطط للتغيير وآلاته ومآلاته، وهى ذات نفسها لا تملك مثل هذا الترف، مما يجعل إدعاء من هذا القبيل إهدار ومضيعة للوقت، والبلد يغرق. وفى نفس الوقت يقدم للنظام خدمة مجانية تمد من عمره إلى أفق غير منظور، ويجعل الناس فى حالة إنتظار مفتوح لوهم لن يتحقق. فلو قال الفرنسيون علينا أن نتوافق على العقد الإجتماعى ثم بعد ذلك نقوم بالثورة، لما قامت الثورة الفرنسية حتى اليوم.
ولو قال التونسيون نحتاج لبرنامج سياسى لكى نخلع زين العابدين بن على، لظل بن على فى السلطة حتى اليوم، وراح محمد البوعزيزى فطيس مثل فطائس الإنقاذ. وأمامكم كل ثورات الشعوب من (إسبارتاكوس) وحتى الثورة (البرتقالية)، هل هناك من تعلق بمثل هذا السراب الواهم. فالفعل الثورى يجب أن يكون سباقاً، وأن يمهد الطريق لبداية التغيير الذى يفتح الآفاق أمام النشاط السياسى الحر الذى يتيح المجال لطرح الآراء وتلاقح الأفكار من أجل صياغة وإعادة صياغة البرامج والخطط التى تحدد مسار الثورة والدولة.
إن القول الفطير الذى يردده البعض بأن الأحزاب قد أحبطت الشعب لأنها لم تقدم له الوصفة الناجعة لخلاصه من الدكتاتورية، هو قول ممجوج لا يخرج إلاّ من أفواه أو أبواق السلطة، ومن هم للسطة أقرب، وذلك من أجل تغبيش الوعى، وإشاعة جو من الخمول والفتور والركود بل والضمور فى الفعل الجماهيرى الإيجابى، مما يمد فى عمرهم ويتيح لهم مزيد من الوقت للهبر والتكويش بإرتياح على أكبر قدر من ثروات البلاد والعباد وإرسالها إلى البنوك والمؤسسات الإستثمارية فى الخارج، هذا ما يسعون إليه من هذه الدعاية الجوفاء. فالشعب السودانى عندما خرج فى أكتوبر، ما كان مستهدياً ببرنامج سواءً كان لحزبٍ أو لتكتلٍ سياسى، إنما كانت دوافعه الرفض لسلطة الحزب الواحد والرجل الواحد، تحركه أشواق عامة نحو الحرية والإنعتاق، وأن تعود الدولة للشعب، وأن يكون الحكم بيده ومن أجله، تحقيقاً لمصالحه لا مصالح زمرة متسلطة ومتعطشة للدماء والدمار ونهب خيرات البلد.
وكذلك فى إبريل لم يكن الشعب مستلهماً أو مستوحياً هبته من برامج قابلة للتطبيق الفورى، وإنما كانت تدفعه رغبة فى التغيير، وإصلاح الوضع المائل، وقلب المعادلة لتصبح السياسة والساسة فى خدمة الناس، لا الناس فى خدمة الساسة. خاصة بعد أن أستخدمت قوانين سبتمبر من أجل قهر الشعب وإسترقاقه، فأصبحت سوطاً مسلطاً على ظهور الناس، فجُلدت حتى النساء فى بلدٍ تأبى قيمه هذا الفعل الشنيع. وسيفاً مسلط على الرقاب فطارت رؤوس وأيدى وأرجل من خلاف، وشنق محمود محمد طه، فجاءت إبريل الخلاص. واليوم ينادون بالعودة لنفس القوانين وتنشيط جمعيات الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر. فما أشبه الليلة بالبارحة، بل هى أسوأ بكثير وكثيرٌ جداً.
