نبقى مع كتاب الدكتور عبد السلام البسيوني، عن تجربته كمصحح لغوي صحفي، والذي رصد فيه الجرائم البشعة، التي صارت ترتكب بحق اللغة العربية في وسائل الإعلام، وقد يكون ذلك باستخدام مفردات إفرنجية، رغم وجود ما يقوم مقامها في الفصحى، وأكثر ما يسبب لي التهاب الشعب المرجانية في جهازي التنفسي، استخدام مذيعي ومذيعات الإذاعة والتلفزيون، لفظ «زيرو» بدلا من «صفر»: يمكن الاتصال بالبرنامج على الهاتف أربعة ستة خمسة زيرو زيرو تسعة حرام عليكم يا جماعة، فالصفر تحديدا، أول وآخر إضافة عربية في علم الحساب، وأتى به محمد بن موسى الخوارزمي، الذي توصل إلى نظريات علمية ورياضية بعضها ما زال يحمل اسمه، مثل الخوارزمية «وتم تحويرها الى ألغوريثم في اللغات الأوربية»، وبها عرف العالم الكسور العشرية، وانتقلت كلمة صفر من العرب إلى إيطاليا، وصارت زيفيرو، ثم تحولت في الإنجليزية والفرنسية إلى زيرو، وبالتالي فالإعلامي العربي الذي يقول زيرو بدلا من صفر، مصاب بعقدة «البضاعة المستوردة»، ولا يثق بالإنتاج «المحلي» ويلفت البسيوني الانتباه إلى مفردات مستوحاة من قواميس غير عربية كقولنا: فلان متنرفز وهذا أمر يسبب النرفزة، فالكلمة تحوير ل»نيرفاس» الإنجليزية وتعني «متوتر وعصبي المزاج»، بل بلغ الشطح بالسودانيين، أن أخضعوا مفردات إنجليزية إلى قواعد التذكير والتأنيث العربية، فصارت الممرضة «نيرسه» وليس نيرسnurse وانظر مثلا إلى عبارة من شاكلة «تحيات/أ شواق حارة»، المنقولة بالمسطرة عن العبارة الإنجليزية warm greetings/reception، ومثلها «دفء العواطف»، فالإنجليز يعشقون الشمس والدفء، لأن بلادهم دائمة الغيوم، وتموت من البرد حيتانها، ومن ثم يسعدون بالأيام المشمسة، بل يسمون أيام السعد والعز، بالأيام المشمسة sunny days ، بينما يسعد العرب بالغيوم والمطر، وكلما احتجبت الشمس نهارا، كان ذلك دليلا على حلاوة الطقس، والبرد في معظم الدول العربية حلو ومُشتهَى، وهكذا جاءت العبارة العربية «شيء يثلج الصدر/ الفؤاد» و»نزل كلامه على قلبي بردا وسلاما»، والابن البار عندنا في السودان «يبرِّد الحشا»، والحشا هي الأحشاء، فسخونة الجهاز الهضمي دليل اضطراب وعلة. ويقول البسيوني «المترجمون العرب أخذوا عبارات من لغة أهل القمار، مثل قولهم: خلط أوراق اللعبة، وكشف الأوراق! وهي عبارات أتت من فعل القَمّار «مدير اللعبة» الذي يخلط أوراق اللعب، ثم يوزعها على المقامرين، فانت قلت من الحانات وصالات الميسر عبر المترجمين إلى لغة «السادةالمسقفين» عليهم الرضوان أجمعين!، ومنها قولهم: قلب عليه الطاولة؛ وهي ما يفعله لاعب القمار إذا خسر، ف»يقلب الطاولة» لتفويت الفرصة على الرابح، فنُقلت مستعارة للذي يهيج ويغضب، ويحتد في الخصومة أو يهتاج، أو يقلب الحجة على خصمه، ومنها استخدام ألفاظ مثل الآسAce والجوكر Joker وهذا من التجوز في التعبير، ودس مصطلحات «الكوتشينة» أو القمار في لغتنا» وأترك المايكروفون للبسيوني ليواصل بدون فاصل: ومن المستغرب عندي كذلك استخدامهم اصطلاح: حجر الزاوية/ الأساس، نقلًا حرفيًّا للمصطلح الماسوني الأشهر، والذي يرمز لأول حجر استخدم في بناء اول محفل ماسونيcorner stone، ولتلطيف الجو على المترجمين والصحفيين، أورد بعض البسيوني أخطاء لغوية في صحف عربية مختلفة، يقع «إثمها» على المصححين المساكين، لأنهم تستروا على مرتكبها «المحرر» عن غير قصد، ولن أورد أسماء تلك الصحف، لأنني من جماعة «شيلني وأشيلك»، فلو تسترت على الجناة فإنهم سيسترونني بعدم تصيُّد أخطائي: «القائد الفذ» أصبحت «القائدالفظ»، و«عودة الوزير» أصبحت «عورة الوزير»، و«بالشفاء العاجل» أصبحت «بالشقاء العاجل»، «والزميلة المحترمة» أصبحت «الزميلة المجرمة»، و«تجاهل الأدب والفكر» أصبحت «تجاهل الأدب والكفر»، و«استقبل بكلمة ترحيبية» أصبحت «استقبل بلكمة ترحيبية»، و«الرئيس يستقبل اليوم...» أصبحت «الرئيس يستقيل اليوم»، و«صورة السلطان في شبابه» أصبحت «صورة السلطان في ثيابه»، وأبدلت القاف في «حرية القول» بحرف «الباء» و«مدير عام مطبعة» أصبحت «مدير عام مصبغة»،و «معتوق» أصبح «معتوه»، و«د. مُضرْ طه» أصبحت «د. مضرطه!» الصحافة