نبض المجالس كوابيس عسكرية حتما ستنفتح المسارات لانقلابات اخري , وتولد الحركة الشعبية "شمالا" من رحمها ثائر اخر يتبني ذات الخط الثوري الذي صنعت منه الحركة الشعبية قضية وتفاوضا مع الحكومة السودانية وهكذا رسمت الخطوة "الانقلابية" التي جاء بها الجنرال عبد العزيز الحلو الايام الفائتة ونصب بها نفسه قائدا وزعيما للحركة الشعبية شمالا رسمت هذه الخطوة مشهدا جديدا وفصلا مهما من فصول ومراحل الصراع السياسي "والايدولوجي" داخل مكونات هذه الحركة منذ ان خرجت من منظومة الحركة الشعبية "الام" التي يممت وجهها جنوبا بعد الانفصال وانكفاءات علي ذاتها وبؤسها وكوبيسها وحروبها . ليس من المنطق الاعتقاد بان خطوة الحلو هذه ستاتي بسلام حقيقي وباستقرار والتفاف حول قضايا الحركة طالما ان لدي كل عنصر من عناصر الحركة مشروع للقيادة وللزعامة خاصة اذا فشل الحلو في صناعة السلام الذي تنتظره شعوب النيل الازرق وجنوب كردفان , وتلك هي الرؤية التي كان يتحدث بها "للانتباهة" محمد مركزو كوكو الخبير الامني بشوؤن المنطقتين فهو يعتقد ان الحلو قلب الطاولة علي عقار وعرمان ولكنه ان لم ياتي بسلام عاجل فسيواجه ذات المصير الذي واجهه عقار وعرمان غير ان مركزو استبعد بشدة ان تمضي الحركة الشعبية في ظل قيادة الحلو في اتجاه تصعيدي لخيار تقرير المصير وهو ذات الخيار الذي وصفه مركزو بانه مجرد سقف سياسي للتفاوض مع الحكومة وان الحركة الشعبية ليست لها فيه (نفقه) علي حد تعبيره ورجح مركزو ان تنضم المجموعة الاضعف في الحركة الي خيار السلام مع الحكومة وهي مجموعة ياسر عرمان علما بان مجلسي الحركة الشعبية في كلا المنطقتين ايدت بشدة الخطوة الانقلابية ضد قيادة الحركة . اما الخيار الاقوي او الاوفر حظا هو ان يتجه عقار وعرمان الي ممارسة فضيلة اللجؤ خصوصا في الدول التي لديهم معها تحالفات او اتفاقات سابقة , وبالامس شهدت منطقة جنوب النيل الازرق فصلا اخر من الانقلابات العسكرية حيث اعلن القائد جوزيف توقا من قبيلة الاودوك الاستيلاء علي قيادة جيش الحركة الشعبية هناك وانهاء قيادة الجنرال مالك عقار . ولكن وفي مثل هذه الاجواء التي تعيشها الحركة الشعبية (شمالا) ان يتهم المؤتمر الوطني بالتامر وبالتدخل المباشر لاحداث حالة من الحراك والتحولات داخل مكونات الحركة وهذا ماذهب اليه مالك عقار في سياق تبريراته لانقلاب الحلو ضد قيادته حيث يعتقد مالك عقار ان هذا الانقلاب يخدم بشكل اكبر المؤتمر الوطني اكثر من كونه محاولة اصلاحية . خيمة الصحفيين ..! ليست هي مؤتمرا صحفيا حتي يشترط علينا المتحدثين بالا نتجاوز سقوفات الممكن والمتاح من القضايا والموضوعات ولا هي ورشة عمل نجتهد فيها ونحدق في اوراقها وبياناتها لنخرج بمقررات وتوصيات تابي ان تكون واقعا وعملا وبرنامجا ولا هي كذلك بندوة سياسية فكرية او اعلامية او اي مسمي من مسميات الندوات , كما انها ليست بلقاء جماهيري او تنويرا او لقاءا تفاكريا , ولكنها كانت "خيمة للصحفيين" اخذت من كل تلك التصنيفات والقوالب الاعلامية ميزة وحسنة فهي بمثابة مجلس سوداني مصغر فيه فسحة وبراح ومتنفس يتنقل شركاؤه ما بين قضية وقضية وما بين فكرة وعبقرية وما بين ابداع واخر , وكنا نحن كرواد ومتابعين لفعاليات هذه الخيمة بين حين واخر ننتقي من بين كل هذا التنوع من منتوجنا السياسي والثقافي والابداعي ما يناسبنا ويرضي طموحاتنا واشواقنا ويلبي كذلك قدرا ليس يسيرا من عواطفنا ونواذعنا الذاتية هكذا كانت خيمة الصحفيين التي بلغت من العمر سنوات سبعا . وقد يتفق الكثيرين من رواد خيمة الصحفيين ان اجمل ما في هذه الخيمة ان اللقاءات والمناقشات والمساجلات التي تطرح عبرها مفتوحة للعامة بلا قيود وبلا اشتراطات وبلا بطاقات مهما كانت حساسية الموضوعات غير ان البعض يعتقد ان عبقري هذه الفكرة ومخرجها دائما ما يتحاشي الخوض في القضايا الفكرية والسياسية التي يدور حولها خلاف وتباينات كثيرة وكنا نعشم من اخونا محمد لطيف ان يبحر بنا الي (الغريق) وينصب خيمته هذه وسط حصون الفساد وخنادقها في محاولة لنبشها وتفكيك شفراتها وان تمضي الخيمة