قرأت مقالا للأستاذ فهمي هويدي بعنوان «أهلا بكم في مصر الأخرى»، غير مصر طه حسين ومجدي يعقوب وأحمد زويل ونجيب محفوظ وفاروق الباز وطابور طويل من المثقفين ذوي القامات الفارعة الذين حملوا لواء التنوير في الشرق العربي. يقول هويدي انه جلس مستمعا إلى نفر من كبار العاملين في مجال التربية والتعليم ، وذكرت إحدى الموجهات إنها دخلت حجرة دراسة ، ووجدت مدرسة مسلمة تتكلم في حصة التربية الدينية عن المهاجرين والأنصار، وتقول إن الأنصار هم « نصارى» يثرب. ومن المعروف ان مصر كانت من أوائل الدول التي حظرت الدروس الخصوصية، ولكن وتحت ضغوط من المعلمين، قننت وزارة التربية تلك الدروس، واستحدثت نظام المجموعات، فصارت هناك مجموعات «عادية» نظير 15 جنيها شهرياً، ومجموعات «ممتازة» نظير نحو 20 جنيها شهرياً، واكتشف هويدي ان المعلمين يسمون استدراج الطلاب للانضمام إلى المجموعات «صيد الحمام». وعندما يسجل الطالب اسمه في مجموعة يقال عنه انه «دخل العش»، وكانت توجيهات وزارة التربية تقضي بأن تتألف المجموعة من عشرين طالباً، ولكن العدد يرتفع في واقع الأمر إلى 40، ولكن كشوفات المدرسة تظهر فقط أسماء عشرين طالباً في كل مجموعة، و»يلهف» مدير المدرسة ما يدفعه العشرون غير المسجلين. أما المدير ذو الضمير الذي يتحاشى التزوير، فإنه يطالب كل مدرس بأن يدفع له مبلغاً شهرياً ثابتاً، أما إذا لم تسمح ظروف طارئة لمعلم ما ان ينتظم في التدريس «بسبب عارض صحي» فمن حقه أو حقها بيع «الحصص» لمعلم آخر مقابل أجر شهري محدد. وأكتشف هويدي أن مدرسي الفنون والرياضة وأمناء المكتبات يلجأون إلى وسائل أخرى لزيادة مداخيلهم، فهناك مدرسو الموسيقى الذين يعملون في الكباريهات كعازفين وطبالين، وهناك من يعمل مقرئاً في المقابر، أو حارساً أمنياً ليليا في بناية، أو يبيع الحلويات على الرصيف، وبعض مدرسي التربية الفنية، يربون الدجاج والبط داخل المدارس، وفي نهاية اليوم تلجأ الدواجن التربوية تلك إلى غرفة الفنون لتقضي فيها الليل. وندخل حجرة دراسة مع أحد الموجهين الذي كان يرصد أداء معلمة تدرس التربية الدينية، وبدأت تقرأ على الصغار سورة «الكافرون» بصوت عال، ثم توقفت فجأة وقالت إن هناك خطأ مطبعياً تجلى في تكرار الآية «ولا أنتم عابدون ما أعبد»، وبكل «ثقة» طلبت من التلاميذ شطب الآية قبل الأخيرة في السورة، وبالتأكيد لم تقرأ تلك المعلمة « سورة الرحمن» وإلا لكتبت مقالا في الصحف تقول فيه أنها اكتشفت أن آية «فبأي آلاء ربكما تكذبان»، تكررت عدة مرات نتيجة خطأ مطبعي! ويحكي الأستاذ هويدي على لسان موجهة، أنها كانت مكلفة مع آخرين بمتابعة لجان الامتحانات في إحدى المحافظات، واستقبلهم العمدة بالترحاب، وأقام لهم وليمة ضخمة، وعندما خرجوا من داره، فوجئوا بأهل القرية يحاصرونهم، ويقدمون لهم أرقام جلوس عيالهم، كي «يتوصوا بهم» خلال الامتحانات، واتضح أنهم جميعاً ساهموا في الوليمة. وتقول الموجهة إنها دخلت إحدى قاعات الامتحانات في مدرسة القرية، فوجدت مدرساً يقف أمام الطلاب، ويملي عليهم «الأجوبة»، فصاحت مطالبة بوقف ذلك العبث، وطرد ذلك المعلم من قاعة الامتحان، ولكن زميلا لها عاقلا قال لها: وطي صوتك عشان أهل الطلاب ما «يدشدشونا». وحاشا لمدارس السودان أن تكون كذلك، وحاشا لمدرسة الريان ان تغش طلابها وتجعلهم يجلسون لامتحان شهادة ثانوية وهمي، وحاشا لمديرات مدارس عندنا أن يبعن السندويتشات، وحاشا ل 400 مدرسة أساس أن تكون بلا دورات المياه، وحاشا لأكثر من مليون تلميذ أن يتلقوا دروسهم جلوسا على بروش صلاحيتها منتهية، وحاشا لمناهجنا الدراسية أن تكون فشوش، بدليل ان مئات الطلاب العرب صاروا من عشاق الشهادة الثانوية السودانية: يأتون قبل مواعيد الامتحانات بشهر واحد وينجحون بالمزيكة. الصحافة