مراقد الشهداء    وجمعة ود فور    ليفربول يعبر إيفرتون ويتصدر الدوري الإنجليزي بالعلامة الكاملة    كامل إدريس يدشن أعمال اللجنة الوطنية لفك حصار الفاشر    وزير رياضة الجزيرة يهنئ بفوز الأهلي مدني    مخاوف من فقدان آلاف الأطفال السودانيين في ليبيا فرض التعليم بسبب الإقامة    سيد الأتيام يحقق انتصارًا تاريخيًا على النجم الساحلي التونسي في افتتاح مشاركته بالبطولة الكونفدرالية    وزير الداخلية .. التشديد على منع إستخدام الدراجات النارية داخل ولاية الخرطوم    شاهد بالفيديو.. استعرضت في الرقص بطريقة مثيرة.. حسناء الفن السوداني تغني باللهجة المصرية وتشعل حفل غنائي داخل "كافيه" بالقاهرة والجمهور المصري يتفاعل معها بالرقص    شاهد بالصور.. المودل السودانية الحسناء هديل إسماعيل تعود لإثارة الجدل وتستعرض جمالها بإطلالة مثيرة وملفتة وساخرون: (عاوزة تورينا الشعر ولا حاجة تانية)    شاهد.. ماذا قال الناشط الشهير "الإنصرافي" عن إيقاف الصحفية لينا يعقوب وسحب التصريح الصحفي الممنوح لها    10 طرق لكسب المال عبر الإنترنت من المنزل    بورتسودان.. حملات وقائية ومنعية لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة وضبط المركبات غير المقننة    شاهد بالفيديو.. طفلة سودانية تخطف الأضواء خلال مخاطبتها جمع من الحضور في حفل تخرجها من إحدى رياض الأطفال    جرعات حمض الفوليك الزائدة ترتبط بسكري الحمل    ريجيكامب بين معركة العناد والثقة    تعرف على مواعيد مباريات اليوم السبت 20 سبتمبر 2025    الأمين العام للأمم المتحدة: على العالم ألا يخاف من إسرائيل    لينا يعقوب والإمعان في تقويض السردية الوطنية!    حمّور زيادة يكتب: السودان والجهود الدولية المتكرّرة    حوار: النائبة العامة السودانية تكشف أسباب المطالبة بإنهاء تفويض بعثة تقصّي الحقائق الدولية    الطاهر ساتي يكتب: بنك العجائب ..!!    صحة الخرطوم تطمئن على صحة الفنان الكوميدي عبدالله عبدالسلام (فضيل)    «تزوجت شقيقها للحصول على الجنسية»..ترامب يهاجم إلهان عمر ويدعو إلى عزلها    وزير الزراعة والري في ختام زيارته للجزيرة: تعافي الجزيرة دحض لدعاوى المجاعة بالسودان    بدء حملة إعادة تهيئة قصر الشباب والأطفال بأم درمان    لجنة أمن ولاية الخرطوم: ضبطيات تتعلق بالسرقات وتوقيف أعداد كبيرة من المتعاونين    هجوم الدوحة والعقيدة الإسرائيلية الجديدة.. «رب ضارة نافعة»    هل سيؤدي إغلاق المدارس إلى التخفيف من حدة الوباء؟!    تعاون مصري سوداني في مجال الكهرباء    الخلافات تشتعل بين مدرب الهلال ومساعده عقب خسارة "سيكافا".. الروماني يتهم خالد بخيت بتسريب ما يجري في المعسكر للإعلام ويصرح: (إما أنا أو بخيت)    ترامب : بوتين خذلني.. وسننهي حرب غزة    شاهد بالفيديو.. شيخ الأمين: (في دعامي بدلعو؟ لهذا السبب استقبلت الدعامة.. أملك منزل في لندن ورغم ذلك فضلت البقاء في أصعب أوقات الحرب.. كنت تحت حراسة الاستخبارات وخرجت من السودان بطائرة عسكرية)    900 دولار في الساعة... الوظيفة التي قلبت موازين الرواتب حول العالم!    "نهاية مأساوية" لطفل خسر أموال والده في لعبة على الإنترنت    المالية تؤكد دعم توطين العلاج داخل البلاد    شاهد بالفيديو.. نجم السوشيال ميديا ود القضارف يسخر من الشاب السوداني الذي زعم أنه المهدي المنتظر: (اسمك يدل على أنك بتاع مرور والمهدي ما نازح في مصر وما عامل "آي لاينر" زيك)    الجزيرة: ضبط أدوية مهربة وغير مسجلة بالمناقل    ماذا تريد حكومة الأمل من السعودية؟    إنت ليه بتشرب سجاير؟! والله يا عمو بدخن مجاملة لأصحابي ديل!    في أزمنة الحرب.. "زولو" فنان يلتزم بالغناء للسلام والمحبة    إيد على إيد تجدع من النيل    حسين خوجلي يكتب: الأمة العربية بين وزن الفارس ووزن الفأر..!    ضياء الدين بلال يكتب: (معليش.. اكتشاف متأخر)!    في الجزيرة نزرع أسفنا    من هم قادة حماس الذين استهدفتهم إسرائيل في الدوحة؟    مباحث شرطة القضارف تسترد مصوغات ذهبية مسروقة تقدر قيمتها ب (69) مليون جنيه    في عملية نوعية.. مقتل قائد الأمن العسكري و 6 ضباط آخرين وعشرات الجنود    الخرطوم: سعر جنوني لجالون الوقود    السجن المؤبّد لمتهم تعاون مع الميليشيا في تجاريًا    وصية النبي عند خسوف القمر.. اتبع سنة سيدنا المصطفى    جنازة الخوف    حكاية من جامع الحارة    حسين خوجلي يكتب: حكاية من جامع الحارة    مشكلة التساهل مع عمليات النهب المسلح في الخرطوم "نهب وليس 9 طويلة"    وسط حراسة مشددة.. التحقيق مع الإعلامية سارة خليفة بتهمة غسيل الأموال    نفسية وعصبية.. تعرف على أبرز أسباب صرير الأسنان عند النوم    بعد خطوة مثيرة لمركز طبي.."زلفو" يصدر بيانًا تحذيريًا لمرضى الكلى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من ذكريات 30 يونيو 1989 أسوأ يوم فى تاريخ السودان!
نشر في الراكوبة يوم 30 - 06 - 2017


من ذكريات 30 يونيو 1989 أسوأ يوم في تاريخ السودان!
قبل البدء:
قال الأديب العالمى الدكتور/ طه حسين "إن اصابته بالعمى قد صرفته عن كثير مما يشغل المبصرين".
على العكس من ذلك فإن عملى فى مهنتين أحببتهما كثيرا، مجال خدمات "الطيران" كمهنة اساسية لعدد من السنوات مارستها فى عدد من الدول.
إضافة الى مجال الصحافة والكتابة والتنوير، كهواية أقرب للإحتراف وكذلك لمدة طويلة على الرغم من أنى لا أحصل من وراء المهنة الأخيره على مال.
لكن الحق يقال فقد مكنانى من الحصول على "معلومات" ما كان من الممكن أن تتوفر لى من خلال أى مجال آخر.
..........
ومن ثم اقول .. وبالطبع لا يمكن "البوح" بكلما هو متوفر من معلومات وبالتفاصيل الدقيقة لأسباب عديدة .
لا خوفا أو خشية من شئ بعد أن تقدمت سنين العمر، وقد يأخذ الله أمانته فى أى لحظة.
لكن الصلاة كما هو معروف فيها "السر" وفيها "الجهر".
الشاهد فى الأمر وبخصوص ذكرياتى عن 30 يونيو 1989 المشئوم وقبله وبعده.
لم ينتبه الكثيرون لكلام كتبه الصحفى الإخوانى "حسين خوجلى" فى مربع مساحته حوالى بوصة مربعة.
وتم نشره أعلى صحيفته "الوان" قبل إسبوع واحد فقط من تاريخ 30 يونيو 1989، تحديدا يوم 23 يونيو 1989.
لمح فيه لتاريخ ذلك الإنقلاب بالتحديد – لا أدرى هل كان ذلك الموضوع شفرة موجهة الى جهة ما أو دولة ما - كان معنى كلامه يقول.
"تبقى من 30 يونيو أسبوع، ومن قبل إنتظر محمد عثمان الميرغنى الكبير "الجد" أن يأتيه المدد من مصر، فلم يصله.
