يحتفل العالم في الثالث و العشرين من مارس كل عام باليوم العالمي للأرصاد الجوية. و لهذا التاريخ دلالته حيث تتعامد فيه الشمس على خط الإستواء فيما يعرف بالإعتدال الربيعي. لا يمكن الحيث عن الأرصاد الجوية بدون التطرق إلى التغير المناخي. و للحديث عن التغير المناخي لابد من تعريف هاتين الكلمتين: التغير و المناخ. فالتغير المقصود هو التغير على المدى الطويل الذي يمتد إلى عشرات السنوات و ليس التغيرات في عدد محدود منها. و أما المناخ فهو النظام الناشئ من الغلاف الجوي و البحار و اليابسة بما فيها من إنسان و نبات و مسطحات ثلجية و صحاري. فهذه العناصر المتداخلة تكون ما يعرف بالمناخ. فبين هذه القطاعات تبادل مزدوج: من و إلى. فبينما يؤثر الغلاف الجوي على الغابات فإن الغابات تؤثر على المناخ. بدأ الحديث عن التغير المناخي الناشئ من النشاط البشري في القرن التاسع عشر. و لضعف أليات تجميع الأدلة ظلت الأصوات التي تتحدث عن التغير المناخي الناشئ من تلوث الهواء خافتة. أما الآن فن نظرية التغير المناخي تعتمد على أدلة قوية. يضخ النشاط البشري ملايين الأطنان من الملوثات الغازية داخل الغلاف الجوي كل عام. و معلوم أن الوقود الذي يحرك منظومة المناخ (الجو و البحر و النبات) هو الطاقة الشمسية التي تأتي عبر الإشعاع الشمسي. حيث تصل كل ثانية 340 واط على كل متر مربع. هذه الطاقة إذا تراكمت على مر الأيام كفيلة بتبخر الكرة الأرضية. و لكن للأرض آلية لتبريد نفسها. فنسبة كبيرة من الطاقة المذكورة تنعكس من السحب و الثلوج و الصحاري نحو الفضاء. و تشع الأرض جزءا كبيرا نحو الفضاء في هيئة موجات حرارية تختلف في طولها عن الموجات القادمة من الشمس. و هذا الإختلاف هي بيت القصيد في عملية التغير المناخي. فبعض مكونات الغلاف الجوي تتعامل مع الموجات القادمة من الشمس بصورة مختلفة عن تعاملها مع الموجات المبتعدة عن الأرض. من أهم هذه الغازات غاز ثاني أكسيد الكربون. هذا الغاز يسمح بمرور الأشعة الشمسية نحو الأرض لتسخينها و لكنه يمنع نفاذ الأشعة الصادرة من الأرض. و بهذا تختل عملية التوازن. أي أن الغلاف الجوي الملوث بثاني أكسيد الكربون يحبس الحرارة داخل النظام المناخي لكوكب الأرض. نعلم من مبادئ الفيزياء أن الإنحراف عن نقطة التوازن يتطلب البحث عن نقطة توازن جديدة. لابد للأرض من درجة حرارة أعلى لتشع بمعدل أكبر. و هذا الإرتفاع في درجات الحرارة يستلزم إعادة تعريف حدود المواطن البيئية. فإذا إرتفعت درجة الحرارة عن حد معين فإن بعض الكائنات الحية (الحيوانات) تهاجر إلى مواطن بيئية تلائم نشاطها. بعض الكائنات (النباتات) ليست لها القدرة على الهجرة و غالبا ما تواجه الإنقراض. إنقراض بعض النباتات يعني إنهيار الشبكة الغذائية و بالتالي سوف تؤدي إلى إنقراض بعض الحيوانات. و الإنسان ليس ببعيد عن هذاه التغيرات فهو جزء منها يتفاعل معها سلبا و إيجابا. خطر آخر ينشأ من إختلال توازن طاقة كوكب الأرض هو التغيرات المتطرفة. فالنظام المناخي في ظل البحث عن نقطة توازن جديدة يتأرجح صعودا و هبوطا حول نقطة التوازن. تنشأ عن هذه الحالة موجات الفيضانات و فترات الجفاف المتكررة بما فيها من كوارث فردية ومجتمعية قد تؤدي إلى إنهيار الدول. أما في القطاع غير الحيوي فإن إرتفاع درجات الحرارة يستلزم تعديل المرافئ و الموانئ و كل المباني على السواحل فهي عرضة لأن تغمرها المياه المرتفعة رأسيا و التي سوف تمتد أفقيا نحو الداخل إلى عدة كيلومترات. أرتفاع درجات الحرارة يؤدي إلى سرعة تآكل المباني. و لا بد من تعديل خلطات الخرسانة و مواد الطلاء. كما لابد من تعديل تصاميم خطوط السكك الحديدية و خطوط نقل الطاقة. و للمرء أن يسرح بخياله في العدد غير المحود الذي يجب تعديله للتعايش مع المناخ الجديد الذي لم نعهده في طفولتنا. و يفاقم من المشكلة أننا لا زلنا نلقي بالمزيد من الملوثات في الغلاف الجوي مما يعقد بناء نماذج رياضية تعطينا سيناريو المستقبل. و من التعقيدات أن عمر غاز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي طويل جدا يمتد لأكثر من مائة عام حتى يخرج من الغلاف الجوي. فهل لدينا آلية لتنظيف الغلاف الجوي من الملوثات؟ و هل لدينا القدرة المالية لتصميم سيارات و مصانع لا تلوث الهواء؟ و هل لدينا إرادة سياسية لوضع خطر التغير المناخي في قمة الأجندة السياسية؟ [email protected]