مثلما تسمح مجالس الأنس والسمر في مجتمعنا بالاستماع إلى قصص وحكايات كاذبة من هواة ممارسة الكذب الأبيض، بغرض تمضية الوقت، فلا يعترضون عليهم طالما أن أكاذيبهم تلك لا يتضرر منها أحد. كذلك يمكن أن يتحمل الناس تجمل المسؤولين بأخبار وتصريحات يضخمون بها جهودهم ويمكيجون أنفسهم إعلامياً، لكن في الحدود التي لا تجعل هذا التجمل الكاذب على حساب أرواح المواطنين . تجملوا بإنجازات وهمية لكن لا تجملوا صورتكم على حساب صحة وسلامة المواطنين . وزير الصحة بولاية الخرطوم – وليس وزير التربية – هو الذي تصدى لرفض مطالب الرأي العام قبل أسابيع بتأجيل بداية العام الدراسي حتى تزول موجة الإسهالات وتنتهي، وهذا المطلب كان مطلباً موضوعياً، بل كان من المفترض أن تبادر الوزارة به بالإعلان عن تأجيل العام الدراسي بسبب انتشار وباء الإسهالات المائية، لكن الوزير المسؤول عن مواجهة المرض والمسؤول عن مكافحته، أراد ربما أن يتجمل ويجمل جهده القاصر في محاربة الإسهالات بأن يصر على عدم وجود داعٍ لتأجيل المدارس، حتى لا يثبت على نفسه وعلى وزارته دليلاً دامغاً لاستمرار وجود الوباء أو الفشل في السيطرة عليه . والثمن يدفعه تلاميذ المدارس الصغار.. هم الذين يدفعون ثمن مكياج وزارة الصحة بأرواحهم.. حين تحملهم الوزارة مخاطرة كبيرة جداً بحياتهم وهي تصر على فتح المدارس برغم خطورة وجود مجموعات من الأطفال في مكان واحد وبينهم مصابون في ظل بيئة صحية متدهورة تماماً، تعاني منها أعداد كبيرة من المدارس في الخرطوم وبقية ولايات السودان . مدارس تفتقد لأبسط مقومات الصحة من مراحيض نظيفة وغيرها وتريد الحكومة أن تفتحها في هذه الظروف، فإنها بالتأكيد تريد أن تتجمل أمام الإعلام الداخلي والخارجي على حساب هؤلاء التلاميذ . وأذكر ويذكر مأمون حميدة نفسه، أنه قبل أعوام قريبة وأظنه كان هو نفسه وزيراً للصحة في ولاية الخرطوم، قررت حكومة الولاية أيام الخضر تأجيل العام الدراسي لأسبوعين بسبب موجة ارتفاع في درجات الحرارة، وأعلنت الحكومة رسمياً أن تأجيل العام الدراسي لأسبوعين لهذا السبب دون أن تحتاج للكذب أو التجمل.. فلماذا تؤجل حكومة الخرطوم المدارس حين يكون السبب طبيعياً أو (من الله)، كما يقولون، ولا تؤجلها حين يكون الأمر مرتبطاً بوباء أخطر على التلاميذ من ارتفاع درجة الحرارة..؟! الإجابة واضحة جداً أن التأجيل بسبب ارتفاع درجات الحرارة قد يحسب لصالح الصورة المراد تجميلها.. صورة الوزير الحريص على صحة وسلامة التلاميذ أمام ظرف طبيعي ليس للحكومة يد فيه، هو ظرف ارتفاع درجات الحرارة. أما التأجيل بسبب الوباء فهذا يضر بسمعة الوزير وسمعة وزارته، والتي هي في اعتقاد البعض أهم من صحة التلاميذ..!! شوكة كرامة لا تنازل عن حلايب وشلاتين. اليوم التالي