كانت الحاجة عائشة محمد صالح نائب رئيس البرلمان ردت بغضب على مطالبة د. الحاج آدم عضو البرلمان ونائب الرئيس السابق بتحرير التعليم وتسليعه _ أي جعله سلعة _ متاحة للمقتدرين ماليا ، أما غير المقتدرين عليهم طلب العون من الحكومة . الحاجة عائشة قالت في ردها الغاضب ( الحاج آدم لو ما التعليم المجاني الآن كان بيكون ساكي ليهو غنم ) ، ومن جهته أبدى الحاج آدم سعادته بسك الغنم ورعايتها باعتبارها مهنة الأنبياء، وأكد أنه كان يسك الغنم في صباه كراع لها والآن كمستثمر في الانتاج الحيواني ، والشاهد هنا أن كلا من الحاجة عائشة والحاج آدم كانا ممن استمتعا بخدمات التعليم الجيدة والمجانية ، فالكل كانوا سواء من كان يسك الغنم أو من كان يسك العملة ... وأذكر هنا أن القيادي بالمؤتمر الشعبي كمال عمر، كان قد قال في حوار معه انه حين أتى الخرطوم من دنقلا لطلب التعليم دخلها بشنطة حديد. وعلى ذكر أيام زمان وتعليم زمان أذكر تلك الطرفة التي تُروى عن الطالب الإقليمي الذي تم قبوله بجامعة الخرطوم أيام كانت جميلة ومستحيلة، قيل إن موعد وصول هذا (البرلوم الدايش) إلى الجامعة بل إلى الخرطوم لأول مرة تزامن مع ساعة الغداء، وبعد أن وضع شنطة الحديد داخل الدولاب توجه مباشرة إلى قاعة الطعام (السفرة) وتصادف أن كان ذاك اليوم هو يوم الوجبة الخاصة (special meal) حيث كانت السفرة تحتشد بالمحشي والمحمّر والمشمّر وما لذ وطاب من لحوم البر والبحر والفاكهة والتحلية. فأقبل عليها صاحبنا بنهم وشراهة و(شراسة) وعبّ منها أقصى ما تسعه بطنه حتى (وقف قربة) ثم عرج على مبرّد المياه (الكولر) وعبّ منه (كوزاً) كبيراً أتى عليه و(قرطعه) بتلذذ حتى آخر قطرة فيه، ثم تمطى وتدشى (عااااع) وجذب نفساً عميقاً وقال (آآآه من كدّ وجد). تلك كانت أيام خالدة للتعليم وذكريات حالمة خلت، نعلم أنها لن تعود ولا نحلم بالعودة إليها فالزمان ليس هو الزمان والناس ليسوا هم الناس والحال ليس هو الحال، رغم أن الكثيرين ممن ارتقى بهم التعليم ورفعهم الى الدرجات العلا اليوم ، كانوا هم طلاب ذاك الزمان، وكان أغلبهم مثل كمال عمر، دخلوا الخرطوم بشنط حديد ، ولو أن حال التعليم على زمان هذه النخب التي خرجت من أصلاب آباء فقراء ومن بيوت الطين والجالوص ودرادر القش ورواكيب القصب وجريد النخل وخيم السعف والشعر والجلود، كان مثل حاله اليوم لما كان لكثير منهم أي ذكر.. الصحافة