لم تكن حكومة الخرطوم تتوقّع أن يبدأ الخريف بهذه السرعة، فهي مازالت لم تسعد له كعادتها وتقوم بتوزيع الكلام والوعود، ولم تَحتفل بتوزيع معدات الخريف (من كوارك وجرادل) وأدوات بدائية موجودة في كل منزل بالسودان، ولم تُدشّن حملة الخريف، فتأتي كاميرات التلفزيون القومي لتصوِّر الوالي وهو يتفقد المناظر المُعدّة للتصوير وبصحبته "كم معتمد من إيّاهم"، ولم تُحدِّثنا عن الميزانية المرصودة لمُواجهة تكاليف الخريف ولا عن اجتماعها مع الدفاع المدني ووزارة الصحة التي ستُوفِّر النواميس المُشبّعة وأدوية الملاريا، لم تُحدِّثنا عن كل هذا لأنّها مشغولة بإنكار حقيقية وباء الإسهالات المائية الحادة، الآن جاء الخريف دون حتى أن يُقدِّم نفسه عبر إرهاصاته المَعروفة، ها هو يأتيها بغتةً (ويتم الناقصة) فتغرق حتى أذنيها..! لم يكن السّيّد الوالي يتوقّع أنّه وفي صباح اليوم الذي يتحدّى الجميع مُتجاهلاً خوْف المُواطنين وتحذيرات كل الصادقين ليعلن بدء العام الدراسي، أن يحرجه الخريف ويُعلن وصوله فيغمر شوارع الخرطوم قبل أن تشرق الشمس ويذهب هو ليقرع جرس بداية العام الدراسي، هطلت الأمطار بغزارة صحبتها رياح عاتية حتى خُيِّل للناس أنّ الخرطوم تبكي وتضرب الخدود وتشق الجيوب على حالها، لتشرق الشمس وينسى الجميع أمر المدرسة، فجُهُود المُواطنين تتحوّل إلى تصريف دموع الخرطوم ودرء الآثار التي خلّفتها والبحث عن حل لمقبل الأيام حين تسهر باكيةً كل يوم..! للمرة ال 28 يُفاجأ الخريف حكومة الخرطوم وواليها الخامس عبد الرحيم، عاد خريف هذا العام ليجد البلد تنتظره في المكان الذي تركها فيه العام السابق، بل ويجدها أكثر سُوءاً، فهذه المَرّة النفايات تراكمت أضعافاً مُضاعفة وازداد عدد (الكُوش والمَكَبّات) داخل الأحياء، والشوارع أصابها المزيد من السُّوء، حتى المصارف الموجودة دفنتها النفايات، وها هي أول مطرة تفضح والي الخرطوم وحكومته خلال فترة قصيرة مليئة بالفضائح والفشل، فهل يختشي الوالي وحكومته..؟! من يشاهد الخرطوم يوم أمس بعد هطول الأمطار يتأكّد له أنّ هذه الجيوش من المسؤولين (قاعدين سَاكت)، حتى بعد هُطولها لا أحدٌ اهتم بالمياه التي أغرقت كل الشوارع وشَلّت الحركة تماماً، ومنعت المدارس من أن تفتح أبوابها، حتّى المُوظّفين لم يذهبوا إلى مكان العمل وسيظل الكل مشغولاً بالخريف خلال الفترة القادمة إلاّ الوالي وحكومته..! السؤال المُحيِّر، هل يُشاهد الوالي شوارع الخرطوم أم أنه أصلاً لا يمر بها ويكتفي بالشوارع التي تقوده من منزله إلى مكتبه والى مكاتب المسؤولين الآخرين؟! فلا أصدق أنه يراها وهو على علم بحالها، بل لا أصدِّق أنه يسكن فيها، يستحيل أن يعجز عن فعل شيء وهو اليوم يكمل عامين ويزيد، فالوضع الذي آلت إليه الخرطوم في عهده ليس هناك ما يُمكن أن يفسره غير أنه يقود مُؤامرة ضدها القصد منها دمارها دماراً شاملاً حتى لا تقوم لها قائمة، فهل يستطيع الوالي أن يبرئ نفسه؟ لا أظن، فما قيل وكُتب عن مشاكل الخرطوم كثير جداً وقد وفّر له الكثير من العناء ووضع أمامه المشاكل مكشوفةً والحلول، ورغم هذا يفاجئه الخريف والشتاء والصيف..! حقيقةً يجب أن تقف حكومة المؤتمر الوطني في أمر ولاية الخرطوم هذا ألف مرة، إن كانت فعلاً تريدها أن تتغيّر، إذ أنه من المستحيل أن يكون بها والٍ و7 مُعتمدين ووزير بيئة وبنى تحتية ومجلس أعلى للبيئة وهيئة لنظافة الخرطوم، ورغم كل هذا تظل واقفةً حيث كانت في العام 1989..! التيار