Facebook.com/tharwat.gasim [email protected] 1 - مقدمة . في يوم الثلاثاء 24 سبتمبر 2013، أجتاحت المظاهرات كثير من مدن السودان إحتجاجاً على رفع الدعم عن المحروقات ، مما ضاعف من أسعارها تقريباً ، وزاد في تعريفة المواصلات العامة وفي أسعار جميع المواد التموينية ، بما في ذلك أسعار بيع التبش . بدأت الهبة الشعبية في يوم الثلاثاء 24 سبتمبر 2013! في يوم الجمعة 27 سبتمبر 2013 ، وبعد مرور 4 أيام على إندلاع المظاهرات ، كانت إدارة أوباما أول من أدان القمع الوحشي للمظاهرات والإعتقال التعسفي لنشطاء المجتمع المدني . في يوم الجمعة 27 سبتمبر 2013 ، أصدرت الرابطة الشرعية للعلماء والدعاة بالسودان بياناً دعت فيه نظام الإنقاذ منع أجهزة الأمن والشرطة والجيش أن تمارس البطش والقهر لمن طالب بحقوقه . فخروج الناس سلمياً للمطالبة بحقوقهم أمر مشروع . كما طالبت الرابطة تشكيل حكومة كفاءات على أسس علمية بعيدة عن الولآءات. نستعرض في هذه المقالة من 3 حلقات خلفيات وملابسات وتداعيات ومآلات هذه الهبة الشعبية وفرص نجاحها ؟ 2 - التعبئة ؟ الكلمة المفتاح في نجاح أي ثورة أو إنتفاضة شعبية هي ... التعبئة . الظلم لوحده أو حتى الشعور به ورفضه ، لا يفجر الثورات . الفقر لوحده لا يفجر الثورات . الجوع لوحده لا يفجر الثورات . عاش العبيد في امريكا لقرون يعانون الفقر والجوع والظلم ، في خنوع ومذلة وكأن حالهم البئيس هو قدرهم المسطور في الكتاب المرقوم ؛ حتى جاء القس مارتن لوثر كنج ، وجاءت معه التعبئة الجماهيرية ، التي فتحت الباب لأوباما ليلج البيت الأبيض في يناير 2009. عانى الروس لقرون تحت ظلم وتعسف وقهر القياصرة الآلهة ؛ حتى جاء لينين العظيم ، وجاءت معه التعبئة الجماهيرية ، التي فتحت الباب لثورة أكتوبر الشيوعية . عانى الشعب السوداني من ظلم وقهر الحكم الخديوي لما يقارب الستين عاماً حسوما حتى جاء الأمام الأكبر عليه السلام ، وجاءت معه التعبئة الجماهيرية ، التي فتحت أبواب الخرطوم في يوم الأثنين 26 يناير 1885 بعد 4 سنوات من التعبئة الجماهيرية المستدامة التي بدأت في الجزيرة أبا في يناير 1881 بالدعوة الجهرية ( السياحة الثانية ) . كان مع الشيخ محمد احمد بن فحل حوالي 300 من الأتباع عند بدء تعبئته الشعبية ، أمام جيوش الخديوي توفيق المدججة بالسلاح الناري والمدافع . ولكن بفضل التعبئة الجماهيرية والتنظيم الدقيق والتخطيط العلمي هزم الشيخ جيوش الخديوي ودخل الخرطوم في يوم الأثنين 26 يناير 1985 . كان الشيخ صريحاً في دعوته للتعبئة الجماهيرية : من أراد الجهاد معنا ، فليبايعنا بيعة الحرب ! ومن كان بيته عورة فليذهب إلى أهله ، وبيعتي معه بيعة عقيدة . نجح الشيخ في إستثارة وطنية الجماهير وإلتفافهم حوله بالتعبئة الشعبية الممنهجة والمنظمة ، حتى جاء نصر الله والفتح . في أكتوبر 1964 ، نجح السيد الأمام في تعبئة جماهير الشعب السوداني التي ظلت تطوف الشوارع والسوح العامة وهي تصرخ : الصادق أمل الأمة . كتب السيد الإمام مانفستو أكتوبر ، وقاد المفاوضات ، مع آخرين ، حتى زوال نظام عبود العسكري بفضل التعبئة الممنهجة لجماهير الشعب السوداني . في يوم الثلاثاء 24 سبتمبر 2013، تفجرت ينابيع الهبة الشبابية الشعبية وعمت القرى والحضر . تجد مفتاح نجاح هذه الهبة في ( التعبئة ) ، والتحريض وتنظيم الجماهير والشباب في مسيرات وإعتصامات سلمية في الميادين والسوح العامة . سوف تضمن التعبئة إستدامة الهبة وإستمراريتها حتى بلوغ أهدافها النهائية . بدون التعبئة المستدامة والحشد والتحريض من قادة الشباب والأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني مجتمعين على قلب رجل واحد ، سوف تفقد الهبة زخمها وتتفرق أيدي سبأ ، ويستفيد نظام الإنقاذ منها كما يستفيد الجسم من الأمصال التي تقويه وتزيد مناعته ضد المرض الحقيقي ولا تقتله . 3- مقومات نجاح التعبئة ؟ لنجاح التعبئة وبلوغها أهدافها النهائية ( الإطاحة بنظام الحكم القائم ) ، يجب إجتماع عدة شروط وروافع ومسهلات ، نذكر منها 5 معينات أساسية ، لا تقوم للتعبئة قائمة فاعلة وفعالة بدونهن مجتمعات : + وجود قيادة جماعية ( الثورة الفرنسية ) أو قيادة فردية ملهمة ( ثورة أكتوبر 1964 عندما هتفت الجماهير : الصادق أمل الأمة ) ؛ + شعور الجماهير بالظلم والغبائن الشخصية نتيجة سياسات نظام الحكم القائم ( الظلم وحده لا يكفي وإنما الشعور به ورفضه ) ؛ + وجود آليات فاعلة ( آليات التواصل الإجتماعي من فيسبوك وتلفون محمول وغيرهما ) لحشد الجماهير في مكان معين في ساعة محددة للقيام بالتظاهر والوقفات الإحتجاجية ؛ + إصطفاف القوات المسلحة لجانب الشعب ( أبريل 1985 ) أو حيادها في الحد الأدني ( أكتوبر 1964 ) ؛ + إختفاء عامل اللامبالاة من غالبية الأغلبية الصامتة . نعم ... نجاح الهبة الشعبية وبلوغها مقاصدها النهائية في الإطاحة بالنظام يعتمد على التعبئة ، وبالتالي وفي الأساس على قادة وزعماء الشعب السوداني البطل ، الذين تقع على عواتقهم مسؤولية التعبئة والتحريض والحشد والتنظيم . لعله من المفيد ، في هذا السياق ، الإشارة إلى موقفين متدابرين لزعيمين من زعماء السودان في التعاطي مع هذه الهبة الشعبية . في يوم الثلاثاء 24 سبتمبر 2013، يوم تفجير الهبة الشعبية وموت المئات من الشباب والشابات من المتظاهرين العزل بالرصاص الحي لمليشيات المؤتمر الوطني ( الكتائب الخاصة ) ؛ في نفس هذا اليوم غادر السيد محمد عثمان الميرغني الخرطوم إلى لندن عن طريق السعودية . آثر السيد محمد عثمان الميرغني هدؤ جدة وسلامة أجواء لندن على الوقوف مع شعب السودان في محنته ، والمشاركة في التعبئة والحشد والتحريض ضد نظام الإنقاذ . أذن مؤذن في الملأ من قوم السيد محمد عثمان الميرغني مردداً بعض آيات من سورة الأحزاب : ... يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ ، وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ ۖ ، إِن يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا ... قُل لَّن يَنفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِن فَرَرْتُم مِّنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ ، وَإِذًا لَّا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا ... وَلَوْ كَانُوا فِيكُم مَّا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا ! كيف نتوقع لهبة شعبية أن يُكتب لها النجاح ، وزعماء وقادة الشعب يفرون بعوائلهم خارج الوطن ؛ ولكن قل لن ينفعكم الفرار إن فررتم ، وإذاً لا تمتعون إلا قليلاً . في المقابل ، وفي يوم الثلاثاء نفسه ، أصدر المكتب الخاص للسيد الأمام بياناً للناس يخبرهم فيه بأن السيد الإمام قد قرر البقاء في السودان والإعتذار عن رئاسة إجتماع لنادي مدريد ( مدريد – ا و2 أكتوبر 2013 ) ؛ نادي مدريد الذي يتكون من 89 من رؤساء الدول والحكومات السابقين والمنتخبين ديمقراطياً . وفي يوم الجمعة 27 سبتمبر 2013 كتب السيد الأمام ( مذكرة ) تؤكد فشل نظام الإنقاذ سياسياً في الأساس وليس فقط إقتصادياً ، وتدعو لإقامة نظام جديد، فصله مشروع الخلاص الوطني وخريطة الطريق . سوف يتم تسليم هذه ( المذكرة ) مركزيا وولائيا في مواكب شعبية حاشدة وسلمية . كما ناشد السيد الإمام كافة القوى السياسية والمدنية والنقابية تأييد هذه المذكرة ، والمشاركة في هذه المواكب السلمية؛ والامتناع عن أية أعمال تخريبية. دعا السيد الإمام جماهير الشعب السوداني إلى ابتدار إعتصامات سلمية في جميع الساحات والميادين العامة حتى قيام نظام جديد ! وناشد السيد الإمام الأجهزة الأمنية قاطبة احترام حق الشعب في التعبير السلمي عن مطالبه ، والامتناع عن القمع والعنف. هذا هو موقف السيد محمد عثمان الميرغني ، وهذا هو موقف السيد الإمام . وكفي بنا مقارنين ، وكفى بنا مطبلين ؟ هذا كتاب السيد الإمام ينطق عليكم بالحق ( ... إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون ) ! 4- الدعم ورفعه ؟ في الدول المتقدمة ليس هناك دعم لأي سلعة ؛ بل يتم البيع والشراء حسب آليات السوق . وفي الدول النائمة غالباً ما يفيد الدعم طبقة الأغنياء اكثر من طبقة الفقراء الذين ربما لا يجدون ما يشترون به السلع المدعومة . يقول نظام الإنقاذ إن دعم المحروقات يكلف الخزينة العامة حوالي 25 مليار جنيه في السنة . كان الشعب السوداني سوف يقبل رفع الدعم عن المحروقات إذا إستخدمت الحكومة مبلغ ال 25 مليار جنيه المتوفرة من رفع الدعم عن المحروقات في محاربة البطالة وإيجاد فرص عمل للشباب ، وفي تحسين خدمات التعليم والصحة ، وإصلاح البني التحتية من شوارع ومصارف صحية . ولكن الشعب السوداني يعارض رفع الدعم لان النظام سوف يستخدم هذه ال 25 مليار المتوفرة من رفع الدعم في الصرف الأمني والعسكري والسيادي والسياسي ( على حزب المؤتمر الوطني وشراء المعارضين السياسيين ) . زاد الصرف الأمني والعسكري والسيادي والسياسي على أكثر من 70% من الميزانية العامة في السنة ، في حين تدهور الصرف على الصحة والتعليم والبني التحتية لأقل من 5% من الميزانية العامة . مثال محدد للتوضيح : في عام 2013 أشترت حكومة الخرطوم ( رغم الضائقة الإقنصادية ) من دولة بيلوروسيا 12 طائرة سخوي عسكرية ضخمة بواقع 36 مليون دولار للطائرة الواحدة ... 432 مليون دولار ، غير المصروفات الإضافية للتدريب وقطع الغيار والصيانة . وتم إستخدام هذه الطائرات لضرب المواطنين المدنيين العزل في دارفور وولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان . هذا مثال من بين مئات يوضح الأستخدامات غير الرشيدة لمبلغ ال 25 مليار جنيه المتوفرة من رفع الدعم عن المحروقات ... لقتل المواطنين في دارفور وولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان ، ولإفقار المواطنين في باقي ولايات السودان ... حشفاً وسؤ كيلة . 5- يوم الجمعة 13 سبتمبر 2013 ؟ في يوم الجمعة 13 سبتمبر 2013 قرر نظام الإنقاذ رفع الدعم عن المحروقات ، دون أى مشاورات قبلية مع القوى السياسية . نختزل أدناه الوضع الأقتصادي والسياسي والإجتماعي العام الذي أستولدته سياسات نظام الأنقاذ البئيسة ، والذي قاد نظام الإنقاذ لإتخاذ هذا القرار المدابر لأشواق وتطلعات الشعب السوداني ، بل والذي يجعل من ظهر الشعب السوداني ( جدول ضرب ) و ( جمل شيل ) لإخفاقات وفشل سياسات نظام الإنقاذ . الاقتصاد الوطني على شفا جرف هار . ركز النظام على الإنتاج الريعي ( البترول قبل الانفصال والذهب بعده ) مهملاً قطاع الإنتاج الحقيقي . كما ذكرنا أعلاه ، توسع النظام في الصرف الأمني والعسكري والسيادي (70% من الميزانية) ، كما توسع في الصرف السياسي وفي تضخيم الحكم الفدرالي بزيادة عدد الولايات ، خصوصاً بعد تدفق البترول الجنوبي . ولانعدام التخطيط لم يتحسب النظام لفقدان بترول الجنوب (مع أنه يمثل ثلثي عائد الصادر وخمسي الإيراد الكلي) . وبهدف التمكين لرجالات الإنقاذ ، تم حل مؤسسات الضبط والرقابة والمراجعة بالدولة ، فتفسح المفسدون في إمكانات الدولة ومواردها ؛ فأصبح السودان يعد من أفسد دول العالم . قاد هذا الخمج في القطاع الإقتصادي إلى الآتي : + توقف أو تدني التنمية وإلغاء الرعاية الاجتماعية ؛ + تردي الخدمات ( بلغ نصيب الصحة والتعليم في الميزانية العانة أقل من حوالي 5%) ، مما جعل البلاد تعاني من خلل في التوازن التعليمي ( الصحفيون الذين لا يفهمون مقولات السيد الإمام فيحرفونها جهلاً من عند أنفسهم ؟ ) ، ومن أوبئة وأمراض في المجال الصحي لم تعهدها البلاد في تاريخها . انتشرت البطالة بمعدلات عالية وتلقائياً معدلات الفقر ( 95% ) ؛ + صارت الضائقة المعيشة كالطاعون ، وزادت أسعار المواد التموينية في سنوات الإنقاذ بأكثر من 5 الف % . + كان الجنيه السوداني الديمقراطي ( 1989 ) يساوي 8% من الدولار الأمريكي، أما جنيه الإنقاذ ( 2013 ) فإنه يساوي جزء واحد من عشرة آلاف جزء للدولار . + توسعت الدولة في الاقتراض لسداد العجز الكبير. تجاوز الدين الخارجي حاجز ال 40 مليار دولار في ظروف عجز سنوي يبلغ 5 ملياردولار وشبه عزلة دولية ، تحرمه من القروض ، دعك من الهبات والإعانات . نواصل ...