الإنقاذ : - طُويت صفحة ومات حلم - 8 -12 طُويت صفحة الشعارات ومات حلم المشروع الحضاري السلطة السياسية بما فيها من غرور القوة وشهوة العلو في الأرض وحمية الإستكبار على الخلق – هي من أكبر إبتلاءات الدنيا وأخطر الفاتنات عن الدين وأول الفاسقات عن الشرع ، فلا اشد إغواءاً من طاغوت السلطان أو أسرع فساداً من سكرة السلطة أو أدعي للشقاق من أهواء الملك دكتور الترابي (نظرات فى الفقه السياسي) صراعات النظام : تباين الرؤى وإختلاف المقاصد والأهداف :- الحلم الإسلامي وأدوه والمشروع الحضاري نحروه بصراعات النظام من خلال التنازع السلطوي والنزوع التسلطي الذي أدى الى حروب تدميرية وأزمات إقتصادية وعلاقات متوترة مع الجوار الإقليمي والعالمى يدور داخل المؤتمر الوطني كثير من الصراعات الجهوية والإثنية التي تسعى للهيمنة على مفاصل الحزب ولو على حساب الآخرين والشعور بالظلم والتهميش الجهوي تجاه قسمة المناصب في قيادة الحركة الإسلامية والدولة وآلية توزيع الفرص والمغانم ، كان داؤد يحي بولاد هو الذي عبر عن هذا الشعور بالتهميش والظلم وكما قيل الظلم لايشعل ثورة وإنما يشعلها الشعور بالظلم . فقد كان ذلك الخروج المبكر لبولاد والتحاقه بالجيش الشعبي لتحرير السودان بقيادة جون قرنق أبلغ تعبير عن ذلك الشعور ولكن إخوانه في الحركة الإسلامية لم يغفروا له ذلك ، اذ قادوه الى حبل المشنقة بعد أن وقع أسيراً لديهم وأيضاً تمرد د/ خليل ابراهيم وغزوة أم درمان ، وما ترتب عليها من نتائج وتداعيات وإفرازات سلبية سيظل الوطن يدفع ثمنها غالياً حاضراً ومستقبلاً . كما إن تباين وإختلاف الرؤى والمقاصد والأهداف أدى الى صراع بين قمم السلطة نتج عنها إبعاد د / غازي صلاح الدين من ملف قضية الجنوب ليتسلمه نائب رئيس الجمهورية علي عثمان محمد طه ومعه مجموعة نيفاشا التي توصلت الى إتفاقية نيفاشا الكارثية التي أدت الى فصل الجنوب . إلا أن أكثر الصراعات وضوحاً داخل النظام هو ما ظهر بعد توقيع الإتفاق الإطاري بين د / نافع علي نافع مساعد رئيس الجمهورية من جانب المؤتمر الوطني ومالك عقار والى النيل الأزرق من جانب الحركة الشعبية قطاع الشمال ، ذلك الإتفاق الذي قام رئيس الجمهورية بالهجوم عليه عقب صلاة الجمعة من منبر مسجد النور بكافوري وذلك بعد عودته من الصين مباشرة وأيضاً الصراع المكتوم الذي انفجر عبر وسائل الإعلام بين د / نافع مساعد رئيس الجمهورية وصلاح قوش رئيس مستشاريه الأمن حول صلاحية المستشاريه ومتطلبات الحوار مع القوى السياسية فضلاً عن سقوفات الحوار نفسه ولقد تمخض عن هذا الصراع إقالة صلاح قوش ومن قبله نائبه حسب الله عمر من قيادة المستشاريه ، صراعات النظام وإختبار الإرادات بين رموزه والنزوع التسلطي والتنازع السلطوي في الأنظمة الشمولية ظهر جلياً في المفاصلة التاريخية في 1999م وذلك عقب مذكرة العشرة التي تم رفعها لتحجيم نفوذ د/ الترابي والتي أدت الى المفاصلة والإنقسام في بنية الحركة الإسلامية وافرزت المؤتمر الوطني والمؤتمرالشعبي وإنفراد البشير ومن والاه بالسلطة والتي علق عليها جون قرنق ساخراً بقوله (إن