كنا و بشغف ننتظر فرسان في الميدان، دنيا دبنقا، صور شعبية، جنة الأطفال، السهرة أياً كانت و الدعايات على بساطتها، و عندما يبث التلفزيون الأناشيد الوطنية لثورتي أكتوبر و مايو كنا نتفاعل معها رغم أننا ثرنا على قائدها و عزلناه. أما دور التلفزيون في ذلك الوقت في أعياد ذكرى استقلال البلاد فكان دورا رائدا و متميزا. قبل الإنقاذ البغيض كانت غالبية الأسر تجتمع حول التلفزيون لمشاهدة البرامج المتنوعة التي كانت لها طعم و بريق خاص يربطك بثقافة السودان و يعرفك بالنبغاء من السودانيين في شتى ضروب الحياة. كنا حريصين على متابعة نشرة الأخبار رغم تذبذب البث و عبارة لحظات و نواصل البرنامج و لكنا ننتظر إلى أن نشاهد النشرة الجوية، الأخبار الرياضية و السهرة. الآن ثمة انصراف كبير عن مشاهدة التلفزيون السوداني الذي أصبح بوقا لا يتميز بحرية و لا استقلالية و لا مهنية إنما ينقل (بالكربون) إملاءات حزب المؤتمر الوطني و السعي الحثيث إلى تلميع الصورة القبيحة التي ارتسمت في أذهان الناس على مدى ما يقارب الثلاثين سنة الماضية. سبب النفور و الجفاء بين المشاهد و التلفزيون أن الأخير فقد مصداقيته و مهنيته بعدما أصبح أداة طيعة لتوجهات و إملاءات النظام الحاكم و قلما يعكس الصورة الحقيقية لمعاناة الفرد السوداني بل ينصرف إلى الأغاني و البرامج الفاقدة للموضوع. و السبب الثاني هو أن تلفزيون السودان ما زال كسيحا غير قادر على مجاراة رصيفاتها من القنوات العالمية في السبق التطويري الآن .. أسألكم بالله سموا برنامجا واحدا جاذبا يعرضه التلفزيون الموصوف بأنه سوداني و قومي؟ إذا أخذنا أحمد البلال الطيب في برنامجه في الواجهة كمنوذج للبرامج السياسية فإنه يطرح أسئلة ناعمة لضيوفه و يحرص على إرضاءهم و إذا أخذنا البرامج الترفيهية و أخص الغنائية فإنها مكرورة و تتزامن مع مصائب و بلاوي البلد .. يعني ناس أفراحهم زايدة و ناس بتألموا .. تلفزيون عنصري من الدرجة الأولى على مستوى المقدمين و المذيعين و الظاهر أن السمرة التي تميزنا كسودانيين لا تعجبهم لذا فكل الوجوه بيضاء (عيني باردة) و لكن كما تدين تدان .. ماذا حدث للزبير نايل و عمار عبدالرحمن و الكتبي عندما التحقوا بالجزيرة؟ نسمعهم صوتا و لا نراهم صورة و تلك حقيقة و بالمقابل أنظر إلى قنوات BBC و CNN باعتبارهما أكثر القنوات شهرة و عالمية .. تجد فيها الأكفاء بغض النظر عن اللون والجنس أو الدين .. هل كانت زينب بداوي لو كانت بالسودان ستنطلق نجوميتها كما هو حادث الآن بلندن؟ و حتى القنوات الموازية للتلفزيون القومي أمثال النيل الأزرق و الشروق تجدهما تضربان في وتر التلفزيون القومي و لا أدل على ذلك من برنامج حتى تكتمل الصورة للطاهر التوم .. يبدو أحيانا منصفا إن كان الضيف ليس من ذوي الأوزان الثقيلة لكنه سقط سقطة كبيرة عندما استضاف البشير و كلنا شاهدنا مدى النعومة و القهقهات و التبسمات المصاحبة للأسئلة التي كان يمكن لها أن تكون على درجة عالية من الحرارة تماشيا مع حرارة المواقف السياسية، الإقتصادية، الأمنية و المعيشية التي تمر بها البلاد. و في الوقت الذي تسيل الدماء في نيرتتي و الجزيرة و الجنينة لسودانيين بالعشرات .. تجد قناة النيل الأزرق تبث برنامج يحدثك عن المكياج و الأزياء و الديكور و لا تعليق سوى أنها تبني جدارا فولاذيا بينها و بين المشاهد الذي طالما أحبها و تسمر أمام شاشتها في بداية الأمر. باختصار، أصبح التلفزيون مسخا طاردا لا يتوقف عنده المشاهد إلا و هو متنقل بين القنوات و أنا شخصيا عندما أشاهد أحد المسؤلين الإنقاذيين و هو يتحدث عن وعود جوفاء و يقحم عبارات إسلامية يريدنا أن نصدقه برسالتهم الإسلامية لا تدرون كم أصاب بالغم و لكن عندما عن غير قصد أقف على البشير و هو بالتلفزيون أجدني أدخل في حالة من (القرف) و الإشمئزاز ما الله عالم به .. لم يعد لتلفزيون السودان رسالة وطنية قومية مثلما لم يعد للجيش دوره مثلما لم يعد للقضاء دوره مثلما لم يعد للبرلمان دوره فالغول الكيزاني أحكم قبضته بكل هذه المؤسسات و وضع على رأس كل منها دمية تحركها كيف و متى شاءت. أليس هذا داعيا كافيا يضاف إلى جملة من القضايا المصيرية التي تستوجب سرعة الثورة على الكيزان و خلعهم اليوم قبل الغد؟ الإجابة ألف بلى و إنّا و رب السماء لماضون و استحلفتكم بالله في قراكم و مدنكم و أحياءكم إذا عرفتم من تم فصله من الخدمة بسبب مشاركته في الإعتصامين السابقين سألتكم بالله أن تدعمونهم و تقفون معهم لأنهم أبطال و لأجلنا دفعوا الثمن غاليا و لكي يدركوا أنهم ليسوا وحدهم. و و إنها لثورة حتى النصر. [email protected]