ظهرت مؤخراً في الكتابات السياسية لفظة إنجليزية مستحدثة هي "state capture" وقد استعملت اللفظة للمرة الأولى كما تقول المراجع في مطلع القرن الحالي ضمن تقارير البنك الدولي ، وليس لها حتى الآن - حسب علمي - مقابل متفق عليه في اللغة العربية. تعني الكلمة ببساطة وقوع الدولة تحت قبضة أصحاب المصالح الخاصة وتشير إلى عملية تسخير الإجراءات الرسمية كالقوانين والسياسات الحكومية ، ومؤسسات الدولة وعلى رأسها الخدمة المدنية لتحقيق المنفعة الخاصة التي تعود للأفراد والشركات وذلك على حساب المصلحة العامة التي تستهدف الغلبية العظمى من المواطنين. ترتبط هذه الممارسة كما هو معلوم ارتباطاً وثيقاً باستشراء الفساد داخل الأجهزة الحكومية والعلاقات المريبة بين شخصيات في مواقع عليا بالأجهزة التنفيذية للدولة مع الشخصيات والجهات المستفيدة من هذه الممارسة. لا شك أن هذا التعريف يعني أن مثل هذه الممارسات غير الشرعية تستشري في العديد من الدول ، ولعل ما تذخر به الصحف وأجهزة الإعلام في مختلف أنحاء العالم يؤكد ذلك حتى أصبح العمل السياسي صنواً للفساد ، وأصبح مدخلاً لأصحاب النفوس الضعيفة لاستغلال مواقعهم الرسمية ونفوذهم في تحقيق مطالبهم الخاصة وخدمة المقربين لهم. وبالرغم من المحاولات العديدة التي يبذلها هؤلاء لإظهار طهارة اليد بالحديث عن المبادئ السامية التي تعمل من أجلها الحكومات التي ينتمون لها ، فإن الأمر ينتهي بهم غالباَ بالولوغ في الفساد واستغلال النفوذ. وقد يكون حدوث ذلك الأمر أكثر احتمالاً في الأنظمة الاستبدادية بينما تتراجع مثل هذه الاحتمالات في حالة الأنظمة التي تتوفر فيها درجة عالية من الشفافية المتمثلة في حرية الاعلام والصحافة والانتخابات الدورية ، ولعل ذلك هو السبب وراء المحنة التي يعيشها الرئيس جيكوب زوما حالياً. هناك اعتقاد سائد بأن جميع الدول الأفريقية تعاني من هذه الظاهرة بدرجات متفاوتة ، غير أن جنوب أفريقيا وبفضل نظامها الديمقراطي وما يتوفر فيها من حريات ظلت تستحوذ على اهتمام الإعلام المحلي والدولي. ولعل هذا الاهتمام بالعلاقة المريبة التي ربطت الرئيس جيكوب زوما وعدد من كبار المسؤولين بالدولة بمؤسسة غوبتا الاقتصادية هو السبب وراء الموقف الحرج الذي وجد الرئيس زوما نفسه فيه ، مما جعله هدفاً لسهام أجهزة الإعلام المحتلفة والانتقاد الحاد لسلوكه من جانب منافسيه على الساحة السياسية ، بل ومطالبة البعض باستقالته من منصبه. ظل الرئيس زوما صامداً حتى اليوم في مواجهة منتقديه وحملتهم التي اتخذت أشكالاً عدة من بينها النبأ الذي تصدر المواقع الأخبارية عن استقالته قبل ثلاث أشهر وصدقه الكثيرون ، إلى أن اتضح في النهاية أنه مجرد مزحة بمناسبة الأول من أبريل. بالرغم مما أشرنا له أعلاه من صمود الرئيس زوما حتى الآن فإن الخناق يضيق عليه يوماً بعد يوم للدرجة التي جعلت الكثير من السياسيين ومن بينهم بعض المقربين للرئيس نفسه يجهرون بالمطالبة باستقالته من منصبه. ولا بد كذلك من التنويه بالدور الكبير الذي تلعبه الصحافة وأجهزة الإعلام الأخرى في جنوب أفريقيا في كشف تفاصيل العلاقة المريبة بين مؤسسة غوبتا وعدد من المسؤولين بالحكومة ومن بينهم الرئيس نفسه وبعض أفراد عائلته. لعل الاحتمال الأكبر هو أن الرئيس زوما سيضطر في النهاية للاستقالة من منصبه ، وإن كان بعض المراقبين يقولون إن ذلك لن يعفيه من الإجابة على الكثير من الأسئلة التي طرحت ولا زالت حول علاقته مع مؤسسة غوبتا ومدى الدمار الذي تسببت فيه للاقتصاد في جنوب أفريقيا. وبما أن المزيد من أسرار هذه العلاقة تتكشف يوماً بعد يوم مع ورود أسماء بعض المسؤولين الحكوميين والحزبيين وأفراد عائلاتهم فإن الأمر لن يقتصر على الرئيس وعائلته فقط بل قد يمتد ليشمل العديد من مسؤولي الدولة. ويرى بعض المحللين أن جنوب أفريقيا بحكم أنها من أكبر الدول الديمقراطية في القارة فإن الواجب يملي عليها أن تضع أسساً رصينة للتعامل مع هذه القضية بالصورة التي تنعكس على بقية الدول الأفريقية. محجوب الباشا