الثورات تاكل بنيها ولكن أول مرة تأكل ثورة أباها) في الحلقة 15 من برنامج شاهد على العصر مع قناة الجزيرة ، أقر زعيم الحركة الإسلامية د/ الترابي بأن انتخابه رئيساً للمجلس الوطني ساهم في تفاقم الخلافات وتصاعدها بينه وبين الرئيس السوداني وأبناء الحركة الإسلامية الموجودين في السلطة التنفيذية وقال (( كنت أريد أن أجعل البرلمان يقوم بدوره الحقيقي في صياغة القوانين ومراقبة أعمال السلطة التنفيذية ))، حيث قام البرلمان بمحاسبة عسيرة للوزراء وكشف عدد من قضايا الفساد المالي واضاف أن البشير كره الهجوم الشديد على الفساد الذي يقوم به كبار الموظفين في الدولة وإعتبره تهجماً شخصياً عليه كما غضب من تغيير البرلمان لجميع القوانين التي كانت تتقدم بها الحكومة ومن سعي البرلمان لفرض اللامركزية على نظام إدارة الدولة وأكد ان خلافاته مع البشير إمتدت الى طريقة تعيين حكام الولايات (الولاة) والوزراء وهل يكون بالإنتخاب أم بالتعيين وأن غالبية النواب كانوا يريدون تعيين رئيس وزراء مستقل ، لكن الرئيس رفضه بشدة وإعتبر ذلك إنتقاصاً من صلاحياته . في الحلقة 16 من البرنامج أفاد الترابي أن الإنفصال التام بينه وبين حزب المؤتمر الوطني الحاكم بدأ يوم 10 ديسمبر 1998م عندما تقدم عشرة من قيادات الحزب ابرزهم ابراهيم أحمد عمر ، غازي صلاح الدين ونافع علي نافع بمذكره إلى مجلس شورى الحزب تتهمة بالهيمنة على القيادة بما يضر بهيبة الدولة وطالبت المذكرة بنزع الكثير من صلاحياته ومنحها للرئيس عمر البشير الذي حضر الإجتماع وهو يرتدي الزي العسكري وأشار الى أن المؤتمر العام للحزب انعقد في 1999م وقرر إبعاد الموقعين على مذكرة العشرة من قيادته ولكن الرئيس رد بإصدار قرار بحل البرلمان ومنع دخوله وذلك لمنع تعديلات دستوريه كانت تهدف الى استحداث منصب رئيس وزراء وإنتخاب الولاة . بعد حل اجهزة الحزب وإحتلالها بواسطة الأمن ايقن الترابي بأن المشروع قد إنتهى أما بعد توقيع مذكرة التفاهم مع قرنق فقد تم حل حزب المؤتمر الشعبي وأودع هو وأصحابه المعتقلات واتهامهم بالحرب على الدولة وتقويض الدستور . وأقر بأنه قد ارتكب خطأ كبيراً عندما سلم السلطة الى رجل عسكري بعد ثورة الإنقاذ وقال إن إختيار البشير لعلي عثمان نائباً له بدلاً من على الحاج الذي يمثل دارفور ساهم في إضعاف العلاقة بينه وبين على عثمان وتعزيزها بين على عثمان والبشير . في عموده نصف رأي صحيفة التغيير العدد 32 يكتب خالد التجاني النور قائلاً (إن تاريخ الحركة الإسلامية موبوء بالعقلية (الإقصائية ) وعدم تحمل الآخر حتى ولو كان ابن فكرتك وله منها سهم فعلاً ، ويشهد بذلك المسلسل الطويل من الإنشقاقات والإنقسامات منذ أوائل تأسيسها ، إذ لا تسامح مع الرأي الآخر فأنت لست سوى ترس في آلة صماء عمياء . وإن نموذجها في السلطة لم يكن مصادفة ، وليس لأن من بيدهم السلطة أشرار ولكن ذلك كان تعبيراً واقعياً عن فكرة ومنهج وممارسة) . وأخيراً راكب السلطة كراكب أسد يخيف الناس به ، وهو أشد الناس خوفاً منه . إبن المقفع (كليلة ودمنة) م/ محمد حسن عبد الله [email protected]