عندما كتبت سلسلة مقالات تحت عنوان (الراسمالية تحفر قبرها بيدها ) تلقيت عدة تعليقات، استوقفنى منها من قال ساخرا : لماذا اذن تهاجرون الى بلدان العالم الراسمالى ؟ ورددت يومها باننى لم أقل ان الرأسمالية قد ماتت بالفعل ، ولكنى قلت انها بدأت تحفر القبر استعدادا للموت . ولابد ان ذلك المعلق يمثل الكثيرين الذين يرون من ظاهر الاشياء ان الراسمالية قد انتصرت على الاتجاه الآخر ، أو على الاقل ان الحديث عن موتها يأتى من من له علاقة، بذلك الاتجاه الآخر، بما يجعله موضع شك. ولعل من قرأ تلك المقالات يذكر اننى كنت آتى دائما بأقوال على طريقة شهد شاهد ... . فى هذا المقال أريد ان أذهب ألى أبعد مماذهبت اليه فى تلك المقالات ، كما يتبين من عنوان المقال . وسأذكر كثيرا مما جاء به أحد فطاحلة الاقتصاد والمال فى أمريكا ، بل من كان ولايزال أحد كبار المستشارين للدولة الامريكية ممثلة فى وكالة الاستخبارات المركزيه ووزارة الدفاع وغيرها من القمم . ذلك الشخص هو مؤلف عدة كتب من اعلاها مبيعا وآخرها الكتاب بالعنوان أعلاه : الطريق الى الدمار ! وهو السيد جيم ريكاردز . بعد ان قرأت عدة مقالات لجيم حول موت النقود والاقتصاد الصينى فى طريقه الى الانهيار وعن حرب العملات ، أقرأ له الآن كتابه صاحب العنوان أعلاه ، وهو الذى سيكون المرجع الاساسى لمقالى ،وقد حاولت الاتصال ببعض من بيده الامر فى بلدانناالعربية لايصال هذه المعلومات المتاحة، ولكننا كالعادة لانسمع الصايحة الا فى ضحى الغد ، خصوصا اذا أتت من أمثالى من من يأكلون الطعام ويمشون فى الاسواق . والى الموضوع على أى حال : أوباما يعد المسرح : يبدأ المؤلف حديثه بخلفية معلوماتية كارثية عن الحال الذى وصل اليه الاقتصاد الامريكى بعد ثمانى سنوات من حكم أوباما الذكى : - بلغ الدين الداخلى للولايات المتحدة 20 ترليون دولار ! الزيادة التى تمت فى عهد اوباما تساوى أكثر مما حدث خلال عهد ثلاثة واربعين رئيسا سابقين ! - طباعة الدولار – وبدون غطاء من أى نوع – بلغ خمسة اضعاف ماكان عليه قبل عهدى أوباما ! - خرجت أغلب الصناعات الانتاجية الى الخارج ، بحثا عن اليد العاملة الرخيصة ، وبالتالى الارباح العالية . - انخفضت المرتبات للعاملين فى الداخل لنفس الاسباب أعلاه ، اذ اصبح امام العامل الامريكى القبول بالمرتب المتدنى أو فقدان العمل لصالح عمال الصين وغيرهم ! - لهذه الاسباب تدنت القوة الشرائية فى الولاياتالمتحدة ، وحتى يمكن استمرار الدورة الاقتصادية – انتاج / استهلاك / فانتاج – كان لابد من وسيلة لرفع القوة الشرائية . حدث ذلك بفتح الباب للاقتراض بأوسع مايمكن ، وبالتالى امتلأت خزائن البنوك بالنقود المطبوعة على قفا من يشيل ، بل وانقذت بنوك كبرى من اعلان الافلاس ، وكذلك شركات من امثال جنرال موتورز للسيارات عقب الازمة المالية الطاحنة فى 2008 ! ثم أتى ترامب : لم يأت ترامب من فراغ ، بل انه أتى لمخاطبته مخاوف الامريكان الحقيقية . وعد ترامب باعادة الصناعات الهاربة الى الداخل . ولاأعلم أى عصا سيستخدم لهذا الغرض وفى مواجهة المبدأ الرئيس للرأسمالية : الحرية لراس المال ليذهب حيث يشاء وراء تعظيم الربح . كذلك خاطب قضية الصرف على الخارج فى شكل معونات او لتغطية نفقات الحروب ..الخ .وهنا ايضا نتسائل : متى كانت المعونات الامريكية عونا لمن أخذها ؟ ألم يثبت ان أغلب هذه المعونات تذهب الى جيوب بعض اهلها فى شكل خبراء ويذهب الباقى الى جيوب المساعدين فى الداخل ؟ وكذلك : ألم تستخدم الحروب الامريكية فى سبيل الحصول أو الابقاء على النفوذ السياسى وبالتالى الاقتصادي للولايات المتحدة . النموذج الصارخ فى هذا المجال هو حرب العراق ! وذهب ترامب الى أكثر من ذلك فى مخاطبة المخاوف بالحديث عن الارهاب الاسلامى وايقاف الهجرة حتى من اقرب الجيران : المكسيك / ونسى خيرات المكسيك على امريكا ، ابتداء من العمالة الرخيصة جدا الى التبادل التجارى غير المتكافئ ..الخ هل ستنفع وصفات ترامب أو أى وصفات اقتصادية أخرى : يقول ريكاردز : ان ماكان ممكنا فى عهد أوباما لم يعد ممكنا . بل يذهب الى انه قد فات الاوان على أى اجراءات انقاذية– Too late – ولماذا ؟ أولا يقول : ان الدين البالغ 20 ترليون ، لم يعد لدى حكومة الولاياتالمتحدة مايسده ، فقد أصبح من المستحيل الاستمرار فى سياسة اغراق السوق المحلى والخارجى بهذه الاوراق الخضراء التى لم تعد لها قيمة حقيقية . وسنعود لهذا الجزء كثيرا لنرى مايعتقد ريكاردز انه سيكون الحل المدمر ، وكذلك لنرى أثره على المرتبطين بالدولار فى الخارج ، وما أكثرهم وأقربهم ! وكذلك أثره على وضع الدولار كعملة عالمية . ثانيا : أصبحت البنوك والشركات التى تم انقاذها ابان أزمة 2008 أكبر من ان يمكن دفع ديونها ، وبالتالى فلم يعد امامها غير الانهيار. ثالثا : لقد بلغت الديون الخاصة حجما لايمكن الايفاء به من قبل المدينين ولا اعفاؤه من قبل الدائنين . وهكذا يصبح الوضع معضلة تبدو بدون حل . وهى فى الحقيقة كذلك . غير ان السيد ريكاردز يأتينا بما يعتقد جازما بانه سيكون الحل الذى ستلجا اليه النخبة المالية فى امريكا والعالم ، ويقول انه ليس حلا مبتكرا بل هو حل لجات اليه هذه النخبة (الرأسمالية ) أكثر من مرة فى تارخها القريب . وسيكون هذا هو موضوع مقالنا القادم . فالى الاسبوع القادم والحل المذهل !!