المراة في بلدنا ومنذ عهد التعليم في الخلاوي ،كانت رمزا للعفة والطهارة والنقاء ، وهي التي ما كانت تفك خطا ولا تمسك قلما ، وانما فقط الاسر تقوم بتحفيظها فاتحة الكتاب وقصار السور ، وتعليمها الطهارة والصلاة والصوم ، ولكنها خرجت لنا اجيالا يفخر بهم الوطن ، ورسمت ملامح الشخصية السودانية الاصيلة .كانت الام التي حملت امانة تنشئت الاجيال وادتها على اكمل وجه، وكانت الأخت التي تقدم الدعم العاطفي والسند ، وكانت الابنة الحنون ، وكانت الزوجة المحبة لزوجها نسنده ان احتاج لها وتحفظه في ماله وولده ونفسها ان غاب عنها .. وبعد انتشار التعليم المدرسي حافظت على مكانتها وسمو همتها ، فكانت بالاضافة الى دورها المعلمة والطبيبة والقاضية ونجحت في كل المجالات ، لم تتهاون يوما في عفتها ونقاوتها ، فصلح المجتمع بصلاحها ، فالمجتمع كان متماسكا لا غش ولا كذب ولا خداع ، ولا انانية ، فالتكافل والتراحم وكل الصفات الطيبة النبيلة التي اتصف بها السودانيين في الداخل والخارج ما هي الا ثمار غرسها الطيب . إن المجتمع الذي يهمل المراة واحتياجاتها وسبل تعليمها وتوفير العيش الكريم لها هو مجتمع يخون نفسه وينقض عرا تماسكه . وكما ان المراة مؤثرة في المجتمع فانها تتأثر كذلك بما يصيب المجتمعات من خير وشر . في ظل حكومات الطغاة حيث لا رخاء ولا رفاهية على الاطلاق ، ولا امن ولا امان، نجد ان المراة هي الاكثر تضررا من بين فئات المجتمع ، فهى التي تتحمل عبء الثلاثي الوقح الجوع والفقر والمرض ،وهي التي تمضغ الصبر وهي تكابد الحياة . وحتى حينما يقدم الطغاة العون ، فالرغبة في الظهور تكون اعظم من الرغبة في مد يد العون ، فالصور المتلفزة او المنشورة في الجرائد اليومية ، تظهر لنا أمهات منكسرات في حسرة وجوههن مطاطاة الى الارض ، هذا التعذيب هو نتاج ما اوصلتنا اليه حكومة الطغاة من درك اسفل للفقر . النساء يعانين ان كن موظفات او معلمات او ربات بيوت . ومع ازدياد الجوع والفقر والعدم ، الا اننا نجد القنوات الفضائية تقدم لنا نموذجا للمراة لا يوجد الا على شاشاتها او في الطوابق الشواهق لمنسوبيها ، اما نساء بلدي الغبش فلهن الله . قد اشعلت هذه القنوات التنافس على استخدام كريمات تبييض البشرة وتطور الأمر الى ابر التبييض وحبوب ، واشتعل سوق المكياج ووصلات الشعر ، وانتشرت صالات الزومبا وبرامج التخسيس ونحت الجسم ، ففتحت على النساء الشابات ابواب جهنم ، فظهرت في المجتمع فئات وقصص لم نألفهن من قبل ! ففي تحقيق صحفي استقصائي للصحفية محاسن أحمد عبدالله ، أظهرت لنا كيف أن ظاهرة فتيات الليل انتشرت وكيف ان من ولغوا في المال العام لم يكتفوا بركوب فاره السيارات وبناء شاهق العمارات وتزوج الحسان مثنى وثلاث ورباع ، لم يكتفوا بكل ذلك ،بل استحلوا بنات الجامعات ونساء الرجال واستدرجوهن واغروهن بالمال ، فمن كانت منهن ضعيفة النفس ليس لها وازع من دين او ضمير يردعها ، انقادت خلفهم ووقعت في شباكهم ، فازدحمت دور اللقطاء . وفي تحقيق صحفي اخر صور مؤلمة ومخزية لنساء من بلادنا امتهن الدعارة بدول الخليج ، صورة بشعة ومقززة ومقرفة تكوي كبد كل غيور على الوطن .كيف تم لهن الخروج عن البلد وعبر مطارها وميناءها ؟ وانك لتجد عجبا ، كل هذه الصور السالبة لا تحرك في حماة الوطن او من يسمون انفسهم حراس الفضيلة ،لم تحرك فيهم ساكنا ، بينما خطباء المساجد يقيمون الدنيا ولا يقهدونها على مقال خطته كاتبة -بغض النظر عن اتفاقنا او اختلافنا معها - وبعيدا عن حرية الرأي والتعبير ، عبر هذا المقال اسمحوا لي ان اتوجه لحطباء المساجد : الم تسمعوا وتروا المشاهد السالبة في المجتمع التي ظهرت متزامنة مع المشروع الحضاري؟