هذه القصة ليست من نسج الخيال الخصب، بل هي واقع يعيشه كثير من الناس، وتعاني منه الأسر كثيراً، وذلك بانشغال الرجال بأشياء مفيدة وأخرى غير ذلك، وبطل هذه القصة كان مولعاً بشدة بكرة القدم، هذا الهوس الذي يشغل الكثيرين ليس في السودان فحسب بل في كل أرجاء العالم، وقد حضر صاحبنا في إجازته السنوية ليقضيها بين أسرته الصغيرة، ولكن المجنونة كانت له بالمرصاد، فكان بعد أن يتناول إفطاره يخرج من المنزل قاصداً سوق المدينة حيث يلتقي أصدقاءه من المشغولين بكرة القدم كثيراً، فيجلس معهم في المقهى الذي يتجمع فيه «الكورنجية» ويدور بينهم النقاش حول هذا الفريق وذلك، وهم في ذلك يتناولون الشاي والقهوة وغير من الساخن والبارد، ويطوف عليهم صبية الأورنيش بصناديقهم المزركشة التي يصدرون منها أصواتاً تدل على حرفتهم، فمنهم من يمسح «شبطه» وآخر «جزمته»، وعندما تأتي الصحف من العاصمة يتخطفها الجميع، فيأخذون كغيرهم نصيبهم منها، خاصة الرياضية منها، ويدور النقاش من جديد بعد الاطلاع على الجديد الذي حملته صحف اليوم، وهكذا حتى تنقضي سحابة ذلك النهار، فيعود صاحبنا إلى منزله فيصلي الظهر ويستغرق في نوم عميق، وبعد تناول الغداء يذهب إلى الاستاد إذا كانت هناك مباراة، وهو حدث مثير لعشاق كرة القدم تتجدد بعده النقاشات، وبعد المباراة يعود إلى المنزل، ولكنه ما يلبث حتى يرتدي ملابس الخروج ويتوجه إلى ناديه المفضل، وهناك يمارس مع أصحابه هواية لعب الورق، بالإضافة إلى تناول الشاي والكاكاو وغيره، ثم يعود إلى المنزل لتناول طعام العشاء، وبذا يكون قد انقضى اليوم، وقد سارت أيام الإجازة على هذا المنوال، غير أن زوجته تبرمت من ذلك البرنامج اليومي، فزوجها لا يمكث معهم في المنزل سوى ساعات قليلة ويقضي جل يومه خارج المنزل ما بين المقهى ودار الرياضة والنادي، فسألته: إنت جاي تقضي الإجازة معانا ولا في السوق والنادي ودار الرياضة؟ وأجابها بأن هذه الأشياء ضرورية جداً، فقالت له: الاستاد عرفناه والنادي برضو.. القهوة دي لزومها شنو؟ فقال إنه يشرب فيها الشاي والقهوة ويطالع الصحف ويمسح الجزمة بالأورنيش، فاقترحت عليه أن تحضر له كل هذه الأشياء بالمنزل فوافق على مضض، وفي الصباح الباكر كانت قد أعدت ثيرموساً من الشاي وآخر من القهوة، وكانت عند ذهابها للسوق قد أشترت علبة أورنيش بلون «جزمته»، ولم تنس أن ترسل ابنها ليحضر كل الصحف السياسية والرياضية، وبعد أن تناول صاحبنا إفطاره كان كل شيء أمامه، وبينما استغرق في قراءة الصحف السياسية والرياضية وشرب الشاي والقهوة كانت زوجته قد انهمكت في مسح «جزمته»، وبما أنه كان وحيداً ولم يدخل في نقاش حول الكرة مع أحد، فلم يستغرق تصفح الصحف سوى ساعة واحدة، وقد كانت الساعة حوالى الحادية عشرة صباحاً، وهناك وقت كثير لموعد عودته من السوق، فما كان منه إلا أن نهض ولبس جلبابه وعمامته وتوجه صوب باب المنزل، فقالت له زوجته: إنت ماشي وين؟ فقال لها: ماشي البيت ده ما بقى قهوة!! الصحافة