نبض للوطن (عندما يتهاوى الطغاة، تسقط ورقة التوت التي تستر عوراتهم)،و (التور كان وقع بكترن سكاكينو)، هذا المثل الشعبي استخدم الأسبوع الفائت بكثافة لتوصيف الحدث الذي شغلت الرأي خلال تلك الأيام العام... غير أن الاستخدام جاء على نحو استنكاري مصحوبا بسؤال منطقي والسؤال الذي طرحه الكثيرون هو لماذا يسكت الناس عادة عن أخطاء المسؤولين وتجاوزاتهم أثناء وجودهم في السلطة، ولماذا يثيرونها دون خوف بعد مغادرتهم على نحو يجسد المثل ( التور كان وقع..الخ..).. في تقديرنا الأمر طبيعي للغاية ويستمد "طبيعيته" من طبيعة الأنظمة الشمولية، بخلاف الأنظمة الليبرالية التي تسمح باتهام ومحاكمة ومحاسبة أكبر مسؤول فيها، لذلك لا يحتاج الإعلام ولا مواقع التواصل انتظار مغادرة المسؤول موقعه لتوجيه الاتهام له، والحديث عن وتجاوزاته بعد الاقالة أو رحيل نظامه.. أما في الأنظمة الشمولية لا يستطيع لا الإعلام ولا عامة الناس إثارة مثل هذه القضايا إلا في حدود مجالس الأنس وذلك لأن المسؤولين في هذه الأنظمة محميون بالحصانات الصولجان والسلطة وبإمكان أحدهم أن يستخدم السلطة والنفوذ للانتقام في مواجهة مثيري هذه القضايا.. لذلك أجد أن هناك ألف مبرر للناس عندما يمسكون عن إثارة هذه القضايا، ففي الأنظمة القابضة لا تستطيع أن تتحدث عن تجاوزات كبار المسؤولين إلا بعد مغادرتهم، وإذا فعلت إلا تكون بعيدا عن قبضتهم ... وداخلياً انظروا إلى عهدي عبود ونميري لم يكن لأحد أن يتجرأ على أتهام أيا من وزرائهما إلا بعد سقوط نظام الحكم وهذا المثال أكثر وضوحا في حالة عهد مايو... وخارجياً أنظروا إلى عهود مبارك والقذافي وبن علي وصدام وكبار اركان حربهم، وغيرهم فلا أحد استطاع الحديث عن أخطائهم إلا بعد السقوط أو الإقالة وإلا سيذهب إلى ما وراء البحار... في عهد نميري هل استطاع أحد ان يحاكم وزرائه أو الحديث عن تجاوزاتهم؟ ولم توجه لهم الاتهامات ألا بعد سقوط مايو وكذا الأمر في جميع الأنظمة الشمولية .. المنطق الذي يتكيء على الموضوعية يقول: (إذا أصلاً يستطيع الواحد منا أن يتحدث عن جرائم الشموليين وهم على سدة الحكم ستكون أنظمة حكمهم ليست شمولية بل ليبرالية حتى النخاع، وديمقراطية كاملة الدسم، وبهذا لن يكون هناك ثمة فرق بين هذا وذاك... لذلك أرى أن الذين يعيبون على الآخرين إثارة تجاوزات كبار المسؤولين بعد مغادرتهم ليسوا على حق كامل لأن طبيعة تلك الأنظمة لا تسمح بذلك وإلا أن الأمر لا يعدو أن يكون مغامرة ليست مطلوبة.. ...اللهم هذا قسمي فيما أملك... نبضة أخيرة: ضع نفسك دائما في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق أنه يراك في كل حين. أحمد يوسف التاي الصيحة