فلنخرج اليوم قبل الغد
ننزل للشوارع، ممسكين بإرثنا النضالى، دون الأستغراق فى تفاصيل ممعنة فى التفاصيل. مثلما يريد أصحاب البرامج، وإنما نسترشد بمبادئ عامة من أجل تحقيق أهدافٍ واضحة ومحددة، تنفذ إلى لب المسألة، أما الحواشى فتأتى لاحقاً، ولا داعى لحرق المراحل وصولاً لنتائج متعجلة مبتثرة. وأول هذه المبادئ هو أسقاط النظام لتأتى حكومة ليست مهلهلة ولا مترهلة، وذلك بالإستفادة من تجارب أكتوبر وأبريل والإتفاقات التى تمت لإدارة الفترات الإنتقالية مع الوضع فى الإعتبار الظروف التى صاحبت كل حالة من حيث طبيعة الوضع السياسى والإقتصادى والعسكرى والدولى وإنعكاساته على الجوانب التنفيذية، وما نجم عنه من صراعات رمت بظلالها السالبة على الوضع العام. مما تسبب فى حدوث بعض الشروخ والتشوهات. ولكن مهما كان حجم الأخطاء التى شابت تلك التجارب فهى لن تصل إلى مثقال ذرةٍ من أخطاء وويلات الإنقاذ. لذلك رغم أقرارنا بها، إلّا أننا لن نسمح لها أن تصبح حجةً تقعدنا أو تكبلنا أو تدفعنا للإستسلام، فالأخطاء من طبيعة الأشياء، وهى مهما كان حجمها فى المرات السابقة إلّأ أنها لم تترك الدولة فى فراغ. وهذه المرة أيضاً قد تأتى ومعها بعض الشوائب، ولكن فى كل الأحوال لن يكون هناك فراغ، ستشكل حكومة بها بعض الهنات ولكنها ومهما كانت سيئة وبها كل عبر الدنيا إلّا أنها لن تكون أسوأ من حكومتنا الحالية. فهى على الأقل ستكون حكومة محددة التكوين والمهام غير مترهلة من حيث العدد، وغير فاسدة من حيث التكوين لأنها ليست حكومة إنقلابية جاءت بقوة السلاح، إنما سلطة تتعدد فيها المشارب السياسية وخاضعة لرقابة الشعب مع عامل قصر الفترة الزمنية. كل ذلك سيجنبها ويجنبنا الموبقات التى رتعت فيها الإنقاذ.
إذا كان المبدأ الأول هو أسقاط هذه الحكومة. فالمبدأ الثانى هو أن تتشكل سلطة تنفيذية من قوى المجتمع الحية تتصدى للمعالجات السياسية والإقتصادية والإجتماعية والأمنية لفترة إنقالية، تشرف فى نهايتها على الإنتخابات العامة.
وسلطة تشريعية يتفق عليها. على أن تتمتع بالإستقلال التام، وتقوم بمراقبة ومتابعة السلطة التنفيذية على نحو دقيق وصارم وشفاف.
ثم إصلاح أضرار التبعية التى لحقت بالسلطة القضائية لتصبح سلطة مستقلة نزيهة لا تقبل الإملاءات من أى جهة كانت، وليس للسلطة التنفيذية حق التدخل فى تحديد هيكلها، أو تعيين إداراتها، أو التأثير فى شغل وظائفها. يترك لها شأن تحقيق العدالة وتطبيق القانون على الجميع بما فيهم السلطة التنفيذية والتشريعية.
ثم يأتى دور الإعلام الحر الذى يتمتع بكامل الحق فى مراقبة الحكومة ونقدها وتقويمها، وطرح كل ما يدور فى أروقتها على الرأى العام، حتى يصبح إعلاماً تخشاه الحكومة ولا يخشاها.
إذا ما قامت الحكومة على هذه الركائز الأربع، المستقلة تماماً عن بعضها البعض، يمكننا أن نضمن إدارة سياسية شفافة إلى حدٍ كبير يصعب أن يتسلل إليها الفساد.
ولدعم تكوين هذه الحكومة يجب أرجاع جميع المفصولين فى مجزرة الصالح العام الذين لا زالوا فى سن الخدمة مع التركير على عناصر القضاء والقوات المسلحة والشرطة، مع حل بعض أجهزة الأمن وبالذات تلك التى بنيت عقيدتها على حماية النظام وليس المجتمع.
ثم توكل مهمة إرجاع وإسترداد الحقوق السليبة والمنهوبة للقضاء تحقيقاً للعدالة وفقاً للقانون الذى يحاسب كل من أجرم فى حق هذا الشعب سواءً بسرقة الأموال، أو التعدى على حق الإنسان فى حياة كريمة، وذلك بمصادرة أملاكه، أو إعتقاله دون وجه حق، أو بالتعذيب مهما كانت درجته ونوعه، ثم جرائم القتل المتعددة. ويبدأ بأول الجرائم التى أرتكبت فى عهد الإنقاذ عندما أقتيد إلى المشانق مجدى محجوب واركانجلو أقاداو وجرجس بطرس بتهمة حيازتهم لعملات أجنبية. مروراً بضباط رمضان ثم الدكتور على فضل وأبوبكر راسخ وغيرهم كثير. إلى أن تنتهى بمحاكمة قطبى المهدى وصابر محمد الحسن، ليس بتهمة حيازتهم لنفس العملات الأجنبية وأكثر، ولكن بتهمة الحيازة غير الشرعية، أو السرقة أو الإحتيال أو إستغلال المنصب. وأترك مسألة تكيف هذا النهب للقانونيين.
قد تكون هذه ببساطة الأهداف العامة، التى تتمثل فى إسقاط النظام، وتشكيل حكومة، مع أرجاع الحقوق. وربما تُبرز الإجراءات العملية أثناء التنفيذ بعض الظلال والإنعكاسات، وعندها يكون لكل حادث حديث. المهم الآن أن نقتلع البلاد من براثن الفوضى والفساد ونضعها على مرافئ الحرية والديمقراطية، وبعدها كل شئ يهون.
علينا أن نتحرك الآن
لنبدأ بتحديد تاريخ ضربة البداية، أى اليوم الذى نشعل فيه الشرارة الأولى فى كافة الأنحاء، اليوم الذى نتقاطر فيه للشوارع فى جميع أرجاء السودان. على أن يكون ذلك فى بحر هذه الشهور الأربع المتبقية من السنة، والتى يتميز كل منها بحدث خاص. فلثلاثٍ منها بصمة فى تاريخ السودان، وهى سبتمبر وأكتوبر وديسمبر. أما الذى له وصمة فهو نوفمبر الذى حدث فيه إنقلاب عبود. سبتمبر شهد إنتفاضة 2013 وأكتوبر شهد الثورة الأولى على أول نظام عسكرى، وديسمبر حدث فيه إعلان الإستقلال من داخل البرلمان.
فلنبدأ منذ الآن بتحديد يوم لخروجنا فى أىٍ من هذه الأشهر. يوم نراه مناسباً وسط زخم الأحداث الجارية فى هذه الأيام من مفاوضات تدور هنا وهناك تحت ضغوط أجنبية تسعى لترقيع النظام، وهى أمور يجب أن ندفع بها خارج أطار إهتماماتنا إن كنا نؤمن فعلاً بضرورة إزالة النظام برمته. وإذا كانت هذه هى القناعة علينا أن نهب سريعاً لإيقاف عجلة الإنهيار الوشيك، فحال البلد ما عاد من الممكن أصلاحه فى ظل هذا النظام. لذا فلنحدد يومنا ثم نبدأ فى الحشد والتعبئة من خلال النزول للشوارع، ومخاطبة الناس فى الأسواق والأحياء والميادين، وعبر كل الوسائل المتاحة. نعلن للجميع أن ساعة الصفر قد أزفت وقد تحدد ميقاتها، والإستعداد قد بدأ لإنطلاق الملحمة. وهذا العبء يجب أن يطّلع به الجميع من عناصر حزبية وغير متحزبة، على أن تتركز المخاطبة على الشأن العام، وأمور الناس الحياتية، وتفاقم التدهور نتيجة لنهب وإختلاس المال العام مما أفقد البلاد مشاريعها ومؤسساتها الكبرى وأوقف عجلة الإنتاج فتدهورت قيمة العملة وزادت الأسعار. كما ضاعف من معاناة الناس أن هذه السياسات الخرقاء قد دفعت بالكثير من الشباب خارج دائرة العمل، لتضاف أفواجهم إلى الأفواج التى طالتها يد الصالح العام ومؤامرات التمكين.
