يتأهب السيد الصادق المهدي للعودة إلى السودان بعد غياب امتد لسنوات، وتكتسب العودة أهميتها من الثقل السياسي للزعيم العائد، فهو رئيس أكبر حزب سياسي، وهو رئيس آخر حكومة منتخبة، كما أنه مفكر إسلامي ينهل من ذات مرجعية النظام بوعاء مختلف. ظل المهدي يدعو طوال معارضته للنظام إلى المقاومة السلمية، ونجح في الدفاع عن خياره بالتذكير بمآلات الخيار البديل العنيف الذي يدخل البلاد في مخاطرة قد تجر الوطن إلى زوال، فكانت دعوته الدائمة إلى تراض وطني يحفظ للجميع حقوقهم في الوطن. أدرك المهدي من البداية أن خياره يحمل مزايا وفيه ثغرات، شأنه شأن كل خيارات الدنيا التي لا تنعقد لإحداها كل المزايا، تاركة لبدائلها كل الثغرات. لذا لم يلتفت كثيرا لمن لا يأخذون الأمر بكلياته، وبقي عند خياره يتبناه ويشرحه ويبشر بنتائجه. ثم كانت محطة الحوار الوطني، فأصبح المهدي -بحكم اتساق الحوار مع خياره المبدئي- أكثر السياسيين تأهيلا للعب دور مؤثر في مرحلة ما بعد الحوار. في جانب آخر، أدرك بعض أركان النظام أن التغيير الناتج عن الحوار الجاد مهدد لهم ولمراكزهم لا محالة، فتحرك أصحاب النفوذ أهل المصالح بالقوة التي تناسب ما يتهددهم، وخططوا بدهاء لإفراغ الحوار من أهم مضامينه بإبعاد أكثر الشخصيات المتمتعة ببعد جماهيري بين المشاركين. استغلوا هجوم الصادق المهدي على قوات الدعم السريع، فصوروا ذلك للرئيس بأنه دليل على أن المهدي يسعى لإضعاف النظام بتجريده من قوته العسكرية الضاربة. انطلت الفرية على الذي دعا للحوار وابتدره، فاعتقل المهدي رغم تلبيته نداء الحوار ورغم تحمله الهجوم الضاري من رفاق له في المعارضة اتهموه بالمهادنة، كان الاعتقال مستفزا، واكتملت الخطة باستجابة المهدي للاستفزاز بابتعاده طوعا عن الوطن وغيابه عن الحوار. خرج الصادق المهدي وتنفس أصحاب المصلحة الصعداء، وأراح ابتعاد المهدي حسن الترابي الذي كان يعرف أن ساحة الحوار لا تحتملهما معا. حاول المهدي خلال وجوده في الخارج الانتقام من النظام الذي رفض خطه السلمي، وذلك بخلق (توليفة) بين طرحه السلمي والعمل العسكري الذي تتبناه الجبهة الثورية. كان طبيعيا أن تفشل مثل هذه المحاولة المستحيلة، فقد بقي حملة السلاح عند خيارهم المتماسك خطأ كان أو صوابا، وفقد المهدي خياره المتماسك. لم يبق للمهدي غير أن يعود لخياره المتماسك، يعزز إمكانية نجاحه في هذه الفرصة الأخيرة فشل أصحاب المصلحة في تسويق بديلهم الهزيل، إذ بقيت الأزمة السياسية تراوح مكانها، كما يعزز فرص النجاح غياب الترابي الذي كان منافسا لا يريحه وجود المهدي لاعبا أساسيا في الميدان السياسي.; العرب