* أحمد الله على نعمة الشفاء بعد وعكة طارئة، كان أقسى ما فيها الغياب عن القراء طيلة سبعة أيام كنت فيها بين النوم والتنويم والصحيان والإشراف الطبي المكثف على قلب أرهقته السنين والهموم والأحزان المتصلة منذ عشرات السنين، أكثرها إيلاماً تلك المرتبطة بوطن يهبط في كل لحظة مئات الأمتار الضوئية تحت مستوى سطح الأرض، ولا تلوح له في الافق بارقة أمل بالصعود حتى إلى الهاوية!! * وطن ظل مسكوناً بالفقر والجوع والموت والخراب، والأكاذيب التي لا يمل ولا يكل ولا يسأم ولا يخجل مطلقوها، بل ما زالوا يطلقونها وهم يكبرون ويهللون ويطربون .. ولِمّ لا، وقد إمتلكوا كل شئ، وحرموا غيرهم من كل شئ، ولا تزال شهيتهم وأفواههم وبطونهم مفتوحة!! * بعد سنوات طويلة مضنية، متعبة، مرهقة، محزنة، مؤلمة، مهلكة .. صبر فيها الشعب على كل ألم، على كل ضنك، على كل قرار ظالم، على كل سياسة خربة، على كل فساد لم تشهد الدنيا مثيلاً له، على كل سوء حال جال أو لم يجل بخاطره، سمع أو لم يسمع به، رآه في الكوابيس أو لم يره، على أمل أن يتغير الحال ويصفو الدهر، ويتمخض الحوار الاخطبوطي حتى عن سراب يطفئ نار الظمأ، أو أسراب جراد تُسكت وجع الجوع، إلا أن النتيجة كانت المزيد من الكراسي الوثيرة التي ستُصنع على حساب الشعب المسكين ليجلس عليها القادمون الجدد في معية رئيس وزراء فخري يعينه ويفصله رئيس الجمهورية، ولا أدري فيمّ التعب والكلفة والصرف والانفاق واهدار الموارد الشحيحة لبلد يخنقه الفقر وينخر في عظامه السل، على من يسمع فيطيع، أو يتمنع فيضيع .. هل هذا هو الحوار؟! * ولا أنسى المسيرة المليونية الظافرة التي أعادت للساحة الخضراء أمجادها، ومواكبها، ومهرجاناتها وخطبها الرنانة الجياشة، كإحدى نتائج الحوار العظيم الذي جمع القلوب ووحد المشاعر، وأعاد الطيور المهاجرة الى وكرها القديم، وما أحلى الرجوع إليه وإلى حضنه الدافئ وغذائه الوفير!! سبعة أيام غبت فيها عن دنيا الناس، وعندما فتحت عيني لم أر سوى تلك الدموع التي ظللت أراها منذ ربع قرن مضى، بينما كانت تثقب طبلة أذني صيحات المؤتمر الوطني الشعبي فرحاً بحوار الطرشان، فغمست قلمي في الحبر الممزوج بالحزن، وعدت أضاجع الوجع من جديد!! الجريدة