ذكرنا في الجزء الأول أن بروفيسور "نوبواكي نوتوهارا" - كاتب و مترجم و أستاذ جامعي ياباني، درس الأدب العربي في جامعة طوكيو، ثم مدرسا فيها للآدب العربي المعاصر. عايش العرب حوالي 40 عاما. وفي عام 2003، كتب كتابا كاملا إسمه "العرب من وجهة نظر يابانية" يتحدث فيه عن انطباعاته عن العرب و التي تلخص كثيرا من الواقع العربي، وما يلي أهمها : أولا: العرب (متدينون) جدا، و(فاسدون) جدا. نقول أن للفساد معايير متعارف عليها عالميا. الأديان من المفترض أن تدعوا لمكارم الأخلاق، وقد جاء عن الحبيب صلى الله عليه وسلم بأنه بعث ليتمم مكارم الأخلاق. بالتأكيد الفساد ليس من مكارم الأخلاق، وقد جاءت الأديان لمحاربته. اسلامنا يعتمد على أن المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده. وأن الايمان ما وقر في القلب وصدقه العمل. وأن من غشنا ليس منا. وأن الصلاة عماد الدين فمن أقامها أقام الدين ومن تركها ترك الدين. وأن من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا صلاة له. لا أحد يستطيع أن ينكر أن الفساد انتشر بيننا في كل الدول الغربية والاسلامية. وترتيبنا عالميا يأتي في قمة القائمة وبالنسبة للشفافية في قاع القائمة. غالبيتنا يصلي ويداوم عليها. المساجد منتشرة بكل الأحياء ويؤمها اعداد لا باس بها. صلاة الجماعة في كل ركن من اركان الأسواق والأحياء. غالبيتنا يقرأون القران بصفة يومية أو يستمعون اليه بإذاعات القرآن الكريم. نادرا ما نجد من يفطر رمضان، بل أن الكثير منا يصوم الأثنين والخميس. عدد ضخم يحج كل عام واعداد أخرى تعتمر على الأقل مرة في العام. تنتشر خلاوى القرآن بكل ربوع البلاد. من عليه زكاة يدفعها بطريقة أو أخرى، ومنا من يتصدق كل ما حانت الفرصة لذلك. كل هذا ما يعتبر تدينا. فأين النتيجة؟ هل نتمسك بالقشور في ديننا مع عدم القناعة بالهدف من كل ركن من اركانه؟ هل نتاجر بالدين بمعنى أن نقرأ القرآن حتى نكتسب من كل حرف حسنة؟ هل نحج حتى نقوم بمسح كل ما ارتكبناه من ذنوب وعن عمد ؟ لماذا نتعمد الفساد والسرقة والزنا وشرب الخمر والتلاعب بالمال العام وظلم الأخرين وأكل مال الناس بالباطل وعقوق الوالدين، ثم نقوم بالحج حتى نعود كما ولدتنا أمهاتنا بعد كل ذلك الفسق والفساد؟ هل يغلب الطبع التطبع أم العكس هو الصحيح. نمسك بالمسبحة طوال اليوم ونسبح وفي أول مواجهة مع شخص ما نسبه ونلعن سنسفيل أجداده، بل قد نسبه أمام الجميع ونرفض اعطائه حقه ونقول له اركب اعلى ما في خيلك، واصابعنا تتلاعب بحبات المسبحة. بصراحة الدين بالنسبة لنا تجارة. نحن نحاول وضع رصيد لدى الخالق ونمارس كل أنواع الفساد، فقد تخصم من رصيدنا، لكن حسناتنا التي جمعناها من قراءة القرآن والتسبيح والصلاة والصيام...الخ ستنقذنا من النار بإذنه تعالى وبرحمته. نحن نعتقد أننا تجار شطار حتى في الدين وهذه هي قمة الفساد والانفصام في الشخصية. فالفساد عندنا مبرر ونستطيع أن نتخارج منه!!!!! الياباني لم يخطئ ، وعلينا مراجعة معرفتنا بالدين. ثانيا: الحكومة لا تعامل الناس (بجديه)، بل (تسخر) منهم و(تضحك) عليهم. هل تريدون أمثلة لما جاء أعلاه أم أترك لكم هذه المساحة ليدلي كل منكم بدلوه فيها؟ القادة العرب يعشقون الكذب وخداع الجماهير واللعب بمشاعرهم وعواطفهم وكرمهم وحسن نواياهم، سواء كانت حكومات ملكية أم جمهورية، يمينية أم يسارية، ديموقراطية أم عسكرية شمولية. ما أن يجد المسؤول وسائل الاعلام أومكبرات الصوت والجماهير التي حشدت له قسرا، الا ويبدأ في الكذب والوعود والخداع. فهو يعتقد أنه لا يكذب، لكنه يتجمل فقط!!! في رأيه ليس هذا بعيب، لكنه سياسة، والسياسة يجوز فيها كل شيء !!! بالمناسبة، هل أكلتم من ما زرعتم؟ هل لبستم من ما صنعتم؟ هل أعدتم مشروع الجزيرة أفضل مما كان؟ هل جعلتم أميريكا تلم جدادها!!! تساءل الاستاذ عثمان ميرغني في عموده بل أيام (هل نحن كشعب نحس بالتفاهة!!!). نقول الرد يكمن في قصيدة (تقول لي شنو وتقول لي منو) وفي قصيدة (أنا سوداني أنا). فليتعامل معنا الحكام بجدية، ويجب عليهم التوقف عن السخرية بنا والضحك علينا، لأن من يضحك أخيرا يضحك كثيرا، ولا يحق الا الحق. ثالثا: في المجتمع الياباني (نضيف) حقائق (جديدة)، بينما يكتفي العربي (باستعادة) الحقائق التي اكتشفها في (الماضي البعيد). أكثر الجمل استخداما في عالمنا العربي نحن زمان كنا أسياد العالم. ونحن من أخرجنا أوروبا من عهدها المظلم. نحن من اخترعنا كل أنواع العلوم، الطب والفلك والرياضيات والهندسة ..الخ. نحن من قام ببناء الأهرام، ونحن من جاء كل الأنبياء منا. نحن ابن خلدون والخوارزمي وابن سينا وزرياب وعنترة وجرير والفرزدق وابن بطوطة . نحن من أسسنا الاتحاد الافريقي لكرة القدم ..الخ. في نفس الوقت نحن حاليا نستورد كل شيء لنعيش اعتبارا من ابرة الخياطة حتى الصاروخ. نستورد القمح والخضروات واللحوم بأنواعها الطازجة والمعلبة والمجففة والمدخنة و والمذياع والتلفاز و التليفون المحمول بكل موديلاته وكل الفارهات من السيارات والسلاح وكل مستلزمات الرياضة بما في ذلك الكرة والشبكة والسلة والجورب والحذاء والشنكار والنجيل الصناعي والمضرب وصفارة الحكم، وعندما نختلف نستورد الحكم نفسه. أما هم، فرغما عن عدم توفر الموارد والخامات، فهم يصنعون كل شيء ويصدرون لكل العالم ولا يتحدثون عن الماضي رغما عن ارثهم التاريخي العظيم. فهم جاهزون لكل الاحتمالات وكل الاحتياجات الآنية والمستقبلية. فهم يصنعون الأن السيارة التي تستهلك جالونا من البنزين / 50 كم، كما أنهم قاموا باختراع ماكينة السيارة التي تستهلك جالونا/ 600 كم منذ ثمانينات القرن الماضي ولن يطلقوا سراحه الا عندما يحين وقته (خطط واستراتيجيات) ، ويقومون بتغطية تكلفة كل اختراع من اختراعاتهم الالكترونية والميكانيكية. فهم يملكون المال والعلم والبترول وصناعات الأسلحة والصناعات الثقيلة والخفيفة، المستهلك جاهز، وهو نحن الذين نعيش على الماضي والشعر والخرافات، ونعتمد على الغير في تحقيق الرفاهية لنا، ولم نتقدم باختراع واحد ساهم في تطور البشرية منذ أكثر من خمسة قرون مضت. هل أخطأ الباحث الياباني؟ في الجزء الثالث سنناقش بقية ملاحظات الكاتب الياباني ان شاءالله ونسال الله اللطف بنا (آمين). ب/ نبيل حامد حسن بشير جامعة الجزيرة