لم أر صحافيا احتفى بمسؤول.. كما احتفيت أنا بالسيدة سمية إدريس أكد وزير الدولة بالصحة الاتحادية.. ولو أعاد التاريخ دورته.. وعادت ذات الوقائع بتفاصيلها التي شهدت لما ترددت في ممارسة ذات الاحتفاء.. كانت الصدفة تقود خطاي بشكل غريب.. لتضعني في مواجهة وزير من طينة غير التي نعرف.. فالصدفة وحدها تقودني إلى طريق الخرطومكوستي.. ثم ذات الصدفة تبطئ سيارتي عند منشأةٍ.. قيد الإنشاء.. يتبدى الإهمال على جوانبها في ذلك الطريق.. مستشفى الدكتور عمر نور الدائم بنعيمة.. ثم ذات الصدفة تضعني بعد يومين أمام الوزيرة.. ثم تدفع لمقدمة ذاكرتي.. الخربة عادة.. مشهد ذلك المشروع الذي يلفه الإهمال.. فأقرر اختبار الوزيرة.. نعم اختبارها.. لتفاجئني باجتياز اختباري بشكل مذهل.. فاجأتني حين سألتها أولا إن كانت تعرف مستشفى عمر نور الدائم..؟ أذهلتني سمية والكلمات تنطلق من فمها كالرصاص: نعم هو في النيل الأبيض وهو واحد من أربعة مستشفيات تنفذها وزارة الصحة الاتحادية على مستوى السودان بتمويل من بنك التنمية الإسلامي جدة.. وبلغت نسبة التنفيذ فيه حتى الآن 90 %.. التقطت النسبة وسألتها: من أين لك هذه النسبة غير الصحيحة؟.. أجابت ولم تنفعل وإن رفعت حاجب الدهشة.. التقرير على طاولتي الآن.. قلت لها.. إذن خدعوك.. لتطلق سمية في وجهي مفاجأتها الثانية في ذلك الصباح الباكر: إذن سأذهب لأرى بنفسي.. وبالفعل بعد أيام معدودة كانت الوزيرة تنطلق إلى هناك.. فينطلق العمل في الموقع..! كان ذلك واحدا من دوافع الاحتفاء.. ثم حين تتعالى أصوات المصنعين الوطنيين للأدوية بالشكوى من ظلم الحكومة.. وكيف يذهب المستوردون والسماسرة بتسعين في المئة من الدولار المخصص للدواء ولا يتجاوز نصيب الإنتاج الوطني نسبة العشرة في المئة.. فنجد ذات السمية التي نعرف.. وقد رفعت شعارها وتأبطت ملفاتها وانطلقت تنافح عن الصناعة الوطنية.. تخرج من اجتماع لتنطلق في زيارة ميدانية لأحد المصانع.. يتقدمها الدكتور الزين الفحل.. هذا الفتى الذي ترك المنصب الحكومي لتحتضنه إحدى شركات القطاع الخاص مستفيدة من تجاربه وخبراته وعلاقاته.. ولكنه لا يبخل بكل ذلك على وزارته القديمة متطوعا.. فيساهم في تقديم الإجابات على السؤال: كيف ندعم الصناعة الدوائية الوطنية..؟ ثم لا يبخل بوقته وجهده في ترتيب الزيارات للوزيرة.. بل يتقدمها متطوعا.. وأنا (مُبارِيهُم).. محتفيا.. أيضا.. بهذا الجهد الوطني الخلاق..! ثم نصفق من على البعد للسيدة وزيرة الدولة بالصحة وهي تنطلق إلى ولاية البحر الأحمر.. للوقوف على تجربة إنتاج الملح ذي اليود أو الملح الميودن عبر مصنع قام بجهد وطني.. ليكتمل عندنا تنصيب سمية إدريس أكد حامية للصناعة الوطنية في مجال الدواء والغذاء..! ولكل ما سبق تجدني عاجزا عن فهم أن تكون ذات هذه السمية طرفا في خطةٍ.. ولن أقول مؤامرةٍ.. لاستيراد الملح الميودن من خارج السودان.. فما مصير المصنع الذي زرتِه ودشنتِه وأشدتِ به..؟ وهل نحن بالفعل في حاجة لاستيراد ملح ميودن من الخارج..؟ ألا يعد هذا مزيدا من الإهدار لعملاتنا الصعبة الشحيحة أيضا..؟ كنا ولا زلنا.. سيدتي الوزيرة نراهن على جهودك.. ولا تزال الصناعة الوطنية.. ذات الصلة.. تنتظرك أن تأخذي بيدها.. فعودي إليها.. وعودي إلينا لنواصل الاحتفاء بك.. فالملح الميودن المستورد يهم وكيله فقط.. ومن إسبانيا كفانا ما أتانا..! اليوم التالي