قبل زمن غير بعيد من انفصال الجنوب عن السودان كان الجيش السوداني يعج بالاكثريات من قبائل السودان من غير اهل الشمال (العرب) فكان وجود النوبة ملحوظ وايضا قبائل الجنوب كلها . ولا اذكر وجود القبائل من غرب السودان في الجيش كثيرا . قد يكون هذا لعدم اهتمامهم بالجندية وانشغالهم بالرعي والتجارة عموما. ومثلهم اهل الشرق من البجا والبني عامر ومجموعات مايسمي(الرشايدة) او الزبيدية فهم ايضا من صنف اهل الغرب رعاة او تجار . وليس فيهم حب الانضباط والتقيد اما براتب او بمكان وليس في كل هذا مايعيب . وبعد انفصال الجنوب حدث شبه فراغ في القاعدة العسكرية من طبقة الجنود وصف الضباط . وليس الظباط طبعا لان هذه الرتب موجودة لملئها من اهل الشمال (العرب) او ممن كانت له يد او قربي منهم . الحكومات تحكم اما بالعدل والقانون او بالجلد الترهيب وكلاهما يحتاج الا يد تنفذ .وهذه اليد هي الجند. وعدم وجود الجنود الشرط قد يؤدي بالحكومة الى الضياع . فقد اختارت حكومة الانقاذ ان تدخل نظام المماليك . فالمماليك ليسو عبيدا ولكنهم احرار استجلبوا من مناطق اخري تكون اقل حظا من ناحية العلم والوعي والاستقرا.وتمت تربيتهم وتدريبهم على فنون القتال حتي يكونون عونا للحكام . لأن الحكام الذين استجلبوهم, لم يكن لديهم قاعدة عسكرية ينفذون بها القانون او الجلد والترهيب . لقد فعل هذا سلاطين مصر والشام فانقلب عليهم المماليك واخذوا الحكم كله . مع ان اغلب المماليك كانوا من اهل الورع والتقوي ولهم يد سابقة في منع بلاد الاسلام ونصرة الدين . لكن المماليك بطبيعتهم البشرية والتكوينية والتربوية والسيكولوجية فهم اولا مقاتلون وهمهم هو الحكم وليس التحكيم . فوجودهم مرهون بالحكم . فإن كانوا خارجه اي الحكم , صاروا اناسا عاديين. او قل اقل من ذلك. نسبة لان مواطنهم غير معروفة في الاصل وليس لهم نسب يفتخرون به ولا جاه يلجئون اليه ولا مال الا ما قد يعملون من اجله . فذلك كله يجعل من المملوك رهين الحكم . وبعد ان يقتدر المملوك يلجأ الى توطيد نفسه كما فعل كل المماليك في مصر والشام . ينقلبون على حكامهم ويصيرون حكاما وهم بدورهم يستجلبون مماليكا وتدور دورة الزمان وهكذا دواليك .. ومن الامثلة في هذا الامر الامام المجاهد محمد احمد الملقب بالمهدي . فقد استجلب هو ايضا من اهل غرب السودان ممن يسمون الانصار فوطد لهم ملكا . ودارت دورة الزمان فكان لهم نصيب من الملك بزعامة الامام المجاهد الشهيد عبدالله التعايشي . ولولا انقطاع اجل الدولة المهدية لكان من الممكن ان نري احفاده اليوم في الحكم . ومن هذا الباب نرى جليا ان الحركة الاسلامية في السودان فقدت مكونات كبيرة من الشعب السوداني المتمدن ككل ,التي كانت هي المحرك الداخلي للجيش والشرط . ففقدتها لاسباب عدة منها اقتصادي ومنها مبدئي ومنها عدم الرغبة في ذلك النوع من العمل . فكان التوجه الى المماليك الجدد. فقد استجلبت الحكومة الاسلامية مايسمي بقوات الدعم السريع وكونتهم ودربتهم حسب رغبتها وهم مثل جيش الانكشارية التركي . يؤتى بهم ويمنحون الاوسمة والنوط فهي تقوم مقام الجاه والسلطان ويمدون بالاموال . وهؤلاء بدورهم يقومون مقام الحراسة وتنفيذ مالايطيق بالجيش والشرطة فالجيش والشرطة مرتبطان بعقيدة حماية الوطن والمواطن والمماليك مرتبطون بحماية المالك او الحاكم . ولو اننا نقرأ من التاريخ شي فانه يردد لنا لامحالة مكومون في يوم ما بما يسمى قوات ابو طيرة . وليس المشكلة ان من يحكم ولكن المشكلة ان كيف سيحكم . فقد يكون من قوات ابوطيرة من هم اعدل واسمح واحق بالملك ممن سبقوه . القضية هي التحكيم . فالتحكيم غير الحكم . التحكيم هو العقد الرابط بين الرعية والحاكم . فان ارتضى الحاكم ان يحاكم بضم الباؤ ويحاكم بكسر الكاف . فقد امن لشعبه حياة كريمة . ولكن نسبة لان الحاكم من نوع المماليك حتي وان كان صالحا , تصعب محاكمته لانها قد تؤدي له الا الخروج من الحكم . وهذا اصل في وجوده فوجوده مرهون بالحكم . وكل تهديد له يكون مدخل لحرب بينه وبين الشعب . نسأل الله ان يجنب السودان اهوال الحرب والشتات. [email protected]