"فهل ينتظر محمد عثمان الحفيد كذلك أن يأتيه المدد من مصر وهل يصله".
إضافة الى ذلك لم أقرأ .. لكنى سمعت ممن لا اشك فى حديثهم وأكد معلومتهم الدكتور/ الترابى، فى حواره مع بقناة الجزيرة الذى بث بعد وفاته.
أن مجلة "الدستور" البعثية قد أوردت خبرا قبل تلك الفترة نفسها ذكرت فيها أن "الإسلاميين" يخططون لإنقلاب بقيادة الضابط العميد "عمر حسن أحمد البشير".
ثم قبل 5 ايام من تاريخ الإنقلاب تقريبا، وبعد إستلام السيد/ الصادق المهدى رئيس الوزراء ووزير الدفاع وقتها مذكرة قيادة "الجيش" التى أمهلته 7 ايام، لتلبية المطالب المذكورة فيها.
ومعلوم أن السيد/ الصادق المهدى كان قد "إمتنع" عن المضى قدما فى الإنضمام الى إتفاقية السلام التى وقعها السيد/ محمد عثمان الميرغنى رئيس الحزب الثانى فى الإنتخابات "الأتحادى الديمقراطى"، مع الدكتور/ جون قرنق.
بل أنه إرتكب أكبر خطأ فى حياته حيث أبعد "الإتحاديين" وأدخل "الإخوان المسلمين" معه فى حكومة إئتلافية.
معيدا الخطأ الذى إرتكبه "جعفر نميرى".
فمن لا يعرف أن "الإخوان المسلمين" غير ديمقراطيين ولا يؤمنون بشئ إسمه تبادل سلمى للسلطة.
وأنهم يستغلون أى فرصة لتهيأة الجو لإنفرادهم بتلك السلطة و"بغرس" كوادرهم سريعا.
وأن منهجهم منذ خروج حسن البنا بفكرته عام 1928.
تعمل من أجل مشروع "الخلافة" بجميع الوسائل الشريفة والوضيعة.
فذلك إنسان جاهل بأبجديات السياسة أو هو يعمل معهم من وراء حجاب.
المهم فى الأمر أن "الصادق المهدى" الذى طالبته مذكرة "الجيش" بإبعاد "الإخوان" نفى عن قيادة "الجيش".
ما رددته صحف حلفائه "الإخوان" وقتها، عن نيتهم فى القيام باإنقلاب. وقال بالحرف الواحد .. أن "الإنقلابى" لا يرفع مذكرة بل يقوم بإنقلابه مباشرة.
وقبل حوالى 3 ايام من تاريخ إنقلاب "الإنقاذ" الإخوانى المشئوم.
وأنا راجع لمكان سكنى فى أم درمان بعد إنتهاء عملى ليلا فى مكتب طيران الخليج بالخرطوم.
مررت على نادى الخريجين بأم درمان.
حيث كانت تقام ندوة ضخمه أمها عدد كبير من الحضور، تحدث فيها المرحوم /الشريف زين العابدين الهندى والأستاذ / عثمان الشريف.
الأول هو خطيب مفوه علق على الوضع المتأزم خلال تلك الأيام قائلا.
الناس كلها فى غفلة ولا يبالون "على الطلاق بكره نسمع أن ضابطا مغامرا نهض من تربيزة الكوتشينه منفذا إنقلابا إستلم به السلطة".
ثم تبعه "عثمان الشريف" وقد كان خطيبا مفوها كذلك بهجوم كاسح على جماعة "الإخوان المسلمين".
وأنهم معروفين بمتاجرتهم فى الأراضى وفى المضاربة بالدولار.
سبحان الله لاحقا تحالف الرجلان مع "الكيزان"!
فى يوم الجمعة 30 يونيو صباحا لحظتها كنت مع صديق طفولة ودراسة أعتبره شقيقا بل توأما لى، كنت نتأنس.
ونخمن ونسأل أنفسنا عن هوية الإنقلاب الذى بدأ واضحا أنه قد وقع.
حيث بدأ جهاز التلفاز يبث إعلانا عن بيان سوف يتلوه العميد"عمر حسن البشير".
وما أن بدأ فى قراءة بيانه الذى قصد منه "الخداع" والتمويه والتضليل بذكر كلمة مثل "الطفيليين" التى لا يستخدمها عادة الإسلاميون.
