حتى هذه اللحظة تتحدث الجهات الصحية عن خلو ولاية الخرطوم من الاصابة بمرض الاسهال المائي، لكن هذا لا يعني عدم وجود بيئة مهيئة لانتشاره في العاصمة أو الولايات الأخرى التي لم تسجل حالات إصابة بهذا الوباء، الذي لا يفيد الآن التركيز فقط على التأكيد بخلو منطقة ما من الإصابات به أكثر من التأكيد المكثف على احتمال انتقاله للمناطق الأخرى وتوعية المواطنين بالابتعاد عن تناول الأطعمة المكشوفة ومراقبة الأسر للأطفال في تناولهم للأطعمة أو مياه الشرب بواسطة أوانٍ مكشوفة أمام جيوش الذباب التي تحيط بكل مكان أو عدم غسل الأيدي جيداً قبل تناول الطعام . الخرطوم إن لم تكن قد استقبلت هذا المرض حتى الآن فإنها على الأقل منطقة غير متعافية بيئياً ومعرضة لاستقبال هذا الوباء في أية لحظة ما لم يرتفع حرص المواطنين إلى أعلى درجاته لتفادي إصابتهم أو إصابة أطفالهم بالإسهال المائي . وليست الخرطوم وحدها بل جميع ولايات السودان هي عرضة للإصابة بمثل هذه الأوبئة تحديداً لأسباب كثيرة بيئية وثقافية أيضاً حيث أننا لا نزال نتعامل بنظرية (أصغر منك دوسو) ولا يكترث الكثير جداً من الناس بنتائج تناول الأطعمة المكشوفة أو استضافة الذباب في الغرف والصوالين وصيوانات الولائم والعزائم النهارية وبيوت الأعراس حول صواني الطعام. تحذيرات وزارة الصحة بولاية الخرطوم للمواطنين وتخوفها من انتشار الإسهال المائي في الخرطوم لم يأت من فراغ بل لتيقنهم بأن الكثير من الظروف البيئية الموجودة الآن في أرجاء الولاية المختلفة توفر فرصاً كبيرة جداً لانتقال وانتشار المرض في ولاية هي الأكثر اكتظاظاً بالسكان مما يرفع من درجات الخطر والضرر المتوقع في حالة انتشار الإسهال المائي في العاصمة . أول أمس كتبنا وطالبنا جميع القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني بتأجيل أو تجاوز قضية لوم الحكومة أو الإستثمار السياسي في مثل هذه القضية واستبدال هذه الطاقة السلبية بطاقة إيجابية لمساعدة المواطنين .. وبالأمس طالعت بياناً للحزب الشيوعي السوداني أعلن فيه قطاع الأطباء بالحزب عن دعوة كافة القوى السياسية والمدنية وكافة الراغبين في التطوع إلى اجتماع عاجل للتباحث حول فعل مشترك وحملة ذات طابع علمي وقومي للتصدي لانتشار الإسهالات المائية الحادة. وفي اعتقادنا أن مثل هذا البيان يحقق نوع العمل المطلوب والدور المفترض أن تقوم به كل كيانات المجتمع السوداني فلا مجال للشماتة ولا أخلاق في التفكير السياسي الدنيئ وتمرير أية أجندات حزبية في مثل هذه الظروف ظروف الأمراض والأوبئة التي يمكن أن تتعرض لها جميع دول العالم.. وقد تابعنا في السنوات الماضية أكبر الدول تدهمها الأوبئة المختلفة من إنفلونزا خنازير وإنفلونزا طيور وسارس وغيرها من الأوبئة والأمراض . نعم هناك ظروف محددة أو أخطاء تنفيذية هنا وهناك يمكن العودة للحديث عنها في مرحلة اخرى أما الآن فالوقت للعمل الإيجابي فقط وللدور الذي يكشف حقيقة اللافتات والشعارات السياسية التي تتحدث باسم الشعب السوداني . ومثلما نردد جميعاً عبارة (الرجال مواقف) فإن وطنية الكيانات السياسية وجدية دور المؤسسات المجتمعية في اختبار الموقف على هذا المحك . حفظ الله بلادنا من كل شر وسوء وصرف عن أهلنا في كل أنحاء السودان هذا الأذى وعافانا . شوكة كرامة لا تنازل عن حلايب وشلاتين. اليوم التالي