* وأننا لنسأل هؤلاء الخطباء الغيورين على الدين حماة الفضيلة : لماذا تركتم الصور الحية والأقاويل التي ملأت الفضاء الاسفيري تهين نساء بلادنا وتخوض في أعراضهن وجيشتم الخطب للرد على مقال ؟ الم تسمعوا يا هؤلاء بما تداوله ويروج له نشطاء سوريين ومواقع سورية عن النساء السودانيات وعن انهن هينات يمكن استمالتهن بأبسط الطرق ؟ ألم تصلكم التقارير عن تجار الاواني المنزلية ممن يحملون الجنسية المصرية، الذين يجوبون البلاد طولا وعرضا من كسلا الى الابيض ومن كوستي الى غيرها ؟ حكايات يندى لها الجبين ، والذي يفت الكبد (ويفقع)المرارة ان هذه القصص تصل مذيلة بصدر امني رفيع؟!! حكايات عن استدراج نساء البيوت في وقت ذهاب الرجال الى اعمالهم ، واستهداف من غاب ازواجهن بالاغتراب ،بعد ان تعذر العيش في هذا الوضع الخانق ، ووصل الامر الى تصوير النساء وابتزازهن ، ومن امن العقوبة وعلم بغفلة أجهزة الدولة اساء الأدب . أما كان الأجدى ان يعمل هؤلاء الخطباء ضمن منظومة واسعة ، لمحاربة أسباب التفسخ والانحلال ، وضبط الوجود الإجنبي في البلد ، وجمع المعلومات الكافية عن الوافدين حتى لا ترزأ البلد بضعاف النفوس وأصحاب الاغراض ، فربما هؤلاء الوافدين يعملون لحساب جهة ما لتفكيك البلد واضعافها ، وهم يعلمون جيدا ان ما من وسيلة أسرع في هدم المجتمعات من هدم المرأة . على خطبائنا أن يعملوا بجد ويحثوا الدولة على اجتثاث الفساد الأخلاقي من جذوره بدلا عن الشكليات في قانون النظام العام . ويجب ان يبحثوا عن جذور المشكلة وتوفير العيش الكريم للأسر وقبل ذلك تثقيف المرأة وانشاء مراكز للتدريب وتعلم الحرف اليدوية مثل الخياطة والتطريز وتصميم الثياب وغيرها .ونشر ثقافة الأسر المنتجة وتوزيع الفرص بصورة عادلة ودون محاباة لأهل النظام ومن يوالونه . واهم علاج هو كبح جماح القنوات وضبطها حتى تعرض صورة متوازنة للمراة . وهناك الكثير مما يحتاج ان يجيش الخطباء خطبهم عنه واخطر ذلك الفساد المالي والولوغ في المال العام ، وهو من الأهمية بمكان - سأعود اليه في مقال لاحق باذن الله - *ولكني اخترت ان ابدا بشأن المراة ، لما لها من أهمية عظمى ودور خطير في تماسك المجتمعات ونموها . وان يجيش النظام الخطباء بالمساجد للرد على مقال لصرف الانظار عن اخفاقاته التي لا تنتهي ، وان يصم الاذنين ويغض الطرف عن ظواهر سالبة سببها الظلم الاجتماعي والقهر الطبقي ، وعن غرباء ما فتئوا يخربون مجتمعنا ، لهو امر سيئ عقباه الى ندم . * وأخشى ان ينطيق على حكومة المؤتمر الوطني قول الشاعر المرحوم ، أحمد فؤاد نجم في وصف اخفاقات السادات :* باع البتاع بالبتاع **وعشان يعيش على طول عين حرس بالبتاع**وبرضه مات مقتول تخريمة (على وزن كسرة استاذنا الفاتح جبرا) : دراسة وبريطانية واخرى في جامعة جورج واشنطون رتبت الدول حسب تطبيقها للشريعة الاسلامية ، وكانت المفاجأة ان الخمسة والعشرون الاوائل هي دول غير اسلامية .الدراسة شملت 208 دولة وجاء ترتيب السودان 190في 2015 و202 في 2017 . وترتيب الدول تم باعتماد معايير اسلامية والتي تبنى على اربعة قواعد هي : الانجازات الاقتصادية ، الحقوق الانسانية والسياسية والعلاقات الدولية بالاضافة الى بنية السلطة . ومن هنا يتضح ان الدين ليس لحية اومسبحة او طرحة عمامة ، ولا حفظ ايات وأحاديث من غير تطبيق ، ولا هو حزبية او جهوية ، وان الفرق بين الناس أساسه التقوى وليس شئ اخر . هذا الأمر الجلل ، ولكننا لم نسمع رأي علمائنا الافاضل ؟! [email protected]