حتى التفت نحو صديقى وقلت له هذا إنقلاب "أخوان مسلمين".
فتغالطنا وتركنا الأمر على ذلك الحال حتى إنكشف أمره لاحقا.
مستقبلا كشف الدكتور/ مصطفى الفقى – سكرتير معلومات الرئيس المصرى حسنى مبارك – والدبلوماسى المعروف.
فى ندوة بمصر فى حضور مدير مكتب المؤتمر الوطنى بالقاهرة "كمال حسن على".
ومعه الملحق الإعلامى "عبد الملك النعيم" نيابة عن السفير وقتها "عبد الرحمن سرالختم".
وعدد من الناشطين والمعارضين السودانيين بمصر كنت من بينهم.
قال "الفقى" أنهم خدعوا فى "الإنقلاب" حيث كانوا يظنونه من قبل الضباط الموالين لجعفر نميرى، لا أنهم "متطرفين" إسلاميين.
وللتاريخ فقد كان هذا الكلام هو السبب فى رفض السودان بدعم قطرى ترشح "مصطفى الفقى" أمينا للجامعة العربية خلفا "لعمرو موسى".
ومن المعلومات التى تحصلت عليها لاحقا كذلك رايت من الضرورة ذكرها هنا قبل المواصلة.
حدثنى ضابط مباحث كان زميل دراسة فى المرحلة الثانوية تمت إحالته للصالح العام.
أن أحد منسوبى "الشرطة الفنية" برتبة "مساعد" مباحث، كان مكلفا بتغطية "السفارة" المصرية فى الخرطوم، كتب تقريرا ذكيا اشار فيه.
الى أن ترتيبات أمنية – غير عادية - جرت فى السفارة المصرية قبل يوم من الإنقلاب.
" مما يوحى بحدوث شئ ما" .. والكلام لا زال لمساعد المباحث.
قال لى الضابط هذا التقرير رفع من مكتب قائد الى مكتب قائد بعده حتى وصل الى "تربيزة" وزير الداخلية وقتها "مبارك الفاضل".
فوقع الإنقلاب ولم يهرب من الخرطوم ويفلت من أيدى الإنقلابيين غير "مبارك الفاضل" وحده.
على كل فى بداية ايام الإنقلاب حاول "الضباط" الذين نفذوه أن يظهروا أنفسهم "كأولاد" بلد عاديين.
مثلا .. جاء الى مكتبنا بطيران الخليج بعد ثلاثة ايام من 30 يونيو.
العميد / سليمان محمد سليمان، بزيه العسكرى، مستفسرا عن تذكرة سفر مرسلة من "مسقط" لشقيقته.
بالطبع كان بمقدوره أن يرسل أى شخص من معارفه أو من مكتبه، لكن واضح أنهم يريدون أن يظهروا أنفسهم كأناس عاديين.
وهنا وللأمانة والتاريخ لا دفاعا عن العميد/ صلاح كرار وموقفى من الإنقاذيين جميعهم معروف ومنشور.
لكنى دائما أحاول تحرى الصدق فيما أكتب واقول.
فنفى "صلاح كرار" عن أى صلة له بإعدام الشهيد "مجدى محمد أحمد" صحيح.
فخلال تلك الفترة وبسبب شح العملات الصعبة وعدم قدرة بنك السودان على تحويل مستحقات شركات الطيران العاملة فى السودان.
صدر قرار من رئاسة الشركة فى البحرين ووقتها لم توجد شركة طيران الأمارات أو القطرية أو الإتحاد.
بأن تبيع الشركة خلال الشهر مبلغا لا يزيد عن 350 الف جنيه سودانيا فقط.
فى وقت كنا نبيع فيه خلال اليوم الواحد قرابة ال 4 مليون جنيه.
فكما ذكرت كانت هى الشركة الوحيدة التى يسافر عليها المغتربون السودانيون الى كآفة دول الخليج إضافة الى الطلاب السودانيين فى"الهند" والباكستان.
وهذا جانب مهم فى الموضوع، أعنى "الباكستان" تحديدا.
فوقتها بدأ زحف "الإسلاميين" من كل حدب وصوب نحو أفغانستان عبر "الباكستان" وتحديدا عبر مدينة "بشاور" وأغلب الذين يأتون للسفر من السودان لتلك المنطقة مصريين.