ايضا في اتجاه كشف الاوجه الاخري لكل الذين يملاؤن ساحاتنا السياسية والفكرية ضجيجا وعويلا وتاتينا بالقيادات (والزعامات) ذات الوزن الثقيل من قوانا السياسية والتنفيذية والفكرية ورموز المجتمع المؤثرة وان تتيح لنا الخيمة المزيد من الشفافية كميزة تفضيلية لا تتوفر في اي قوالب اعلامية اخري فهذه بمثابة مناشدة للاستاذ والزميل محمد لطيف (وهارون اخيه) بان يرتقوا الي قمم اخري لطرح امهات القضايا التي انتجت ازماتنا واحزاننا وارقت مضاجعنا سنين عددا .. فلماذا مثلا لا تطرح قضايا مثل مستقبل الحركة الاسلامية في السودان , وعلاقات وتحالفات السودان الدولية والحج والعمرة والتضخم الدستوري ,والسلوك الاداري والبيروقراطي في مؤسسات الدولة , وفشلنا الكروي والممارسة البرلمانية وقضايا اخري مثل الشركات الوهمية وغيرها من القضايا الشائكة المنطقة الرمادية هل فعلا ان بلادنا في حاجة الي منطقة رمادية او بالاحري الي منطقة وسطي نتخذ عبرها جانب الحياد والحكمة والرشد والمصالح العليا لشعبنا ولبلادنا ازاء ما يجري من توترات سياسية وامنية في منطقة الخليج ؟ كل معطيات الواقع وحصاد السنين والتجارب السابقة والمواقف القديمة في مثل هذه النزاعات الدولية تفرض علينا حتمية الاستهداء بالحكمة والوقوف في منزلة بين منزلتين لا تجلب علينا وبالا ولا جريرة ولا حربا او قطيعة تعيدنا الي مربع العزلة التي عشنا حرمانها مطلع حقبة التسعينات لكن بالضرورة ان تمضي الحكومة باكثر ثقة وقوة في اتجاه اعلاء قيمة الارادة السودانية واجترار ادوارها القديمة في راب الصدع وحمل المتنازعين الي صيغة توافقية تجنب الامة العربية والاسلامية المزيد من سفك الدماء واهدار قدرات هذه الامة ومقوماتها وزرع الفتنة والشقاق بين شعوبها وحكامها فليس من مصلحة السودان وحكومته ان يمتد الخصام بين الاشقاء هكذا . والحكمة السياسية تشيردائما الي ان الحكام يتعلمون من تجاربهم ومن شعوبهم حتي لو كانت هذه الشعوب ممكونة بازماتها واحزانها وحروبها فالشعوب "المعلمة" لا تبخل علي حكامها في اسداء النصح والراي الرشيد وفي مثل هذه الحالات ستجد الحكومة نفسها مجبرة بالاستجابة لسياسة الامر الواقع مهما تباينت تقديراتها الخاصة مع توجهات شعبها لان الذي يمنحك الحق ومشروعية الحكم هو الاولي بالطاعة وبالاستجابة ولعلنا هنا نعتقد بان المحطة التي تقف عندها الحكومة السودانية وهي ترقب الاحداث والتطورات هناك بمنطقة الخليج دون الانحياز الي طرف دون اخر نعتقد انه موقف ربما يشكل ذات الموقف الذي يرضي جماع السودانيين , ويكفينا تماما ما حصدناه عبر عجاف السنين فبلادنا لا تحتمل احزان ولا جراحات جديدة . المجلس الحائر . لازال مجلس الولايات يبحث عن هوية وعن دور حتي يقدم مرافعته ومبررات وجوده ضمن المنظومة التشريعية والبرلمانية في السودان خصوصا ان هذا المجلس جاءت به اقدار نيفاشا التي استقطعت رقعة الجنوب من جغرافية السودان ربما في غفلة من النخبة السودانية التي ادارت ملف الحرب والسلام في السودان . فمنذ ان خرجت نيفاشا لازالت الدولة السودانية تحاول التكيف مع اوضاع ما بعد الانفصال وتحاول كذلك انتاج ذاتها بادوات نيفاشا وانقاضها ولهذا استمر شيوخ مجلس الولايات في بحثهم عن هوية وعن ادوار مستحيلة بلا انقطاع فحاولوا كثيرا القفز خارج دائرة التهميش التي عاني منها مجلس الولايات وانتزاع اهمية من الحكومة لهذا المجلس تماما كما تهتم الادارة الامريكية بمجلس شيوخها , ولعل اخر محاولات البحث هذه ما قالته قيادة المجلس بانه لابد من تغيير الديباجة الخارجية لمجلس الولايات او بالاحري تغيير اسمه الي مسمي اخر يتسق ويتوافق مع المهام والمسوؤليات الجديدة التي يمكن ان تمنح له في الدستور القادم الذي يعتبر هو البند الاساسي لحكومة الحوار الوطني في مهامها القادمة وربما هذا هو الرهان لهؤلاء "الشيوخ" الذين تمهلوا الان في كراسيهم قبل ان يعطوا هذا الشعب تفسيرا لتلك العبقرية التي جاءت بهم الي مجلس الولايات وهكذا ظل غمار الشعب حائرا كما هؤلاء الشيوخ حياري يبحثون عن هوية وعن مشروعية . هاشم عبد الفتاح