((عندما تنتهك الحكومة حقوق الشعب، تصبح الثورة بالنسبة للشعب بكل شرائحه أكثر الحقوق قدسية وأكثر الواجبات حتمية)). دستور مونتنرد الفرنسي لعام 1793 حركة العصيان المدني التي تنتظم السودان هذه الأيام ، والتي دخلت التاريخ البطولي لهذا الشعب الشجاع والأبي تحتاج منا إلى وقفة ورؤية. العصيان المدني (Civil Disobedience) له تعريفات كثيرة ولعل من أفضلها تعريف "هنا أرندت" "انه فعل ينتج عن تعاون مقصود بين أعضاء مجموعة تستمد قوتها على وجه التحديد من قدرتها على العمل المشترك."، والعصيان المدني الحالي هو ما يسمى عالميا بالعصيان المدني الالكتروني ECD ( Internet Civil Disobedience) أو النضال البرمجي ، وهو أسلوب فعال لمقاومة القوانين الجائرة أو التي تستهدف إخضاع الشعب لسياسة الظلم والقهر أو الإفقار الممنهج كالتي تستخدمه الحكومة الحالية. إلا أن العصيان المدني الحالي مجابه بعدة تحديات ومشاكل يتحتم مواجهتها والاستعداد لها. والمشكلة الأساسية التي تواجه العصيانات الالكترونية أنها غير خاضعة لتنظيم هيكلي وتأتي من قنوات ومصادر مفتوحة وتتحرك عشوائيا دون سيطرة كاملة على مجرياتها أو نتائجها. والمشكلة الأخرى انه رغم أن العصيان المدني يعتبر حراكا جماهيريا يمارس من طوائف الشعب المختلفة لضمان الحريات العامة والحقوق الاجتماعية ومقاومة أي قوانين تضاد هذا الاتجاه ، إلا انه غير معترف به قانونيا بشكل صريح ، ومع ذلك فهو لا يخضع للسلطة القضائية. المشكلة الثالثة التي تواجه العصيان المدني أن وسائل الإعلام ( محلية وعالمية ) ، قد تدمر الصورة التي يريد العصيان المدني أن ينقلها للعالم أو على الأقل أن تنقل صورة غير صحيحة ومغايرة للرأي العام ، مما يعني فشل جزئي كبير للعصيان إن لم يكن كاملا. كيف نواجه هذه التحديات : يعتبر المهاتما غاندي هو الأب الروحي لفكرة العصيان المدني الحديث وقد وضع له قواعد ومبادئ مهمة ولكن ما يهمنا الآن هو قيادته للعصيانات المدنية إبان الاحتلال البريطاني للهند ، وهذا ما تحتاجه العصيانات المدنية في السودان حيث لا يوجد قيادة ملهمة توجه عمل الحراك الجماهيري وتلتف حوله الجماهير وتستجيب لدعواته. والمطلوب الآن أن تتبنى العصيان قيادة وطنية تتوفر فيها القيادة الملهمة لتلتف حولها الجماهير على ألا تكون من القيادات العجائزية القديمة التي أدخلت السودان هذا النفق المظلم ، ولا من الأحزاب التقليدية التي فشلت في كل شئ ، "حاكمة ومحكومة ومعارضة". السودان يحتاج الآن إلى كيان قومي جديد بمفهوم جديد ووعي وحس وطني خالص. هذا الكيان الخاص يدعو للعصيانات المدنية ويضع لها الخطط الإستراتيجية ويكون ورقة ضغط على أي حكومة تتولى السلطة في السودان حاليا ومستقبلا ، من خلال إيصال صوت الشعب والجماهير سريعا إلى مراكز اتخاذ القرار والتأثير عليها بشكل مباشر. وعلى هذا الكيان الخاص أن يضع قائمة بالمطالبات الجماهيرية الأساسية ، والقوانين المراد تغييرها ، ووضعها في إطار قانوني جديد لتكون في حيز التنفيذ. يقوم هذا الكيان الخاص بعمل الدعاية اللازمة وسط وكالات الأنباء المحلية والعالمية والترويج للعصيانات المدنية في جميع وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة وتوضيح أهدافها كما يقوم بإبلاغ سلطات النظام مسبقا بحركة العصيان المدني المستقبلية. تحديد الهدف من أي عصيان مدني من أهم الأولويات وتوعية المواطنين بذلك ، وان يعرف الجميع أن الكيان الخاص يتبنى الوسائل السلمية فقط في هذه المرحلة ، كما يجب توعية الجماهير أن العصيان المدني يمكن أن يكون سلسلة من العصيانات المدنية وليس بالضرورة واحدا ، كما يجب منع المتسلقين من القيادات السياسية القديمة من القفز على نتائج العصيان المدني أو تبنيها ليحققوا مصالحهم الشخصية والحزبية. إن عمل كيان منظم لقيادة العصيانات المدنية ووضع الاستراتيجيات العامة يجب أن يكون المطلب الوطني رقم (1) للمواطن السوداني لأنه سيكون الناطق الرسمي باسم مطالب الشعب وحقوقه ، لا البرلمانات العرجاء التي تبدأ عملها باسم الشعب وتنتهي بالانبطاح للنظام الإنقاذي المستبد وتصبح احد أدواته الرئيسية لقهر المواطن. أدعو إلى قيام هذا الكيان ( كيان وليس حزب ) سريعا واقترح أن يكون اسمه ، "حركة المقاومة المدنية- حمم". المهندس/ صفوان الدين رستم باحث ومحلل سوداني 28 – نوفمبر – 2016 م [email protected]