أستاذة الأجيال قمر عبد الله حسابو وفاجعة الرحيل الأليم د/ بشير محمد آدم - مدير إدارة التخطيط الاستراتيجي - جامعة الخرطوم [email protected] حادثتان هزتا الجزيرة أبا الإسبوع الماضي: الأولى وفاة ابننا هرون الطالب في السنة النهائية بكلية الحاسوب بجامعة الإمام المهدي، ابن الدكتور ومعلم الأجيال، أستاذ التاريخ والمؤرخ، الدكتور/ الطيب هرون، الذي مات مطعوناً ومأسوفاً على شبابه. لا أريد الخوض في تفاصيل ما جرى لأن الأمر قيد التحري لدى السلطات الأمنية والعدلية. لم تعرف الجزيرة في ماضيها مثل هذه الحوادث المجانية المفجعة، وظلت مدينة آمنة، مطمئنة بفضل وعي أهلها. الشكر والتقدير للأجهزة الأمنية والشرطية والعدلية التي تجاوبت مع الحدث بأقصى درجات السرعة المطلوبة، حيث أنه في زمن وجيز تم تطويق المكان الذي احتمى به الجناة وتم القبض على المتهمين وتم تحديد الجاني. الشكر أيضاً موصول لأسرة الفقيد وعشيرته وقبيلته التي توافدت إلى الجزيرة أبا من أماكن متفرقة من الولاية ولكن الجموع الغفيرة التي هزتها المصيبة تعاملت مع الحدث بأقصى درجات الحكمة وضبط النفس وتفهمت أن الحادث فردي لا يسأل عنه إلا الجاني. للأسف الشديد تصدرت الجزيرة أبا أخبار وسائط الإعلام وتحسر أهلها الطيبون إرتباط الحدث بمدينتهم، خاصة وأن الجزيرة لم تعرف مثل هذه الحوادث في سابق عهدها. معلوم أن الجزيرة أبا منذ إنشائها كان أهلها يحفظون الأمن فيها دون الحاجة إلى أجهزة أمنية أو شرطية. في السابق لم يكن في الجزيرة أبا حتى نقطة بوليس وكان للأهالي حساسية مفرطة مع الزي العسكري. تغير حال الجزيرة أبا بعد ضربة مارس 1970م خلال العهد المايوي، حيث توافد إليها وبتشجيع من السلطات في ذلك الوقت، عناصر أدخلت سلوكيات لم تكن مألوفة لدى أهالي الجزيرة أبا وانتشرت للأسف بيوت الخمور البلدية ودخلتها ممارسات غريبة ومستهجنة من أهالي الجزيرة أبا. الجزيرة أبا أراد لها الإمام المهدي ومن بعده الإمام عبد الرحمن أن تكون أنموذجاً مصغراً لمدينة المصطفى عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، وقد كانت كذلك، حيث تمت المآخاة بين الأنصار مواطني أبا والمهاجرين الذين وفدوا إليها نصراً للدين، حسبما كانوا يعتقدون. تقاسم أهلي أبا مع الأنصار المهاجرين الأموال والمساكن والمزارع وحتى الزوجات. الآن يتحسر أهالي أبا لما لآلت إليه، ولكن بإذن الله وبتعاون الجميع وبوضع اليد مع سلطات المحلية والولاية يمكن إعادة الإنضباط والتخلص من الأشياء التي تساعد على التفلت وتوطينه. الحدث الثاني الذي هز مجتمع أبا ويعتبر أهم أحداث العام 2016م الذي تتناقص أيامه، هو الرحيل المفاجيء والموت الأليم الذي غيب أستاذة الأجيال قمر عبد الله حسابو. أكاد أجزم ألا أحد في الولاية قدم للتعليم مثلما قدمت المغفور لها بإذن الله "ماما قمر". كان يوم الأربعاء الموافق 7/12/2016م يوماً حزيناً على أهالي الجزيرة أبا قاطبة حيث تناقلت الوسائط وبصورة مذهلة نبأ وفاة "ماما قمر" وكاد البعض لا يصدق، ولكن كعادة أهل أبا المؤمنين بالله وما أن يسمعوا بخبر موت إلا يقولوا "جايز" ثم بعد ذلك يسألوا عن حقيقة ما سمعوه. أصيبت "ماما قمر" بوعكة صحية عادية والتهابات بسيطة، ولكنها جاءت مقرونة بالأجل وبوصول العمر إلى محطته النهائية ونقلت إلى الخرطوم. أحست "ماما قمر" بأنها في أيامها الأخيرة وبأنها لن ترى من فارقتهم بالجزيرة أبا وصارت تكثر من الوصايا لدرجة أن من حولها كان يظن أن تلك "هضربة مريض"، وكانوا يضحكون معها ويقولون لهل "بكرة تكوني كويسة ونحكي ليك كل كلامك ده كلو". كان تشييع "ماما قمر" مهيباً لم تشهد الجزيرة أبا له مثيلاً في الماضي القريب، شيعها الشيب والشباب، الرجال والنساء وطلاب المدارس وحتى الأطفال كانوا في وداعها الأخير. يشهد التاريخ أن "ماما قمر" كانت رائدة من رواد التعليم بالجزيرة أبا والمنطقة تخرج على يديها آلاف الشباب من الجنسين في رياض الأطفال وفي التعليم الأساس، كما تعلم على يديها آلاف من الكبار في دورات محو الأمية التي كانت تشارك فيها بانتظام، كما تعاونت في تدريب وتأهيل وتعليم الأمهات من خلال برامج فرع كلية المجتمع بالجزيرة أبا التابعة لجامعة الإمام المهدي. كانت "ماما قمر" قمراً في سماء التعليم، كما كانت كذلك في الأسرة والقبيلة والمجتمع. قدمت للتعليم بمختلف مسمياته بإخلاص وتفان وحب للمهنة. كانت "ماما قمر" شمعة مضيئة إحترقت لتضيء الطريق للآخرين وكانت قمراً للتايهين دليل. قدمت المثال الحي والقدوة الحسنة لأخوانها وأخواتها ولجيرانها ولمجتمعها ولكل من عرف "ماما قمر". طيبتها تفوق حد الوصف، أخلاقها عالية، تعاملها راقي، أدبها جم، عشرتها حسنة، سمعتها طيبة. كانت " ماما قمر" خصال حميدة وكانت للوعي شايلة رسالة، جابت المنطقة في ترحالا عشان أطفالا. "ماما قمر " كانت لوطنها مفيدة يا ربي في الحسنات تزيدا. طابت "ماما قمر" ميتة كما كانت طيبة وهي حية. سلام عليها يوم ولدت وسلام عليها يوم ماتت وسلام عليها يوم تبعث حية، سلام عليها في الأولين وسلام عليها في الآخرين وسلام عليها في الملأ الأعلى إلى يوم الدين، سائلين الله لها الرحمة والمغفرة والفردوس الأعلى، وكلنا من التراب وإليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم.