ارتبط السودان بجارتيه مصر في الشمال و الحبشة ( اثيوبيا و ارتريا الان ) في الشرق تاريخيا و جغرافيا و ثقافيا و أثنيا ارتباطا وثيقا ذو جذور ضاربة في القدم .و لقد ظلت العلاقة بينهما متقلبة من عداء صارخ كان سببا في كثير من الحروب بينهما الى صداقة و تعاون على اساس المنافع و الظروف التاريخية . لقد جاء الحبش الى السودان غزاة و تجار و مهاجرين و لاجئين و تاركين خلفهم الكثير مما يمكن اعتباره مساهمة مؤثرة في صناعة الثقافة السودانية و حمل العقل الجمعي على تحديد موقفه اتجاههم بوجه عام . لا يحمل العقل الجمعي السوداني انطباعا جيدا عن الاحباش و يعتبر الحبش سلعة رائجة للتهكم و السخرية لدى كثير من السودانيين نتيجة للصورة القاتمة المرسومة للحبش و الاحكام المجحفة البعيدة عن المنطق و العقل . يؤمن كثير من السودانيين ان الحبش ولدوا لكي يخدموا غيرهم و ان حياتهم تفتقر للجانب الانساني و المعنى الاخلاقي ولا تتجاوز حياتهم محطة البحث عن المال و التنسك له مهما كلفه ذلك اخلاقيا و انسانيا و كذلك يعتقدون بان الحبش اقل ذكاءا ممن حولهم من الشعوب و ان كل حبشية عاهرة او مشروع واعد لعاهرة و ان الحبشية و الخيانة الزوجية توأم سيامي لا يمكن فصلهما عن بعضهما البعض او كما يقولون ( الحبشية ما مرة راجل واحد ) و ان الحبش يمارسون الجنس فيما بينهم بطريقة غير ادمية مقززة تصيب الحيوانات في البرية بالغثيان . لقد تم بناء تلك الاحكام و صياغة ذلك الانطباع على اساس حوادث فردية و كثير من المعلومات المغلوطة و عدم التعمق في الفهم للحبش و ثقافتهم . و محاولة لتكريس النظرة الاستعلائية الناجمة من عقدة الافضلية اتجاه الشعوب الاخرى . الحبش بشر لا تقل بشريتهم عنكم ... يألمون كما تألمون ... يسعدهم بعض النجاح كما يسعدكم و تحزنهم الخيبات كما تحزنكم ... يبحثون عن الحياة التي انتم عنها تبحثون و يطاردون شبح السعادة الذي انتم تطاردون .... قواعد الاخلاق و السلوك التي عندهم هي عين ما عندكم و خرقها و تجاهلها يحدث عندهم مثلما يحدث عندكم . قطعا الحبش ليسوا بملائكة و ليسوا بمعصومين مما تجره النفس البشرية لصاحبها و لكنهم مثل غيرهم من الامم و الشعوب بينهم الصالح و السيء و المحسن و المسيء و تعميم الاتهامات لشعب كامل بسلوك فردي او شرذمة - قلت او كثرت - ظلم لا يدانيه ظلم و افك لا يماثله افك . الحبشي الذي يعمل في احد المطاعم الذي يهان و يوبخ على الدوام ليس بغبيا وليس متجمد الاحاسيس او معدوم الكرامة و لكن حال عائلته يلزمه بالتحمل و تدوير الاهانات الى امل يضيء لهم الطريق في رحلة البحث الدائمة عن حياة افضل و القليل من السعادة . الحبشية التي قادتها حياتها البائسة لتعمل بائعة للشاي في اماكن تعج بالشماشة و الذئاب البشرية ليست سيئة و ليست مستمتعة بالتحرش اللفظي و الجسدي و لكن من وراء صبرها تتذوق افواه كثيرة الطعام و بعض اساسيات الحياة . [email protected]