على الأحزاب ألّا تتحدث بصوتها، وألّا تميل إلى طرح برامجها الخاصة، لأن أوان ذلك لم يحن بعد، فوقته يأتى بعد إزالة هذا النظام، وعندها يكون لديها متسع من الوقت لطرح رؤاها، ومحاولة إكتساب المزيد من التأييد الشعبى لبرامجها. أما فى هذه المرحلة، مرحلة كنس وسخ هذا النظام. علينا البعد عن الترويج الحزبى، لأنه يفرق ولا يجمع، ويدعو للتنافر وفرتقة الصفوف.
لنتهيأ للإنتفاضة القادمة
فلنبدأ بتحديد يوم إنطلاقة الشرارة الأولى، ودعوة الجميع للخروج الكثيف، فى لحظة واحدة فى مختلف مناطق وأحياء العاصمة والأقاليم، وأن تكون هبة واحدة مستمرة، لا تهدأ ولا تتراجع أو تنحسر، بل تتنامى كل يوم حتى يكتسح طوفانها الهادر كل قلاع الظلم والظلام. لتستمر حتى وإن تطاولت بها الأيام، وكثرت التضحيات، لأن لإجتثاث هذا النظام المتعفن ثمن لابد من دفعه، ولهذا الوطن ضريبة لابد من تسديدها، حتى يعود هذا البلد لأهله، وحتى نوفر للأجيال القادمة وطن يعتزون به وبالإنتماء إليه، وليس وطن يحلمون بالفرار منه، نتيجة لممارسات حكامه، التى جعلته طارداً يلفظ بنيه للمجهول، حتى إستهانوا بأرواحهم فى سبيل الخروج منه، وإستخفوا بالموت سواءً كان فى غياهب البحر المتوسط، أو فى صحراء سينا بطلقة مصرية رخيصة تتلقاها صدورهم وأنظارهم صوب إسرائيل، لعنة ألله على حكومة دفعت ببنيها إلى أحضان إسرائيل. فإن صار واقع حالنا هكذا، فلنمت لأجله لا لأجل الهروب منه. حتى يعود السودان كما كان فى الماضى وطن نفخر بالإنتاء إليه، ونغنى له.
فلنبدأ الآن
لقد أصبح الخروج للشارع فرض عين على كل قادرٍ من رجلٍ وإمرأة، وبالذات النساء فلهن دور خاص لأن معاناتهن كانت زائدة، فقد عايشن الظلم أضعافاً مضاعفة فى جوع الأطفال ومرضهم، وتسربهم من مقاعد الدراسة، ثم تسربهم من بين أيديهن وأحضانهن تشرداً وفاقة. فلتخرج عزة السودان من أجل عزته وعزة بنيها، ولتحمى براءة الصغار ومضارب لهوهم فى الطفولة والصبى، دون أن يغدر بهم زمن الإنقاذ الأغبر، فيهيموا على وجوههم فى الشوارع دون رجاءٍ أو أمل. من أجل حماية حق الأطفال فى حياة كريمة ليكن صوت الأمهات أعلى لأن معاناتهن كانت أكبر. وليتحد صوتنا جميعاً رجالاً ونساء ولتكن صرخة مدوية من حناجر كل الشعب السودانى تزلزل أركان الظلم والضيم وتعلن ميلاد صباح جديد.
