مهداة إلى والي ولاية البحر الأحمر بمناسبة الموسم السياحي يتناول الناس في أحاديثهم ومجالس سمرهم بعض القصص التي تحكي عن كدايس أو قطط بورتسودانوسواكن. وهم يرجعون غالبية تلك القصص إلى أن القطط الموجودة هناك هي في الواقع شياطين وليست قططاً حيوانية أولاً لحجمها الكبير ولسلوكها الغريب الذي يجعلها لا تخاف البشر بل تحدق في وجوههم فتصيبهم بالإرتباك. في بداية الستينيات ونحن طلاب بقسم الحيوان بكلية العلوم بجامعة الخرطوم كنا نقضي فترة في الشتاء في مدينة الحجاج في سواكن حيث كنا نجمع من العينات المرجعية لحيوانات البحر الأحمر ما نعود به للكلية للدراسة. عملية الجمع كانت تتم نهاراً وليلاً. في الليل كنت عندما أنزل البحر أجد تلك القطط ، وفي ذهني ذلك الشريط الطويل من القصص. القطط كانت تنتظر حركة المد والجزر وعندما ينحسر البحر كان يترك خلفه بعض الكائنات البحرية فتنقض عليها تلك القطط وتلتهمها. وكانت لا تأبه بوجودنا بل تظل ثابتة في أمكنتها وهي تراقب البحر. كنت أحس أن تلك القطط كانت كبيرة بدرجة ملحوظة وربما ضخم لي خيالي تلك الأحجام .. وأنا في ذلك الوقت من الليل وربما كنت أنا الخائف منها وليست هي التي تخاف مني. ومن القصص الشائعة أن القطار المتجه لبورتسودان توقف في محطة سنار وطالت فترة وقوفه فنزل الركاب واتخذوا لهم أماكن يضجعون فيها ريثما يصفر القطار استعداداً لمواصلة مشواره. أحد الركاب وضع عمته تحت رأسه وقبل أن يغمض عينيه سمع صوتاً يقول له: – لو سمحت يا أخينا إنت ماشي بورتسودان؟ – نهض الرجل وتلفت يميناً ويساراً ولم ير أي إنسان بالقرب منه. فتبسمل واستعاذ من الشيطان الرجيم. ولكن الصوت جاءه هذه المرة أكثر وضوحاً: – يا أخينا... بقول ليك أسمعني... إنت ماشي بورتسودان؟ وانتبه الرجل إلى قطة معها صغارها تقف بالقرب منه وهي تتجه بنظرها إليه. ولما لم يكن بالقرب منه شخص آخر غيرهذه القطة، إضطرب وأجاب غير مصدق: – أيوا .. ماشي بورتسودان. فوجد القطة تخاطبه بكل وضوح: – طيب .. ممكن أكلفك بحاجة؟ أجاب: – جداً .. ما في مشكلة. – عليك الله لو وصلت بورتسودان.. تمشي لمطعم في السوق قريب من الصيدلية الكبيرة الجنب التقاطع بتاع المرور.. تلقى هناك كديس أسود في ضنبو نقطة بيضة وجنب عينو الشمال برضو نقطة بيضة مدورة.... قول ليهو أولادك إنحلوا بالسلامة وجابوا ليك أربعة.. تلاتة كدايس ضكور وواحدة كديسة إنتاية وإن شاء الله يجوا بالقطر الجاي يوم الأحد.. تقابلهم في المحطة. ولم تختف القطة وصغارها فجأة بل سارت تتقدمهم وتبعها الصغار حتى إختفت في مكان قريب. واستغرب الرجل جداً ... لكنه قرر أن يكمل المشوار حتى نهايته. ولذلك عندما وصل بورتسودان كان أول شئ يفعله هو أن يبحث عن المطعم القريب من الصيدلية الكبيرة الجنب تقاطع المرور. ولم يستغرق زمناً طويلاً فقد كان الوصف واضحاً... ربما أوضح من وصف بعض بني آدم وهم لا يحسنون الدقة في الوصف. وجلس على إحدى الطاولات وطلب سمكاً وسلطة وفول بالسمنة وعليه بصلة ومشروباً غازياً.. كل ذلك ليطيل مدة إقامته في المطعم حتى يعثر على القط بأوصافه المذكورة أعلاه. وساوره بعض القلق لأنه كان ينظر تحت الطاولات من وقت لآخر ليتفقد القطط فربما وجد القط المذكور.. ولا يمكن بالطبع أن يسأل الجرسون عن ذلك القط فربما شك في قواه العقلية. وكان كل ما يمر به قط اسود كان يدقق النظر في ذيله وعينه اليسرى.. ولكن دون فائدة. إلى أن حانت منه إلتفاتة نحو الباب فوجد قطاً أسود يتضرع ويقدل وكانت له شخصية قوية على جميع القطط في ذلك المطعم فتعرف عليه. وانتظر إلى أن مر القط بجانبه فقال له: – اسمع يا أخينا... أنا لا قيت أولادك في سنار.. وقالوا ليك هم إنحلوا بالسلامة وجابوا ليك أربعة.. تلاتة كدايس ضكور وواحدة كديسة إنتاية وإن شاء الله يجوا بالقطر الجاي يوم الأحد.. تقابلهم في المحطة. ونظر له القط نظرة ذات معنى ثم حرك ذيله ذا النقطة البيضاء وإختفى بين الكراسي. شعر الرجل بارتياح وإنه قد أوصل الرسالة إلى صاحبها فتنهد تنهيدة عميقة ثم قال: – ولله في خلقه شئون. ولكن من الذي يصدق روايته تلك وهي ليست من نوع الروايات التي يمكن السكوت عنها... ولكن من يصدقها؟ فربما يصفه الكثيرون بصفات أقلها إنه «خرف» أو يخترع أشياء من عنده. وعندما هم بالإنصراف نادى على الجرسون وسأله عن الحساب. ولدهشته التي كادت أن تقتله قال له الجرسون: – حسابك إنت مدفوع. آخر الكلام: دل على وعيك البيئي.. لا تقطع شجرة ولا تقبل ولا تشتر ولا تهد هدية مصنوعة من جلد النمر أو التمساح أو الورل أو الأصلة أو سن الفيل وليكن شعارك الحياة لنا ولسوانا. ولكي تحافظ على تلك الحياة الغالية لا تتكلم في الموبايل وأنت تقود السيارة أوتعبر الشارع. الصحافة