كنت في مقال سابق قد كتبت عن كيف هزم الروم الفرس واستردوا صليبهم المقدس الذي أخذه كسرى لإهانة الروم وكيف فرح معسكر الكفر في ذلك الوقت لنصر الفرس، وقد نزل في ذلك قرآن كريم. واليوم أود أن أورد قصة من صميم التاريخ الإسلامي وهي قصة العالم الإسلامي المجاهد العز بن عبد السلام. المغول قضوا على حاضرة الإسلام بغداد ودمروها، وجعلوا من كتب مكتبة بغداد جسراً عبروا عليه نهر الفرات... دمار شامل تعرضت له الدولة الإسلامية في الثقافة لدرجة أن الوهن أصابها، فقد كان الجندي المغولي يقف أمام صف من جنود المسلمين ويقول لهم انتظروا هنا ولا يتحرك أحدكم حتى آتي بسيف اقتلكم به، وهنا يتبّرع أحد الجنود بسيفه للمغولي ويعطيه إياه ليقوم بعملية القتل. كان للعز بن عبد السلام عليه رضوان الله الدور الأكبر في تعبئة المسلمين الذين أصابهم الوهن، فعمل على تعبئة المسلمين وقد بدأ بالحكام، الذين أجبرهم على الإنفاق وأخذ ثرواتهم لتمويل الحرب ضد المغول، المماليك كانوا يحكمون مصر في ذلك الوقت وكم كانت له معهم صولات وجولات فقد كان العز بن عبد السلام عالماً مهاباً تعمل بفتواه كل الدولة الإسلامية من أقصاها إلى أقصاها حتى أنه أصدر فتوى بعدم شرعية حكم المماليك وثار كبيرهم وقاد جيشاً ضخماً لقتل العز بن عبد السلام الذي كان وحيداً. خرج بن عبد السلام إليهم شاهراً سيفه فتراجع الأمير وأمر جيشه بالرجوع والانسحاب وعندما سُئل لماذا أنسحب أجاب بأنه رأى جيشاً خلف العز لم يشهد مثله من قبل فأصابه رعب شديد وانسحب خوفاً على نفسه وجيشه، في حين أن العالم بن عبد السلام كان وحيداً. كان تمويل الحرب هو المعضلة، خزينة الدولة فارغة تماماً كما كانت أيام قيصر، لكن خزائن أمراء المماليك كانت مكتنزة مليئة بالمال والذهب والجواهر، أمر بن عبد السلام كل الأمراء باحضار ثرواتهم دعماً للجهاد ضد المغول لنصرة الإسلام فاستجابوا، وبدأ في تشكيل الجيش الذي قاده قطز وكان الشعار المدوي وآإسلاماه هو الذي أشعل الحماس في قلوب المسلمين فكان الانتصار المدوي على المغول الذين لم يعرفوا طعماً للهزيمة منذ أن خرجوا من الصين بقيادة جنكزخان وابنه هولاكو الذي دمّر بغداد حاضرة الدولة الإسلامية لم يعرفوا للهزيمة طعم إلا على يد الداعية المجاهد العز بن عبد السلام عليه رضوان الله والقائد قطز. وبعدها لم تقم للمغول قائمة.. جنكيزخان كان منغولي الأصل، خرج بمجموعة من منغوليا إلى الصين وأبرز هناك مواهب عديدة حتى أن إمبراطور الصين طلب منه البقاء معه للاستفادة من قدراته العسكرية والقيادية، لم يقبل جنكزخان وقرر الهرب من الصين، وبالفعل تمكّن من الهرب وعاد إلى منغوليا، وكون جيشاً عظيماً قضى على كل أرض مر بها. وجد مقاومة عنيفة في أفغانستان حتى أنه جاء في التاريخ أنه صنع هرماً من الجماجم بلغ تعدادها ثلاثمائة ألف جمجمة وكان هذا تعداد الجيش الذي قابله. التاريخ يقول إن إنقاذ إمبراطورية الروم والدولة الإسلامية جاء من موارد ذاتية من داخلها. لم يطلب قيصر قرضاً أو سلاحاً من دولة أخرى، بل عرف أين يذهب فذهب إلى الكنيسة وطلب الدعم المادي. كما لم يلجأ العز بن عبد السلام إلى خارج مصر يطلب العون المادي لتهيئة الجيش بل كان يعرف أين تختبئ الثروة، فاتجه إلى الأمراء وأخرج منهم ما اكتنزوا من مال، ولم يطالب بفرض ضريبة على الشعب، بل طلب منهم التصدق بما يستطيعون. ونحن جربنا الضرائب والدمغات بمختلف المسميات والخصم من المرتب، ولكننا لم نجرب ما جربه العز بن عبد السلام الذي عرف بيت القصيد فتوجه إليه دون تردد.. الأموال التي يجري تجنيبها في الوزارات والتي طالما تحدث عنها المراجع العام حتى بح صوته والحسابات في البنوك داخل وخارج السودان هي ذات الثروات التي كان يقبض عليها أمراء المماليك، وقد تحولت بفضل العز بن عبد السلام نصراً للإسلام وإنقاذاً للمسلمين.كم تبلغ استثمارات بعض السودانيين في ماليزيا والخليج العربي عشرات المليارات عشرة في المائة من هذه الاستثمارات كفيلة بإخراج السودان من أزمته المالية القاتلة، بالإضافة إلى تشكيل جيش قوي يحمي حدوداً طاشت معالمها رغم الوثائق الدامغة التي تؤكد أحقية السودان لها. والشعب السوداني شعب ذكي وشجاع يقدم كل شيء في سبيل حماية أرضه وعرضه وعقيدته فقد قدم ذلك في كل المعارك وليس آخرها هجليج، يقدم كل هذا أن شهد في قيادته إخلاصاً قولاً وفعلاً، وإن شهد هذا فإنه سوف يتوجه للقيادة راكضاً، أما إن ظلت القيادة على حالها فإن الجملة البغيضة التي تأخذ مكانها هي «ملعون أبوكي بلد»... لقد كفى العلامة العز بن عبد السلام الأمة الإسلامية شر الفناء وكان وحده ولكنه فعلها فقد أيقظ ضمير الأمراء فأتوا بالثروة التي نصرت جيش الإسلام، وهؤلاء كانوا مماليكاً، فكيف يظل الأحرار نياماً والخطر يهدد الدولة من كل حدب وصوب؟.