الشاهد فى الأمر وبالعودة لموضوع "صلاح كرار".
خلال تلك الفترة تقدم للحصول على تذاكر ومعه وفد إقتصادى من حوالى 15 شخصا "خبيرا" إقتصاديا لعمل جولة فى دول الخليج.
فدخلت "الشركة" فى محنة لأن قيمة تذاكرهم التى سوف يحصلون عليها فى يوم واحد سوف تتجاوز المبلغ الذى حددته الشركة لكى يباع خلال شهر.
فأقترح المدير العام وكان "عمانيا" من اصل "زنزبارى" أن يمنح الوفد تذاكر مجانية بإعتبار جل أعضائه يتبعون لوزارة المالية التى تتبع لها الخطوط السودانية.
فلو منحوا تذاكر مدفوعة القيمة لا يمكن بيع تذكرة واحدة لأى شخص آخر مهما كانت ظروفه، طالبا أو شخصا إقامته كادت أن تنتهى مثلا.
المهم فى هذه القصة أن "صلاح كرار" فعلا كما ذكر على قناة "أيبونى" قبل عدة سنوات لم يكن متواجدا فى السودان.
وتم تنفيد اعدام الشهيد "مجدى" خلال غيابه، بصورة ماسوية، حيث أعلن عن أن التنفيذ قد تم فعلا قبل يوم ونشر الخبر بأعلى جريدة "السودان الحديث".
وحينما ذهبت اسرته لإستلام جثته وجدوه حيا، فشعروا بفرحة عارمة، تبعها حزن كبير لأن التنفيذ قد تم فى نفس تلك الليلة!!
حادثة أخرى مهمة خلال سنة الإنقاذ الأولى.
لاحظت كما ذكرت أعلاه تدفق عددغير طبيعى من المصريين.
الذين كانوا يتجهون نحو مدينة "بشاور" فى الباكستان، بعضهم لحاهم كثيفة وبعضهم عاديون.
وكثيرا ما كنت الاحظ لديهم "كبون" سفر "عودة" فقط.
و فى الأصل التذكرة كانت ذهابا وايابا.
لكن حينما تقلب جواز المسافر، تلاحظ أنه "ابيض" لا يوجد فيه أى ختم لدخول بلد من البلدان أو الخروج منها.
فكنت أمتنع عن تكملة أجراءات المسافر، لمخالفة فنية يعرفها الذين عملوا فى هذا المجال.
المدهش أن ذلك المسافر كان يعود وبرفقته ضابط أحيانا يرتدى زيه الرسمى واحيانا زيا مدنيا، ومباشرة يصعدون الى مكتب المدير العام "العمانى".
حينما تكرر الأمر قال لى المدير العام تصرفك سليم لكن هؤلاء البشر أزعجونى فلو جاؤك دعوهم يمروا.
لقد كان هذا الأمر هو السبب فى تفكيرى المبكر "للمخارجة" فكما هو واضح من هذا الأمر ومن غيره.
أن البلد فى طريقها للوقوع فى هاوية ومستنقع خطير.
زاد الطين بلة .. ذات مرة كنت مسافرا الى "دبى" فى دورة تدريبية.
فذهبت قبل السفر بيوم لحلاقة شعرى بالفندق الكبير.
بعد أن أنتهيت وأنا خارج شاهدت على بهو "الفندق" شيخا قصيرا أزهريا كما هو واضح من زيه، وواضح كذلك أنه أعمى.
يساعده فى حركته شاب "أمرد" اسمر اللون عمره لا يزيد عن 25 سنة وكان الشيخ يأكل "اسكريما".
لم أهتم كثيرا لمعرفة من هو ذلك الشيخ.
لكنى حينما عدت للمنزل كانت الساعة تقريبا 9 مساءا.
فبدأت نشرة الأخبار، وبعد قراءة العناوين وتفاصيل الأخبار.
عرض لقاء مباشر للمرحوم/ الزبير محمد صالح، نائب عمر البشير وقتها.
فقال بطريقته المعروفة أن "المصريين" يتهموننا بأن الشيخ/ عمر عبد الرحمن فى السودان.
اضاف "الزبير" قائلا .. "عمر عبد الرحمن"| الايكون جاء للسودان خلال حديثى هذا!!!
