نقلت الغراء « اليوم التالي» الصادرة الخميس الأول من أمس عن عائشة صبيرا رئيس لجنة حقوق المرأة بالمفوضية القومية لحقوق الإنسان قولها « هروب المرأة وطلب الزواج بالمحكمة مخالف للقيم والأخلاق » ..لا نعرف الداعي الذي دعا السيدة عائشة للإشارة لمثل هذا النوع من الزيجات ، ولكن يغلب على ظننا أن الزواج عن طريق هروب الفتاة مع من تريده زوجاً لها رغم ممانعة الأهل ، ليتزوجا بعيداً عن أسرتيهما لوضعهما أمام الأمر الواقع ، ما زالت ممارسة بدرجة جعلت السيدة عائشة تنبه اليها ، وشخصيا كنت قد وقفت على عدد من مثل هذه الزيجات نظرتها المحاكم كما رواها لي صديق محامي ، والشاهد هنا أن مثل هذه الفعلة كانت سائدة وممارسة في بعض نواحي البلاد ، وعند بعض أهلنا في تلك النواحي « أظن ولا أجزم أنها انحسرت كثيرا أو ربما انقرضت تماما »،وخلاصة هذه الممارسة المسماة محليا ب«جبونقا» هي أن المحب المتيم عندما يقطع له أهل الحبيبة كل أسباب الوصال بها والزواج منها ،لن يجد أمامه حلا سوى أن يختطفها ويهرب بها إلى مكان آخر ليتزوجها بعيداً عن أهلها الذين لن يجدوا بعد ذلك ما يفعلونه سوى التسليم بالأمر الواقع، وأظن أن هناك شعوبا أخرى في مناطق أخرى من العالم كانت تمارس هذه العادة كالاذربيجان مثلاً.... أول عهدي بهذه «الجبونقا» كانت سبباً فيه أغنية تراثية شعبية تسربت كلماتها من بين ثقوب الذاكرة ولم يبق منها غير مطلعها الذي يقول « أم دخاري صندوق سجار بحاري بمشي لي بيتكم يا بنية ناوليني ألمي بارد » والمقطع الذي يقول « جبونقا إستيفاق » ، والأغنية في عمومها كما علمت من أحد الشرّاح الذين استعنت بهم عند سماعي لها لأول مرة، تختص بالمحبوبة المسماة أم دخاري والتي يتغزل فيها محبوبها الشاعر ويفاخر بها ويفتخر بمحاسنها، ولكنه عندما أراد أن يقيس محاسنها لم يفعل كما فعل سيد عبد العزيز في أغنية الحقيبة الشهيرة « أقيس محاسنك بمن يا الدرة الما ليك تمن، إلى أن يقول شفنا ملاك لابس بدن، إنسان لكن مفرداً، حاز النور حاز اللدن، غصنه مهفهف أملداً، هيبة أسد في عيون شدن »، وإنما شبهها مباشرة بصندوق سجائر البحاري الذي يبدو أنه كان عزيزاً جداً على الشاعر، لدرجة أنه لم يجد ما يعبر به عن مدى حبه لها وإعجابه بها أفضل منه، ولهذا قال أم دخاري صندوق سجار بحاري، وهو أبلغ أنواع التشبيه إذ غابت عنه أداة التشبيه ووجه الشبه، أما « الجبونقا » فهي ممارسة كانت معروفة، إذ أنها كما قال الشاعر الشعبي يلزمها « إستيفاق » أي اتفاق على الخطف والهرب بين الحبيب ومحبوبته، كما أنها تحدث بين اثنين بينهما مشاعر وعواطف مشتركة وليست مجرد غريزة بهيمية وبوهيمية كما في حالة الاختطاف القسري والاغتصاب .. الصحافة