فلتنطلق المسيرات الهادرة
لنخرج جميعاً فى مواجهة الطغاة حتى نسد أمامهم الآفاق ونغلق فى وجوههم الفجوات ومنافذ الخروج، ونحاصرهم فى جحورهم حيث لا مغيث. فقد هربوا أموال الشعب للخارج، وكدسوا الكثير من العملات فى دواليب بيوتهم وأدراج مكاتبهم، تحسباً لليوم الموعود، علهم يحظون بهروبٍ آمن، وفرارٍ ميسور، محملين بثروة ترطب عليهم هجير التيه فى غربتهم. هذا بعض ما أدرجوه ضمن حساباتهم إذا ما حانت اللحظة الفارقة، وهى اللحظة التى يتهيبونها مثل الموت وأكثر وتؤرق مضاجعهم فيقضون لياليهم يتحسبون ليوم الخلع الإنتقام، هذا الخوف والرعب الذى يعيشونه لهو دليل على إدراكهم لمدى ضعفهم وعجزهم عن صد هذا الشعب إذا ما هبّ فى وجوههم. ونفس هذا الخوف والجبن الساكن فى قلوبهم سوف يدفعهم لحشد البغاة من كل حدب ويزودونهم بكل أنواع أسلحة القمع الممكنة ليتصدوا للمحتجين بكل السبل فى مواجهات مباشرة وغير مباشرة تتمثل فى إطلاق النار الحى لقمع بعض الحشود هنا وهناك. ولكنهم سوف يميلون أكثر إلى أساليب الخسة والنزالة التى جربوها فى سبتمبر، وهى إعتماد أساليب إشعال الحرائق والتخريب وترويع المواطنين من أجل وأد الثورة. لأن أسلوب المواجهة الصريح، والإيغال فى القتل أصبحت له فواتير باهظة، ولهم فى شهداء سبتمبر عظة وعبرة حيث أن قضيتهم لا زالت تتفاعل فى أروقة ومنتديات حقوق الإنسان الدولية، ومن قبلهم مواطنى دارفور التى قادت زعيمهم الأرعن إلى المحكمة الجنائية ومن بعدهم أطفال هيبان، لذلك وخوفاً من المجتمع الدولى، لا خوفاً على الإنسان السودانى سوف يتجنوبون بدرجة أكبر إراقة الكثير من الدماء، وبدلاً عن ذلك سوف يلجأون إلى أدواتهم الأخرى ومن أهمها التخريب بالحرق وتدمير المنشأت، وإشاعة الفوضى، وإثارة الذعر بين المواطنين ثم النفخ فى أبواق إعلامها بأن المتظاهرين والمندسين قد دمروا وحطموا ممتلكات الشعب، وغيرها من الإدعاءات التى أطلقوها فى سبتمبر، وهى محاولة بائسة ولكنها فعّالة فى تشويه الحركات الإحتجاجية ورسم صورة سالبة للمتظاهرين حتى ينفض الناس من حولهم ، بل أن يحتج الناس عليهم بدلاً من أن يحتجوا معهم. لذلك يجب أن تكون هناك مجموعة من الشباب فى كل مسيرة تقف على أهبة الإستعداد لكى تتصدى للعمليات المشبوهة من أى جهة كانت، والقبض على كل من يسعى لتخريب الممتلكات حتى وأن كانت ممتلكات المؤتمر الوطنى، وذلك لسد الزرائع. لذا من الضرورى عزل مثل هذه العناصر والقبض عليهم إذا أمكن وتسليمهم للشرطة، وإذا تعزر ذلك فليتم تصويرهم وتحديد هوياتهم ما أمكن، ووضعها على شبكات الإنترنت، حتى يتم التعرف على حقيقة الذين يقومون بالتخريب، وليكن الكشف عنهم هو الرد على أى إدعاءات زائفة يطلقها النظام.
فلنبدأ مشوار الخلاص الآن
لكى ينزاح هذا الكابوس لابد من تضافر كل الجهود وتشابك أيدى وسواعد جميع المعارضين والرافضين لفسدة الإنقاذ، وأن يتضامنوا، ويشحذوا الهمم، ويرصوا الصفوف دون إستثناء أحد، حتى من المتساقطين عن زمرة الجبهة وغيرهم. والإستعانة بالأحرار من أفراد القوات النظامية جيش وشرطة ومناداتهم لتحديد مواقفهم من قضايا السودان الماثلة، فعليهم ضباطاً وأفراداً أن يختاروا مواقعهم، أما الوقوف مع الشعب ومناصرته والدفاع عنه إذا ما تيسر ذلك، أو الوقوف مع النظام وحثالته.
