كلمة طائفية تستخدم في الأدب السياسي مثل ملح الطعام ، إذ لا نجد حديثاً عن السياسة والساسة في السودان إلا ونجد هذه الكلمة تحتل موقعاً أثيراً في ذلك الحديث بل أصبحت عند البعض لازمة لا يكتمل ولايحلو الكلام في السياسة الا بوجودها، وصارت هذه الكلمة بمرور الزمن مصطلحاً من المصطلحات السياسية في ادبيات هذا الحقل السوداني ليشير الي جماعتين دينيتين سياسيتين هما الأنصار والختمية وأصبح كل ما ينتمي أو يمت بصلة الي هذه الجماعات منسوباً الي هذا المصطلح فيقال زعيم طائفي وحزب طائفي الخ ....... ولهذا المصطلح في السودان تاريخ طويل يرجع الي بدايات ظهور الحركة الوطنية في السودان عندما بدأت قطاعات وفئات المجتمع السوداني المختلفة تحركاً سياسياً يهدف إلى إنهاء الحكم الأجنبي في البلاد ، وتصدر قطاع المتعلمين قيادة هذه الحركة تحت لواء مؤتمر الخريجين لتولى القيادة في المجتمع الذي كان مجتمعاً تقليدياً تحظي المؤسسات التقليدية وقاداتها فيه بقدر وافر من الاحترام والولاء . المتعلمون القليلو العدد في ذلك الوقت طرحوا أنفسهم كقيادة بديلة للقيادات التقليدية متجاهلين عدداً من المعطيات التي تشكل الواقع الاجتماعي للمجتمع السوداني إذ أن غالبية السكان توجد في الريف ، والمجتمع معظم أفراده يرزحون في ظلام الأمية ، ولازالت الاعداد التي نالت حظاً من التعليم في المدارس الحديثة لا تتجاوز بضع مئات ، أضف الي ذلك أن نسبة سكان المدن الي عدد السكان قليلة جداً وقد وجد المتعلمون الذين وحدوا كفاحهم تحت لواء مؤتمر الخريجين ان مكانتهم تعطيهم الحق في انتزاع القيادة من قيادات المجتمع التقليدية ، ولم يلتفتوا الي طبيعة ودور تلك المؤسسات التى شنوا الحرب علي زعمائها ، بل طالبوا بالقضاء عليها " فقد طالب أحد قادة المؤتمر أحمد يوسف هاشم بمحاربة القبلية والطائفية والادارة الاهلية (1) برز الاتجاه الصفوي النخبوي للمتعلمين أعضاء المؤتمر، بتجاهلهم للغالبية العظمي من السكان الموجودين في هذا المجتمع التقليدي ، واختيارها لسكان المدن والشرائح المرتبطة بها أو ما أسموه بالفئات المستنيرة والواعية دوائر لخطابهم السياسي، كل ذلك أدى إلى عزلة وهوة عميقة بينهم وبين القاعدة العريضة للجماهير التي تمثل الغالبية العظمى من الشعب . وهذا التنافس الذي نشأ بين المتعلمين وتنظيماتهم وزعماء المؤسسات التقليدية حول الأحقية في قيادة المجتمع السياسية أدى إلى صراع مرير لايزال مستمراً حتى اليوم، وتلخص لنا العبارة التالية حقيقة ذلك الوضع وأطراف الصراع علي المسرح السياسي . "أن تاريخ السودان خلال الستين عاماً التي أعقبت معركة كرري بوجه عام، تاريخ صراع أبرز أبطاله دولة الحكم الثنائي، والطائفتان الكبيرتان الختمية والانصار والمثقفون، وجماهير الشعب السوداني في الشمال والجنوب في مرحلة لاحقة " (2) فما هي خلفية هذا الصراع هل هو صراع فكري ثقافي ام صراع مصالح ؟ أم صراع سياسي اجتماعي اقتصادي ؟ والواقع ان هذا الصراع كان نتاجاً طبيعياَ للحالة السياسية للبلاد في ذلك الوقت. فقد هدفت السياسة الجديدة للحكم الاستعماري إلى وضع لبنة لمجتمع جديد موال لثقافته، ولتحقيق ذلك عمل علي إدخال النظم الحديثة في الدولة ونشأت مؤسسات تدار وفقاً لهذه النظم حتي يمكن إحداث التغيير المطلوب، ومع مرور الزمن ظهرت شرائح وفئات جديدة لم تكن موجودة من قبل مثل الموظفين والعمال والتجار ومعظم هذه الفئات تسكن المدن بحكم وجود تللك المؤسسات في هذه المدن، وشيئاً فشيئاً بدأت هذه الشرائح تتحول إلى طبقات لها مصالح مشتركة خاصه وان هذه الطبقات والشرائح الجديدة هي المستفيد الأول من الدولة وخدماتها اقتصادياً واجتماعياً، وعليها ان تدافع عن هذه المصالح وأفضل الوسائل في هذه الحالة هو الاستحواذ علي السلطة، والسلطة في تلك الفترة المبكرة تعني قيادة المجتمع والسيطرة علي مؤسساته الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، وهذه كانت في يد الزعامات التقليدية . المؤسسات الحديثة التي أنشأها المتعلمون كمؤسسات بديلة، كانت رغم تأثيرها القوي في قطاعات المدن كانت نخبوية ولم تكن جماهيرية لذا فإن القضاء علي المؤسسات التقليدية وزعمائها هو السبيل الوحيد لإنهاء سيطرتها علي القطاعات الاساسية في المجتمع. وكان هذا واضحاً في المعركة التي اندلعت بين المؤتمر والقادة التقليديين ومناداة قادة المؤتمر بشن حرب عليهم كما أشرنا إلى ذلك. ولإدراك المتعلمين وأعضاء المؤتمر قوة المؤسسات التقليدية والتأثير القوى لقادتها علي قطاعات واسعة من المجتمع خاصة في الارياف شن المؤتمر حرباً فكرية علي تلك المؤسسات ركزت علي التنفير منها وزرع بذور الشك حولها ووصل الامر الي الطعن في وطنيتها، واستخدمت لهذا الغرض أساليب ووسائل مختلفة فكان التشنيع بها يتم عبر الليالي السياسية والصحف والمحاضرات وغيرها وكانت النعوت والاوصاف مثل طائفية وطائفي ورجعى ورجعية والتي يحمل مدلولها السياسي معني التخلف والانغلاق من العبارات الأثيرة التي عادة ما توصف بها تلك المؤسسات التقليدية من قبل خصومها وكانت أكبر جماعتين دينيتين لهما نفوذ سياسي هما جماعة الأنصار والختمية وكان يشار اليهما باعتبارهما طوائف فيقال طائفة الختمية وطائفة الانصار ومع اشتداد المنافسة والخصومة مع المتعلمين ظهر مصطلح "الطائفية" متجاوزاً المعنى اللغوي لكلمة طائفة إلى مدلول ومعنى سياسي يرمز إلى عدد من السمات يعدها المتعلمون من مظاهر التخلف والرجعية، والانغلاق، انطلاقا من بعض الأسس والقواعد التي يقوم عليها بناء وتكوينات المؤسسات التقليدية ، مثل وراثة القيادة والولاء للزعامة ومقاومة التغيير . ورغم ان كلمة طائفة بمعناها واستخدامها العادي تشير إلى أي جماعة مهنية أو دينية أو حتي مجموعة من الناس إلا ان العداء المستحكم من خصوم الجماعتين (الختمية والانصار) حولها إلى مصطلح سياسي يقتصر علي تلك الجماعتين. وبالتالي أصبح الاشتقاق من كلمة طائفة طائفية طائفي محصوراً في هذا الحيز . د. الصادق محمد