بشكي ليك أنا يا زمنّا من زمن شال المحنّة لا وتر من تاني رنّ لا بلوم في فرعو غنّى هكذا ابتدر الشاعر الكبير كامل عبدالمجيد قصيدة طويلة يحن فيها إلى أيام الزمن الجميل، ويعرف أن القصيدة كتعبير عاطفي لا تحاكم بمعايير المنطق ولا بحسابات السياسة ومنهج التاريخ، لكن يمكن اعتبار القصيدة مدخلاً لتساؤل عما يسمى الزمن الجميل، وهل كان ذلك الزمن جميلاً في عيون معاصريه بمن فيهم الشاعر؟ أم أن الحنين للماضي سلوك طبيعي في المشاعر الإنسانية، أم أن المقارنة بأزمنة تالية أظهرت محاسن في تلك المرحلة لم يدرك المعاصرون قيمتها إلا بعد أن عانوا في مراحل تالية؟ عقد ستينيات القرن الماضي يكاد يكون الفترة المعبرة عما أصبح يعرف بالزمن الجميل. وإذا اقترن الجمال برفاه العيش مع أجواء الحريات، فإن فترة الديمقراطية الثانية هي المعبرة عن تلك المعاني والقيم، فهل نالت الرضا بما يجعلها مثالاً يتمسك به الشاعر وأترابه؟ الديمقراطية، ثانية كانت أو ثالثة، هي النظام الذي يتيح بطبيعته أجواء الإبداع والإمتاع التي يحن إليها الشاعر، فالصحف تصدر بلا رقابة والندوات لا تحتاج إلى تصديق والمسرحيات تنافس بعضها بعضاً، والشعر والغناء ينسابان بلا مخاوف ولا محاذير، لكن تلاحظ أن الديمقراطية الثانية المعبرة عن الزمن الجميل، لم تكن تجد التقدير ممن يحنون الآن للزمن الجميل، ذلك لأنهم خلطوا بين النظام الديمقراطي الرحب، ورموز الحكم الذين وصلوا لكراسي الحكم تدعمهم كتل جماهيرية تقليدية، ليجدوا السخرية والاستهزاء ممن نصبوا أنفسهم رموزاً للحداثة، ولم يروا بأساً في الإطاحة بالديمقراطية، ما دامت تحول دون تنفيذ برنامج القوى الحديثة، وتمكن رموزاً تقليدية من الحكم. رأى أهل اليسار أن برنامجهم الحزبي أهم من الديمقراطية، برنامج من الأهمية والضرورة بحيث يجوز في سبيل تحقيقه اعتقال معارضيه بل وقتلهم إن دعا الأمر، يقابل ذلك نظام لا يسمح -بطبيعته- بالاعتقال والتشريد وتكميم الأفواه، في أجوائه ازدهرت صور الإبداع والحياة الاجتماعية التي يحن إليها الشاعر وأقرانه. وهي ليست صورا تفضل بها إسماعيل الأزهري أو الإمام الهادي، لكن يحمد لهما دفاعهما عن النظام الذي يفرز بطبيعته هذه المظاهر. القصيدة جميلة لا نحاكمها بمعايير السياسة والتاريخ كما أسلفت، لكن أردت التنبيه إلى ضرورة عدم الانزلاق وراء ظاهرة الحنين التي قد تربك أجيال اليوم، فلا تعرف إن كنا في أفضل حال كما تقول القصائد أم كنا في أسوأ حال كما تقول بعض التقارير.; العرب