في الحوار الذي اجراه محمد نجيب مع الكاتبه ايماض مهدي في صحيفه الرأي العام قبل أسبوع كان الحديث يرتكز علي تجربه الكتابه ( ماوراء الكتابه ..ماقبل ومابعد الكتابه) فكان الحوار يفكك فكرتي الكمال والنقصان ( المحو والاثبات) في همهمات النص وفي بوحه اوفي اتقان الكمال وتدويره الشكلاني ,تجربه الكتابه عند ايماض هي تحويل الافكار الي تجربه معيشيه , فالكتابه هي تلك الحركه التي تنقل الافكار من الجسد الي اليد. حيث تتجسد الرؤي في صور ومعاني , فتجعل الكتابه اللامرئي مرئيا. ومافعلته ايماض هنا فعله كتاب كثيرون غيرها في تاريخ الادب الانساني . ( رفضها لبداياتها) كتبت فرانسواز ساجان روايتها( صباح الخير ايها الحزن) مستعيده مقطعا من قصيده ( ستيفان مالارميه) حيث حول مالارميه الفكره من التجريد الي التجسيد.. اي انه جسد الفكره من خلال تجسيدها وجدانيا وذات مره سألني الكاتب العظيم الطيب صالح عن كتابي ( ريش الببغاء) فقلت (لاأحبه) سألني .. لماذا؟ لا احببته .. لأنه ملئ بالثقوب , قال ... ولكن الكاتب المبتدئ يجئ بكل عالمه ها هنا في( البدايات التي لاتنتهي أبدا) وكان نجيب محفوظ يقول ( أن الكاتب لايمتلك سوي فكره او اثنتين .. وربما ثلاث يظل يكتب ويلف ويدور حولها الي ان يموت . وفي ذات السياق تقول سيمون دي بفوار( ان الطفل يختارالرجل الذي سيكون ولكن الرجل لايستطيع اختيار الذي كان) والمفارقه هي ان الانسان الناضج ليس لديه حريه في ان يختار ماضيه مره اخري ومن جديد وهذا بالضبط ما تمثله ( محرقه ) ايماض مهدي الروائيه. لقد اقامت ايماض حفلا للحزن.. تراجيديا متكامله للتناقض بين الكمال والنقصان وللخراب الذي ينخر في نسيج الحياه .. وفي كل فعل بشري لقد صدمت هذه الصوره الوجوديه التراجيديه الكاتبه لانها لاتزال تحيا في زمن البراءه ولم تدخل فضاء النضج الذي تقوم رؤيته الفلسفيه لافاق مافوق الواقعي والمرئي وهذا يعني ايضا ان ايماض قد قطفت ثمار تجربتها قبل أوان النضوج وهو ذات مافعله الكاتب التشيكي فرانز كافكا عندما طلب من صديقه أرنست فشر حرق كل اعماله الادبيه بعد موته ولكن فشر لم يفعل وبذا حفظ هذا التراث العبقري للانسانيه هكذا خرجت ايماض مهدي من فضاء الفعل الايجابي .. الي صخب الفعل المدمر كنوع من الاشفاق علي الذات ومطالبه الاخرين بالتعاطف كنوع من تكالبات الذات بتثبيت وتأكيد امتيازات الطفوله.. ان نبكي علي اكتاف الاخرين الشفوقه .. وكل هذا لان الكتابه هنا لاتحمل خريطه طريق .. وأن ايماض مهدي لم تنطلق من محددات بل من مصادفات وهذا هو الدرس المحوري الذي تنبني عليه تجربه الكتابه . [email protected]