أما بالنسبة للذين فى نفوسهم شئ من حتى، فنقول لهم مثلما قالت الحكومة فى مسرحية إسترضاء دول الغرب المسماة حواراً "أن قطار الحوار لن ينتظر الممانعين" أما حوار الشارع الحقيقى بيقول "أن قطار الثورة لن ينتظر المترددين" وكلمة مترددين هذه يجب أن تخترق آذان الأحزاب، لأن تردد بعضها فى الماضى ساهم فى إضعاف حركة الجماهير فى سبتمبر، ولكن هذه المرة لن تجد من يصغى لها ولن تفت فى عضد الشارع، فكل من يتردد أو يتلجلج سوف يتم تجاوزه. لقد نفد الصبر الذى تمددت حباله طويلاً حتى دابت. ثلاث عقود فقد فيها السودان ثلث مساحته وشعبه، وما عاد أرض المليون ميل مربع، ومازالت أطرافه تتململ، يتهددها التآكل فقد إقطعت بعض دول الجوار أجزاء من أطرافه رجالة وحمرة عين، دون أن يتحرك أحد، والحكومة عاملة ما سامعة. لذا فقد آن أوان الضربة القاضية التى تطيح بهذه الطغمة المرتعدة الخنوع، ثم نبدأ فى لملمت شعث ما تبقى لنا من وطن.
فلنبدأ الآن
ليبدأ أحرار الداخل فى زلزلة الشوارع، وليساندهم من هم بالخارج وأن يكونوا على أهبة الإستعداد للإحتشاد أمام السفارات والمنظمات الدولية، لعكس معاناة أهلهم بالداخل، وإيصال صوتهم المطالب بالحرية، ونشر ما ينالهم من قمع وبطش على أوسع نطاق، وكشف ما يقع عليهم من إنتهاك لحقوق الإنسان أمام العالم، وتشكيل جماعات ضغط من منظمات المجتمع المدنى لتتبع ورصد كل من يشارك فى عمليات القتل أو التنكيل بالمتظاهرين لإدارج المزيد من الأسماء فى قائمة القتلة المطلوبين للعدالة، خاصة وأن هذا النظام سمعته بايظة ومعروف عنه أنه صاحب سوابق ولديه جرائم قيد النظر أمام المحاكم الدولية، تشمل زعيمه وبعض من سدنته مطلوبين للمثول أمام العدالة، فلنضف إليهم المزيد.
على الناشطين فى مواقع التواصل الإجتماعى، والمنابر الإلكترونية أن يساهموا بأكبر قدر فى التحضير والإعداد والدعوة للحشد وأن تُخصص صفحات ثابتة لرصد ومتابعة الأحداث خطوة بخطوة، وأن تستنفر وسائل الإعلام الأخرى بما فيها راديو دبنقا لمتابعة الأخبار، وبث الأناشيد.
هذه مجرد أفكار عامة مفتوحة أمام الجميع يمكن لكل من لديه وجهة نظر فيما طرح أن يضيف إليه أو يحذف منه أو يلغه بالكامل ويستبدله بتصور آخر، ليس هذا المهم، ولكن المهم أن نحدد تاريخاً للبداية، وأن نشرع فوراً فى التحضير والعمل ليكون موعد الإنطلاق هذا الشهر أو الأشهر المتبقة من هذا العام. فليكن شعارنا أن الشهر المحدد هو آخر شهر فى عمر النظام، وفى اليوم المعين منه تبدأ الجموع فى إقتحام الشوارع، أقول الجموع رغم أن البدايات قد تكون ضعيفة ولكن علينا بالصمود والصبر والمواصلة وسوف تتنامى الحشود.
الثورة خيار الشعب
نحن مرقنا ونحن كتار
نحن مرقنا مرقنا مرقنا، ضد الناس السرقوا عرقنا
مرقنا عشان الوطن الراح، وما بيرجعنا الليلة سلاح
ضد العسكر والطغيان، مرقنا عشانك يا سودان
ما للسكر والبنزين، مرقنا نسقط تجار الدين
ما للسكر والبنزين، ضد الفجرة تجار الدين
يا خرطوم ثورى ثورى، ضد الحكم الدكتاتورى
فلنمرق الآن.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.