الحنين إلى الماضي أو كما يطلق عليه ) النوستالجيا ) ، حالة عاطفية تتلبس الانسان عندما يشاهد بنايات متينة مبنية على الطرز القديمة وما زالت باقية كأبهى ما تكون ، أو يتصفح ارشيفا يحوي صورا قديمة لرجال أو نساء أو أطفال أو طلاب التقطت في خمسينيات وستينيات القرن الماضي ، تشع من وجوههم النضارة والحيوية والعافية ، أو يقلب في بعض المتعلقات والمقتنيات الشخصية ويتصفح جودة خاماتها ودقة صناعتها .. عن هذه الحالة يقول الخبراء إن ( النوستالجيا ( هي آلية دفاع يستخدمها العقل لرفع المزاج وتحسين الحالة النفسية، حيث يتم استدعاء ذكريات الماضي الطيبة بدفئها وعواطفها لتعطينا دفعة للتعامل مع التحديات الحالية ..وكان لوزارة الثقافة والاعلام مركز للتصوير الفوتغرافي يعود تاريخ انشائه للعام 1945 ، واستطاع هذا المركز باحترافيته العالية أن ينجز ارشيفا ضخما حوى كافة الأحداث المحلية والإقليمية كما برع في صناعة الصور الفتوغرافية التاريخية المميزة التي وثقت لكافة مناحي الحياة والانشطة المختلفة ويعود بعضها للعام 1865 ، الأمر الذي صنفه كأكبر مركز للتصوير في الشرق الأوسط ، كما جعله مركز جذب للباحثين والمؤرخين من داخل وخارج البلاد ، غير أنه الان للأسف صار مجرد ذكرى أسيفة ، ويحمد لصحيفة ( ألوان ) وبلفتة بارعة منها أنها كانت تهتم بنشر بعض بقاياه على صفحاتها ، وسارت على الدرب ( اليوم التالي ) التي واظبت على اتحافنا بين الحين والآخر ببعض الصور من ارشيف السودان القديم ، وآخرها الصورة التي نشرتها أمس لأول مهندسة طيران في السودان .. صورة اليوم التالي مقروءة مع افادة شاعرنا المرهف التجاني حاج موسى عن احتفاظه بقلم ( تروبن ) لأكثر من 35 عاما ، اعادتني لصورة السودان زمان ، زمان الجمال والنظافة والاهتمام بالمظهر العام والخاص والغسيل (النضيف) والمكوة السيف ، وفي ذلك تروى طرفة عن أن عسكريا زمان من فرط اهتمامه بزيه العسكري واعتنائه بمظهره العام كان يفرط في غسل وكي ردائه حين كان العساكر يرتدون (الاردية) وليس البناطلين لدرجة أنه لو وضع هذا الرداء على الارض لوقف على طوله دون ان يتكوم على الارض، ولهذا كانوا مضرب المثل في المكوة الجيدة فيقال عنها (مكوة عساكر ) .. كان ذلك هو زمان الزمن الجميل، (اللحم بالاوقة والسكر بالراس وجوز الحمام تلاتة فرد)، زمان الزمن الزين، الفطور بقرشين وقرع ودالعباس عشرة بقرش ومية هوادة، والذي قال فيه الشاعر. الزمن الزين.. يرجع كيفن ويرجع من وين؟ والناس الكانت طيب وحنين.. لحقو الزينين.. والأرض الكانت مزروعة.. والخير كافينا ومالي العين.. هجروها الناس وكساها يباس.. وبالحسرة تئن ذرات الطين.. والليل الكان حالم فنان.. ما عاد هو الليل.. لا قمرن فيهو ولا طمبور.. لا نسمة تجيك من تالا النيل.. لا صحبة تسر البال تعجب.. تسعد للروح وتشد الحيل.. من وين يا خوى يرجع من تاني.. الزمن الزين؟ الصحافة