استمرارا لمقالاتى السابقة حول هذا الموضوع جاءكم الدليل العملى بفوز الملياردير ترامب والذى فاجأ الجميع بمافيهم هو نفسه . والدليل على انه تفاجأ مثل الآخرين هو انه كان قد قال قبل نهاية العملية الانتخابية بانه لن يعترف بنتائجها ان لم يفز لانها ستكون قد زيفت ! ولا اريد ان اتحدث عن مزاياه الشخصية التى يعتبرها البعض لاتتناسب مع رئاسة اقوى بلد فى العالم ، وذلك لان جورج بوش لم يكن أكثر ذكاء ، فترامب قد بنى امبراطوريته المالية بذكائه . ولكن اريد ان ابرهن على ان فوزه يضيف الى اعتقادى بان الراسمالية تسرع من نشاطها فى حفر القبر ! واستمرارا لنهج شهد شاهد من اهلها فسأورد شهادتين لشخصين متخصصين كل فى مجاله ولايجرح شهادتهما بانهما، اعداء للنظام من شاكلة أهل اليسار وما الى ذلك ، بل هما يعملان فى قلب النظام ويتأسس نقدهما على الفكر الرأسمالى نفسه : الشاهد الاول من متخصصى الطب البديل)( Alternative Medicine)وقد قرأت لهم من قبل الكثير حول الحرب القائمة بينهم وجماعة الطب التقليدى ، وعلى راسهم مصنعى الادوية المدعومين من الدولة . وقد وجدت فى كل ما قرأت لهم قولهم ان اغلب الادوية التى تنتجها المصانع الكبرى ليست بالفعالية المدعاة ، وانه احيانا تكون اعراضها الجانبية أسوا من مايفترض ان تعالج ، وان كل ذلك يحدث بعلم بل ومساندة الحكومة الامريكية ممثلة فى ال FDA وهى الجهة المصدقة للادوية والى تحصل على المليارات لقاء تصديقاتها . غير ان ذلك الشاهد اورد حديثا عجبا فى ليلة الانتخاباتالامريكية الاخيرة ، فقد أدعى ذلك الشخص ان احد المرشحين يمثل مجموعة متآمرة من صناع الادوية ، وانها هى التى دعمت ذلك المرشح فى كل خطواته السياسية السابقة بالمال وبغيره ليصل الى ان يكون احد المرشحين لرئاسة الدولة الراسمالية الاولى . وقد أورد ذلك الشخص من الادلة وبالارقام التاريخية والمالية الكثير وذلك فى سبيل اقناع الناخب الامريكى بعدم التصويت لذلك المرشح . وهذا يؤكد ماذهبنا اليه سابقا من ان الراسمالية فى مرضها الذى سيعقبه موتها ،لم تعد تعمل بمبدأ laissez Fair الذى كان ساريا وفعالا فى شبابها. الشاهد الثانى من أهل الرأسمالية ، وهو من كبار خبراء المال فى امريكا ، يتحدث عن الاسباب التى جعلت الناخب الامريكى يصوت لترامب بالرغم من كل ما قيل عنه بالصوت والصورة بل وكل ماقام به هو شخصيا من افعال تجعل المرء يظن انه رشح نفسه فقط من أجل الظهور والدعاية لاعماله ، ولم يكن يظن ان المسألة ستنتهى بدخوله البيت الابيض كسيد له ! غير ان هذا الشاهد من اهلها يرى ان هناك سببا موضوعيا وجيها أدى الى هذه النتيجة وهو : السياسات الاقتصادية لفترتى جكم اوباما ، حيث يقول :( خلال السنة الماضية دفع أكثر من 70 مليون شخص ليصوتوا للتغيير الدرامى ،أى لنهاية الحروب والتدخلات الخارجية بدون معنى وللسياسة الاقتصادية القائمة على أساس الفقاعة داخليا . الاخيرة امطرت النخبة فى وول ستريت مبالغ مالية هائلة ، فى نفس الوقت الذى تركت فيه 90% من الامريكيين فى المؤخرة ، حيث ظلت الاسر تكافح مع المرتبات الراكدة والوظائف غير المتوفرة وتكاليف العناية الصحية متواصلة الارتفاع ومستوى المعيشة المتراجع والامل المتدنى فى المستقبل ) وأقول من جانبى ان تفسير هذا يقع فى ان الاقتصاد الراسمالى الجارى وراء الربح اينما وجد وكيف وجد ، قد أدى الى هروب رؤوس الاموال قى شكل الصناعات الاساسية الى بلدان الشرق الاسيوى حيث العمالة الرخيصة المدربة ، وأصبح الاقتصاد الامريكى يعتمد على الخدمات المالية وغير المالية والتى لاتتطلب عمالة كبيرة وهى بطبيعتها ذات طابع عولمى . وهكذا صارت الاستدانة هى ملجأ الدولة والافراد لخلق طلب استهلاكى كبير وغير حقيقى لاستمرار دوران عجلة الاقتصاد ولو شكليا . ويواصل شاهدنا شهادته فيقول : ( فى سنوات أوباما الثمانى ارتفع الدين المحلى بمقدار 10 ترليون دولار – تقريبا قدر ماحدث على عهود ال43 رئيسا سابقا فى 220 عاما !- وتوسعت ميزانية الفيدرالى الامريكى الى خمسة اضعاف ماكانت عليه ، وهى اكثر مماحدث خلال 94 عاما من وجود المركزى الفيدرالى ، "وهذا يعنى كميات فلكية من طباعة الدولار دون تغطية ذهبية أو انتاجية" . أدى هذا الى خلق رفاهية فى الطبقة العليا ومكاسب مالية تصل الى 25 ترليون دولار للمقامرين فى وول ستريت وطبقة مالكى الاصول فى أعلى السلم الامريكى.) السؤال : ما علاقة هذا بانتخاب ترامب ؟ يقول شاهدنا ان ماحدث فى فترتى أوباما قد أوضح لاغلبية الشعب الامريكى مضمون لعبة كبار الرأسماليين والسلطة ، سواء كان الرئيس جمهورى أو ديموقراطى ، أبيض أو أسود أو حتى من الهنود الحمر أصحاب الارض الاصليين ، وقد ظهر ذلك بشكل واضح فى فترة حكم اوباما ، كما بين خبيرنا فى الفقرتين الماضيتين . ولذلك قرر الناخبون ان يأتوا بأحد كبار الرأسماليين بشكل مباشر وليس من خلال ممثل ، كانوا يظنون انه قد يقف الى جانبهم ولو جزئيا أمام طغيان رأس المال فوجدوا انه يغازلهم ببعض كلمات ولكنه خادم لرأس المال فى نهاية الامر مثله مثل غيره. فلعل هذا الاصيل يستخدم دهاءه الذى بنى به امبراطوريته الماليه فى اصلاح الحال الاقتصادى المائل . وقد نجح ترامب تماما فى مخاطبة مخاوف القوم مركزا على سياسات الداخل ، ملخصا الامر فى جملة واحدة : اعادة العظمة لامريكا . ولايهم ان كان ذلك من خلال طرد المسلمين او غيره من الاجراءات ذات الطابع العنصرى ، مثل بناء جدار يعزل المكسيك " وبالمرة اللاجئين السورييين " أو من خلال التوقف عن مساعدة الدول الاخرى ..الخ . وقد وضحت هذه الرؤى من خلال عدد من اللقاءات التلقزيونية العفوية مع بعض الناخبين من البشر العاديين. ان انتخاب شخص مثل ترامب يمثل القشة التى ستقصم ظهر البعير الرأسمالى ، اذ يجئ والمسرح معد لازمة اقتصادية ، بالرغم من انهم يصفونها بالمالية ،الا انهم يؤكدون بانها ستكون أقسى من الازمة الكبرى 1929 .... وعندئذ لن ينجح حتى شخص مثل كينز ، ناهيك عن السيد ترامب ،فى ان يقدم من المعالجات ما ينقذ النظام الرأسمالى ،الذى دخله " الما بتداوى" ، كما يقول حكماء اهلنا البسطاء.