لا حول ولا قوة الا بالله .. عندها شككت أن ذلك الشيخ الذى نفى وجوده فى السودان "الزبير محمد صالح".
هو "عمر عبد الرحمن الذى أفتى بقتل "السادات" والذى ظل مسجونا فى أمريكا حتى وفاته قبل اشهر قليلة.
كلها صدف .. ثانى يوم بعد أن خلصت عملى بالمكتب وأتجهت نحو المطار للسفر الى دبى، تلك السفرة التى حصلت فيها على "أقامة" اشتريتها من حر مالى.
تفكيرا فى إغتراب وإبتعاد عن وطن واضحة الحالة التى يتجه اليها.
بالمطار كان يقف مع "الشيخ" الأعمى الذى رايته فى بهو الفندق داخل صالة ألمغادرين" ضابط أعرفه.
لأن والده زميل قريب لى وهو بمثابة أخى الكبير كان يعمل فى إحدى المؤسسات الحكومية.
سلمت عليه لكنى لم اساله بالطبع عن إسم الشيخ المصرى الذى كان يقف معه حتى بدأنا بالصعود الى داخل الطائرة.
كانت طائرتنا الكبيرة الحجم تمر "بالدوحة" ويواصل فيها المتجهين لإبى ظبى ومن بعد ذلك نحو بشاور.
أما نحن الذين نتجه الى "دبى" فكان علينا أن ننزل ونأخذ طائرة اصغر حجما.
كنت أجلس فى الأمام، فصعد الى الطائرة مصرى ملتح بكثافة.
حينما وصل عندى كان واضح أنه سأل عدد من الأشخاص قبلى فاشاروا اليه أن يسألنى بإعتبارى أعمل فى الشركة.
فعلا سألنى قائلا"هل الشيخ عمر عبد الرحمن فى هذه الطائرة"؟
أجبته بلا ولحظتها عرفت أن ذلك الشيخ هو "عمر عبد الرحمن".
قلت له هذه الطائرة متجهة الى دبى، أما الذاهبون الى أبى ظبى أو بشاور فهم سوف يبقون فى نفس الطائرة التى جاءت بنا من الخرطوم.
أحداث كثيره خلال تلك الفترة عرفناها وعايشناها داخل السودان وخارجه، وعرفها كثيرون غيرنا.
يطول الحديث عنها لكنا اشارت الى الطريق الذى يتجه اليه الوطن والذى حل به، ومن اسوأ الأشياء التى فعلتها الإنقاذ.
أنها "فرغت" السودان من كآفة خبراته وكفاءاته فى جميع المجالات بإتباع سياسة "التمكين" والهيمنة وحتى يومنا هذا.
حتى اصبحنا نجد "نقيبا" فى الشرطة مثلا ترتجف له أوصال لواءات وعمداء لأنه "زول" النظام ولو كتب فى أحد قادته أولئك تقريرا فسوف يذهب للشارع.
كذلك الحال فى الخطوط السودانية التى كانت أشبه بالمجال العسكرى.
وكان لا بد أن تخسر وتفشل مثلما خسرت العديد من المؤسسات.
ومن يحدثوننا فى كل مرة عن "الوطنية" الزائفة التى لا يمكن أن تكون من خلال أى موقف داعم لهذا النظام.
عليهم أن يخجلوا ويستحوا وأن يعلموا بأن "الوطن" قد أختطف منذ 30 يونيو 1989.
والوطنية مطالب بها هذا "النظام" وقادته أن يرحلوا حتى تحل جميع مشاكل الوطن دون خضوع أو خنوع أو ركوع لجهة وقبل أن يضيع الوطن كله وتضيع ما تبقى من أراضيه وثرواته.
أما من هو عاجز عن مواجهة النظام وأنعدمت النخوة فى داخله واصبح غير غير على رفض النظام ولو باضعف الإيمان.
فعليه أن يعلم بأنه ساقط فى ميزان الأخلاق وعليه أن يترك الآخرين لكى يتعاملوا مع هذا النظام غير السودانى أو الوطنى بالطريقة التى تريحهم.
وهذا قليل جدا مما هو كثير وخطير.
ولكل مقام مقال.
أكبر جريمة أخلاقية فى هذا العصر هى أن ترفع العقوبات عن كاهل النظام المجرم الإرهابى.
تاج السر حسين –


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.